تتزايد يومياً وتيرة الانتهاكات التي يقوم بها المستوطنون الصهاينة ضد الفلسطينيين سواء داخل الخط الأخضر أو خارجه، وتتنوَّع أشكالها، بدايةً بالاعتداءات المتكرّرة على المسجد الأقصى المبارك، مروراً بالاعتداء على المقابر، ومن ثمَّ الاعتداءات المتفرقة على المساجد وإحراق بعضها، كمسجد قرية بيت فجار، ومساجد بورين.
وتأتي تلك الانتهاكات المتواصلة في ظل حملة مسعورة ينفذها المستوطنون تحت إشراف قوات الاحتلال الصهيوني، من أجل تفريغ المدينة من سكانها، والتخلّص ممَّا يعرف بالقنبلة الموقوتة.
عن أبرز الانتهاكات التي يتعرَّض لها الفلسطينيون داخل الخط الأخضر؟ ولماذا يتم الاعتداء على المقدسات والمساجد خصوصاً، وبشكل متكرّر؟ وكيف يمارس الفلسطينيون حياتهم داخل أراضي الـ48 في ظل الخطر المحدق بهم يومياً؟
هذه الأسئلة وغيرها أجاب عليها رئيس الحركة الإسلامية في مناطق الـ 48 "الجناح الجنوبي" الشيخ إبراهيم صرصور خلال هذا الحوار الذي أجرته معه مراسلة موقع بصائر عبر "الهاتف":
بصائر: ألا توجد مؤسسات أو جمعيات تحمي الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، وتدافع عن حقوقهم؟
إبراهيم صرصور: لا أنكر أنَّ هناك عقلاء في المجتمع اليهودي ينظرون للمشهد من زاوية مختلفة عن تلك التي ينظر من خلالها أغلبية اليهود في إسرائيل والعالم، وهؤلاء يتبنون نظرية تدعو إلى حلحلة الأزمات بين الفلسطينيين والعرب من خلال تسويات معينة سياسية وغيرها.
إلاَّ أن هؤلاء يشكلون أقلية غير مؤثرة في المجتمع اليهودي، ويتهمون دائماً بخيانة مبادئ إسرائيل، وهذه الجمعيات تعمل للتبشير برسالتها من خلال مؤسسات وجمعيات وهيئات، كجمعية حقوق المواطن، وأطباء لحقوق الإنسان، وجمعيات أخرى مماثلة، وهم يقومون بجهد ميداني لا يمكن لعاقل أن ينكره، ويكشف الكثير من الجوانب المظلمة لسياسة إسرائيل وعنصريتها تجاه العرب في الداخل، أو الفلسطينيين في القدس.
وهذا الكم من التقارير الحقوقية تساعدنا إلى حدِّ كبير على اعتبارها تأتي من جهات يهودية في وضع الحقيقة أمام الرأي العام في الداخل، وبشكل أكبر أمام الرأي العام العالمي.
بصائر: ماذا يمثل اعتداء المستوطنين على المساجد والمقدسات وبشكل متكرّر؟
إنَّ الحرب على الفلسطينيين ليست حرباً قومية كما يحاول وصفها كثير من المثقفين الفلسطينيين والعرب، لكنّها حرب امتزج فيها القومي بالديني، بل أقول: إنَّ الديني غلب على كل العوامل القومية
إبراهيم صرصور: واضح أنَّ هؤلاء المتطرّفين حينما يعتدون على المساجد يعرفون القيمة الرُّوحية والفعلية لهذه المساجد، فحينما نرى جماهير كفريق"بيتار القدس" وهو فريق يهودي ينتمي لأكثر التيارات اليهودية تطرّفاً، ويتعمدون شتم الذات الإلهية، والنبيّ محمَّد صلّى الله عليه وسلّم، وهم يعلمون علم اليقين أنَّهم بأفعالهم هذه يغيظون العرب والمسلمين، ويعرفون أنَّ الرموز الدينية واستهدافها أكثر إيلاماً للمجتمع العربي سواء كان مسلماً أو مسيحياً، ولذلك يستهدفون المقدسات ،هم لا يعرفون أنَّهم بهذا العدوان إنَّما يفتحون عيون المجتمع العربي والفلسطيني عليهم.
إنَّ الحرب على الفلسطينيين ليست حرباً قومية كما يحاول وصفها كثير من المثقفين الفلسطينيين والعرب، لكنّها حرب امتزج فيها القومي بالديني، بل أقول: إنَّ الديني غلب على كل العوامل القومية، فمما لا يخفى على أحد أنَّ اليهود عندما قرَّروا إقامة دولتهم على أنقاض شعب لاعتبارات دينية، والناظر في رموز الدولة العبرية مثل النشيد الوطني وغيره يجده يشمل بشكل واضح معاني دينية، تشد دائماً في اتجاه استجلاب ذلك التاريخ المزعوم لهؤلاء وعلاقته بالأرض المقدسة.
وإجابة عن السؤال، فإنَّ استهداف المساجد والمقابر والمقدسات جاء كجزء من حرب حقيقية تخاض من تحت السطح، ولا يريد الكثيرون أن يروها، لكنَّها بلا شك الأخطر ليس فقط على المنطقة بل على العالم كله.
بصائر: كيف يمارس الفلسطينيون في الداخل المحتل حياتهم في ظل الخطر المحدق بهم من قبل المستوطنين؟ وكم يشكلون من إجمالي سكان إسرائيل؟
إبراهيم صرصور: قدر الله أن يبقى (150000) فلسطيني متجذرين في أرضهم ضمن حدود الكيان الصهيوني الذي تمَّ الاعتراف به في ال48، وهذا قدر يصبّ في مصلحة القضية الفلسطينية كلها، خصوصاً أنَّ الأغلبية من الشعب طرد بقوة السلاح.
لا شكَّ أنَّ المجتمع العربي بالداخل يعيش أوضاعاً مزرية، ويحاول أن يلتقط أنفاسه تحت الضغط الهائل الذي يمنعه من تطوير نفسه، إلاَّ أنَّ هذا لم يمنعنا من تطوير أدائنا على جميع المستويات، فهناك وعي جماهيري متعاظم بطبيعة المرحلة مما يجعل الجماهير مستعدة للدفاع عن حقوقها في أيّ وقت.
واليوم أصبحوا مليون ومئتي عربي؛ أي يشكلون ما نسبته 20% من إجمالي سكان الدولة، والمتفحص لملف الجهود العربية داخل الخط الأخضر يلمس بشكل واضح، أنَّ (إسرائيل) ترى هذا الكم خطراً عليها، وتصطلح تسميتهم بالطابور الخامس، والقنبلة الموقوتة، والخطر الأمني والاستراتيجي، وأخيرا بالخطر الديموغرافي.
كما تمارس إسرائيل سياسات تهدف لإضعاف هذا الكم الهائل من السكان، وعدم تمكينه من امتلاك أسباب القوَّة لاعتبار تراه إسرائيل ضرورياً من أجل إحكام السيطرة والتحكم عليه.
وعلى امتداد 6عقود ومنذ قيام الدولة ارتكبت إسرائيل مجازر فظيعة، وسكبت دماءنا عام 1956 م في مجزرة كفر قاسم، وخلال انتفاضة الأقصى عام 2000م، وغيرها العشرات إن لم تكن مئات الحالات التي أزهقت فيها أرواح مئات العرب بسبب الشرطة الإسرائيلية وأجهزتها الأمنية.
كما صادرت 97%من أراضينا، ومن جهة ثالثة ميَّزت ضدنا في كل ما له علاقة بالحقوق الفردية والجماعية.
ولا شكَّ أنَّ المجتمع العربي بالداخل يعيش أوضاعاً مزرية، ويحاول أن يلتقط أنفاسه تحت الضغط الهائل الذي يمنعه من تطوير نفسه، إلاَّ أنَّ هذا لم يمنعنا من تطوير أدائنا على جميع المستويات، فهناك وعيٌ جماهيري متعاظم بطبيعة المرحلة مما يجعل الجماهير مستعدة للدفاع عن حقوقها في أيّ وقت.
وكذلك تطوير محل الحكم العربي بما يخدم دورات التنمية في المجتمع إضافة إلى تفعيل الأحزاب والهيئات والحركات الفاعلة على السَّاحة العربية بما يضمن أقصى درجات التنسيق والعمل العربي المشترك، ونهاية تطوير ما يسمَّى بالعمل الأهلي من خلال عشرات الجمعيات الأهلية المتخصصة في جميع مجالات الحياة، والتي تقوم بدور كبير في التوعية والتعبئة في اتجاه تحقيق حالة من حالات الاستقرار والأمن لمجتمعنا في ظل مواجهة غير متكافئة بيننا وبين دولة وحكومة تملك كل أوراق الضغط الممكنة.
هذا قدرنا كمجتمع عربي أن نعيش في قلب "الحوش" (الإسرائيلي)، وأقول بشكل لا مبالغة فيه: إنَّ مجتمعنا واعٍ تماماً لطبيعة التحديات والأهداف التي يريد أن يبلغها، ومستوعب لأدوات العصر التي لا بد منها من أجل إدارة معركة ناجحة في مواجهة هذه التحديات مع ثقة لا حدود لها بأنَّ المستقبل لن يكون إلاَّ لصاحب الحق، ونحن نؤمن أننا كشعب فلسطيني في الداخل والخارج أصحاب حق، سنصل مهما طال الزَّمن إلى شاطئ الأمان مهما كانت العقبات والكمائن في طريق الوصول.
بصائر: ما هو تأثير الانتهاكات على الواقع الاجتماعي الذي يعيشه الفلسطينيون داخل الخط الأخضر؟
الانتهاكات تزيدنا إصراراً على التمسك بحقوقنا، وتلفت نظر الشباب الذين يستسلمون في بعض الأحيان إلى التيار الإسرائيلي الجارف إلى أنَّهم في النهاية عرب ينتمون لتاريخ وحضارة، وتدفع بالشباب العربي لمزيد من الوعي والاصطفاف وحشد القوة في سبيل خلق حالة تمايز بيننا كمجتمع مستهدف من الاعتداءات وبين (إسرائيل) كدولة.
إبراهيم صرصور: الانتهاكات تزيدنا إصراراً على التمسك بحقوقنا، وتلفت نظر الشباب الذين يستسلمون في بعض الأحيان إلى التيار (الإسرائيلي) الجارف إلى أنَّهم في النهاية عرب ينتمون لتاريخ وحضارة، تشكل في أبسط الأحوال منافساً لمن بيدهم أوراق السلطة والقوَّة في هذه الأيام.
وتلك الاعتداءات وإن سببت آلاما إلاَّ أنَّها بالمقابل تدفع بالشباب العربي لمزيد من الوعي والاصطفاف وحشد القوة في سبيل خلق حالة تمايز بيننا كمجتمع مستهدف من الاعتداءات وبين (إسرائيل) كدولة، ومازالت تتعامل معنا بعداء لا يخفى على أحد، ولا بد لي في هذا المقام أن أشير إلى أنَّ التحديات تزيدنا قدرة على تصحيح مسار المجتمع، والذي يعاني من أزمات اجتماعية على رأسها العنف المستشري في أوساط قطاع من الشباب، وهذه التحديات تضعنا وتضع الشباب أمام استحقاق يدعو الجميع لتجاوز هذه الأزمات التي تساعد الخصم (الحكومات الإسرائيلية).
ولتفويت الفرصة لا بد من تخفيف كلّ بؤرة توتر في مجتمعنا العربي. وخلاصة الأمر أنَّ هذه التعديات مرفوضة وتسبب لنا إساءة كبرى إلاَّ أننا ننجح في أكثر الأحيان من استخلاص العبر وتحويلها إلى رافعات لتحسين العمل في المجتمع العربي وتنظيم الصفوف بما يضمن التخفيف من هذه السياسات الإسرائيلية بقدر المستطاع من جهة ووضع مجتمعنا العربي على طريق النهوض الحقيقي من جهة أخرى.
بصائر: هل تعتقد أنَّ خفّة حدّة المقاومة الفلسطينية زادت من الانتهاكات؟
إبراهيم صرصور: أنا شخصياً أعتقد أنَّ المقاومة تتغيّر بناءً على طبيعة الظرف الذي يعيشه السكان في المنطقة، ولا أستطيع أن أتجاهل أنَّ هذه المقاومة إقداماً وإحجاماً، نجاحاً وفشلاً تتعلق بظروف تعيشها المقاومة في الداخل والخارج، ومن الحكمة أن تصاغ المقاومة بما يخدم المصلحة العليا، وأن يتم تبني صور من المقاومة المختلفة لتتلاءم وطبيعة الوضع الفلسطيني.
فنحن الفلسطينيون داخل الخط الأخضر نتبنى المقاومة المدنية، لكن الفلسطينيين في الضفة والقطاع يتبنون مزيجاً من المقاومة العنيفة والعسكرية، بينما الفلسطينيون في الأردن وسوريا يتبنون المقاومة المدنية السياسية، فالظروف تفرض على الشعب الفلسطيني الاختيار الذكي لأسلوب المقاومة الذي يصبُّ في خدمة القضية الفلسطينية.
فالشعب يعيش حالة مقاومة، ولذلك ازدادت حالات العدوان علينا، داخل الخط الأخضر، ولا يدل ذلك على ضعف المقاومة بقدر ما يدل على توغل إسرائيلي يصب في نهاية المطاف في تجريد الرّأي العام لدعم الحق الفلسطيني في مواجهة الباطل (الإسرائيلي) خصوصاً في ظل غياب الحلول العسكرية.
بصائر: حكومة الاحتلال تواصل صرف 600000 دولار أمريكي سنوياً على أحد المعاهد الدينية في مستوطنة "يتسهار"بالضفة الغربية، وتخرج العديد من المستوطنين من ضمنهم الذين تورطوا بإحراق مسجد "طوبا الزنغرية"، بهذا الصَّدد ما هي الخطوات التي تقوم بها حكومة الاحتلال من أجل تشجيع المستوطنين في اعتداءاتهم ضد الفلسطينيين؟
إبراهيم صرصور: إنَّ الحكومة التي نراها اليوم ليست الحكومة الحقيقية التي تحكم (إسرائيل) إنَّما يحكمها 3مستويات وهم، حكومة المستوطنين وبيدها تحديد المسار السياسي (الإسرائيلي)، وحكومة كبار الرأسماليين وهم يحدّدون الحالة الاقتصادية (الإسرائيلية) وهي تسير بخطى حثيثة من أجل تذويب ما يسمَّى بالطبقة الوسطى.
وحكومة الجيش والتي تحدّد ما يسمّى باستراتيجيات الدفاع، وهذه الحقيقة فيمن يحكم (إسرائيل)، فالحاكم ليس نتنياهو إنما حكومات أخرى.
والحكومة الحالية أكثر دعماً للتواطؤ مع تلك الحكومات الخفية، والمستوطنون الذين أحرقوا المسجد هم مثال واضح في أنَّ (إسرائيل) تعتبر المستوطنين الذخر (الإسرائيلي) لها.
ونتنياهو يحرص على تماسك التحالف أكثر من تمسكه بالأجيال (الإسرائيليين)، وهناك أنظمة مستبدة على مدى التاريخ، ومع الأسف الحكومة الحالية نجحت تقريبا في تحقيق أهدافها، ومن يجرئ (إسرائيل) على التعامل هذا هو نفاق المجتمع الدولي والإدارة الأمريكية الحالية التي تدخلت تحت عباءة نتنياهو، والذي أصبح جزءاً من هذه الماكنة التي تغذّي حالة الاستقطاب الآن.
بصائر: ما هو البرنامج الذي من الممكن انتهاجه للحدِّ من الانتهاكات؟
إبراهيم صرصور: لا اعتقد أنَّ هناك برنامجاً سوى عودة الوعي إلى الأمَّة، وأنا لا أستطيع تجاهل أنَّ هناك صعوداً لنجم الأمَّة خاصة في ظل الثورات العربية، وهذا الصدام انتهى في مصلحة الوعي العربي، وهذا معناه عودة الإرادة العربية المستقلة وعودة الأمن القومي العربي.
وإذا وصلت الأمَّة لهذه المرحلة من الوعي والتحرّر من أشكال الهيمنة الخارجية يعنى أنه " يا عالم ويا أوروبا إذا لم تلبوا مطالبنا لن يكون ذلك في صالحكم"، و(إسرائيل) لن تساوي شيء بعيداً عن الدَّعم.
بصائر: ما هي مطالبكم ولمن توجهوها؟
إبراهيم صرصور: مطالبنا لأنفسنا، ولا أتوقّع من مجتمع دولي أو أمّة عربية أن تساعدنا، وأعوّل بعد الله وتوفيقه بأن نستمر في صمودنا وتشبثنا بأرضنا، وتطوير أدوات عملنا ومواجهتنا لكلِّ السياسات العنصرية.
وأنصح الشعب الفلسطيني بأن لا يفقد الأمل، وأن يكون على ثقة بالنَّصر، وأنَّ القضية الفلسطينية تسير في الطريق الصَّحيح، وأن نثق بأنَّ المستقبل لنا.
بصائر:ما هي الرِّسالة التي توجّهها للحكومة الصهيونية والمستوطنين داخل الخط الأخضر؟ وللأمَّة العربية؟
إبراهيم صرصور: لا أوجِّه رسائل أو نصائح سواء (للإسرائيليين) أو للمستوطنين لأنَّهم ليسوا في حساباتي، وأقول للأمَّة العربية: إنَّها في طريقها الصحيح لإعادة بنائها وينبغي عليها التمسك في حقها بالعيش الكريم والنضال المستمر والمتطوّر.
والمطلوب من الشعب الفلسطيني داخل الخط الأخضر أن يتمسك بالثوابت من أجل تحقيق ما يحلم به بالعودة وتحرير فلسطين.