إلى كلِّ الأمهات والمربيات الفضليات...اسمحن لي أن أحلّ نزيلة في بيوتكن، لأقف بجواركن للحظات ، وأشدّ على أيديكن إن نجحتن، وأخفّف عنكن إن تعبتن، وأحدّد لكن إن كللتن من المسير، وأطلعكن على بعض من خفايا التربية التي من المسير، وأطلعكن على بعض من خفايا التربية التي من شأنها أن توفر جهدكن وتختصر عليكن الطريق.
أيتها الأم الكريمة، لا تتعاملي مع ابنك بمثالية وأنَّه سيؤدّي دوره على أفضل حال ، يأكل في وقت محدَّد، وينام بمجرَّد الطلب منه، ويعرف مصالحه، ويذاكر في أوقات محدَّدة، ويعتني بنفسه ويرتّب غرفته، ويعيد ألعابه إلى أماكنها بعد الانتهاء من اللعب، إلى آخره من أمور تطمح كل أم أن يقوم بها الأبناء، فتصاب الأم بخيبة أمل ويأس وفشل.
اسمحي لأبنائك أن يعيشوا حياة طبيعية، وكوني معهم بتوجيهك وتقييمك ودعائك، ثمَّ استمتعي معهم بكلِّ ذلك.
أيتها الأم الصَّبورة، لا تتذمري لأنَّ ابنك كثير البكاء والحركة وعنيد ومشاكس، لأنَّ الواقع يثبت أنَّ الأطفال الأكثر تمرّداً ومشاكسة في الصّغر هم الأقدر على الرِّيادة والقيادة والمبادرة في الكبر، والسّر يكمن في أنَّهم يتلقون توجيهاً مستمراً بسبب طبيعتهم الصعبة.
أيتها الأم الحنونة، الأبناء كالكهف ، فإذا دخلت كهفاً وتحدثت فحتما سيعيد لك صدى صوتك، إن كان عالياً، فالصَّدى عالٍ، وإن كان غاضباً فالصَّدى سيكون كذلك وإن كان حنوناً هادئاً فسيعود لك حنونا هادئاً فأسمعهيم ما تحبّين سماعه.
أيتها الأم المؤمنة ، هل جرّبت الاستيقاظ باكرا قبل أبنائك؟ تستقبلين اليوم الجديد بحيوية وتأخذين ساعات الفجر زاداً، فأنت بحاجة إلى أعصاب هادئة ونفسية مشرقة تستقبلين بها أبناءك مع صباح كلِّ يوم ، كي تتحمّلي ضغظ ساعات الاستعداد للمدرسة، وخصوصاً إن كنت أمّاً عاملة ، و سؤال لك غاليتي؟ هل تحافظين على أذكار الصَّباح والمساء، و هل علمتيها لأبنائك؟
أيتها الأم الفاضلة ، لا تظني بأنَّك تسدين لهم معروفاً عند تنشئتهم في الترف والنعيم والرفاهية، ولكن بين الفينة والأخرى عرضيهم للاختبارات وتجارب على قدر عمرهم ليشتد العود، وليتعوَّد الأبناء على مجابهة شدَّة الحياة.
أيتها الأم العاقلة ، عوّدي أبنائك الاعتماد على النفس وساعديهم ولكن بقدر، وكوني صابرة في ذلك، ولا يدفعنك ضغط الوقت وقلة الصَّبر والحب المفرط لهم إلى إنجاز الأعمال بدلاً منهم، لأنك بذلك ستحرمينهم من خوض التجارب التي يحتاجونها من أجل النمو، وستحرمينهم من اكتشاف قدراتهم، فيظنون أنَّهم لا يحسنون شيئاً إلاَّ إن كنت بجانبهم تمدّين يديك لهم في كلِّ حين.
عزيزتي الأم : لا تجعلي الأخطاء تمرّ حاملة معها الانفعالات الوقتية من صراخ أو ضرب أو سبٍّ وشتم، بل كوني مربية حكيمة تعرف الهدف ولديها طموحها وأمالها في تنشئة طفل يضيف شيئاً للحياة، ولا أن يكون عالة عليها، فمثلا إذا كسر ابنك كوبك المفضل وأنكر ذلك، أولا لا تغضبي عليه وبيني له خطورة الكذب وأنَّه يجعله فرداً غير محبوب ، بيني له أنَّ عليه الاعتذار والاستغفار، ثمَّ قومي بالثناء عليه لحسن تصرّفه.
أيتها الأم الحليمة، اعملي واسهري ووجهي وانصحي وعلمي وأدبي ، طالبة مرضاة الله ورضوانه في كلِّ ذلك غير منتظرة ثواباً أو أجراً من أحد ، شأنك في ذلك شأن إبراهيم عليه السَّلام الذي نذر حياته كلها لله: {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين}، ويكون شعارك: حسناتهم ستسكب في ميزانك سكباً ، والصَّبر شرط للتربية الناجحة، واشعري أنَّك في عبادة عظيمة، دورك لن يؤديه غيرك، ولا بد من ساعات المحن التوكل على الله، فهو خير معين وربما تكون ذنوبنا هي سبب البلاء ، يقول أحد الصَّالحين: ((إنِّي أرى أثر ذنبي في نفسي وأهلي ودابتي)).
أيتها الأم الحبيبة ، كفي عن التذمر والشكوى، وعليك بأن تطرق باب الله فهو الذي يرفع البلاء ومن بيده المنع والعطاء فاشكي لهكما قال يعقوب عليه السلام:{إنما أشكو بثي وحزني إلى الله}، وعليك بالدُّعاء لهم فدعوة الأم مستجابة.
أيتها الأم الرفيقة ،التهديد بلا تنفيذ هو ديدن كثير من الأمهات، وهذا يولد أبناء متمردين غير واثقين بآبائهم، يفعلون ما يريدون لا ما يطلبه منهم الآباء، كما أنَّهم يكونون كثيري الإلحاح لنيل ما يطلبون.
ويقول رسول الله : ((لا تغضب لا تغضب لا تغضب))، وعلاج ذلك صبر وتريث مع الأبناء...
صلاة ودعاء ... وتأكّدي أنَّ ثالثهما الفرح والهداية من الله.
أيتها الأم ، ربي وعلمي الأبناء ووجهي، ولكن ضعي في اعتبارك أنَّ الأبناء أهم من أيّ شيء مادي ، وأنَّ الحفاظ على طاقاتك شيء أساس، فلا تهدريه على أمور صغيرة، قد تعالج بقليل من التوجيه، ولا تنسي بأنَّ صغارك حين يضحكون فهم أكثر جمالاً وإشراقاً منهم حين يبكون، فلا تكوني سبباً في أن تغادر البسمات محياهم.
أيتها الأم، إنَّ أبناءك هم مدربوك الخاصون، قادرين على إعطائك دورات في الصَّبر والإنصات وفن الاستماع ، فتعلّمي!!
اللعب حاجة مهمَّة عليك أن تفهميها، لكي يتبنى شخصيتهم من خلالها، وكي لا يكون اللعب يشكّل لك مصدرَ إزعاج وتذمر.
اعلمي غاليتي أنَّ أبناءك شيء فريد، وأنَّهم مميَّزون بكلِّ ما حباهم الله إيّاه، وأنَّهم لن يكونوا أفضل ممَّا أوجدهم الله عليه، فلا تكوني سبباً لشعورهم بالنقص والدونية ، ساعديهم على التعرف على كل ما هو جميل لديهم أثني عليهم وعلى أخلاقهم ، أوجدي في نفوسهم الرِّضا عن الله والفرح بما حباهم به من نعم.
ضمّيهم إليك، تعرفي على مشكلاتهم ولا تسخري منها، وإن كانت في نظرك تافة وصغيرة لكنَّهم ما أبكتهم ولا أحزنتهم إلاَّ لأنَّها تعني لهم الكثير ، تذكري مواساة الرَّسول الكريم : ( يا أبا عُمير، ما فعل النُّغير؟)، يعلق الدكتور عائض القرني في كتابه ( قال لنا المعلم) تحت عنوان : طائر يموت ، تعليقاً لطيفاً يقول : ( إنَّ الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام سمع بفاجعة ومصيبة حدثت في المدينة، وكارثة حلَّت في بيت من بيوت الأنصار، هذه الكارثة هي موت طائر صغير كالعصفور، لطفل كان يلعب به، هذا الطفل اسمه أبو عمير، فأخبر الرَّسول بأنَّ هذا الطفل مات طائره فانتقل الرَّسول الكريم إلى بيت أبي عمير وهو أخو أنس خادم الرَّسول ليعزيه وليرفع له حرارة العزاة والمواساة وهو يظهر الأسى ، " يا أبا عمير ، ما فعل النغير؟"، قال: مات يا رسول الله، فأظهر رسولنا صلَّى الله عليه وسلّم التأسف مع شيء من البسمة الرقيقة).
اليوم هم يلوّنون أوراقهم بألوانهم الزَّاهية البراقة، وغداً سيلوّنون الكون بأعمالهم الرَّائعة.
ألوان الصِّغار مفعمة بالبهجة والنَّضرة مليئة بالحيوية والنشاط ، وسترين أعمالهم كذلك في المستقبل القريب، وكل ما عليك اليوم أن تراقبيهم وتشدّي على أناملهم الرَّقيقة وتقومي اعوجاج خطوطهم وتمديهم بالألوان الرَّائعة، لأنَّها ستنعكس على شخصياتهم في القريب العاجل، ولا بد أن تؤمني بأنَّ كلَّ واحد له لون مفضّل، فلا تجبريهم على ألوانك الخاصة ، بل دعيهم يجرّبون ويضفون على كلّ شيء لمستهم الخاصة بهم لأنَّها تعني لهم الكثير.
نفعك الله بأولادك وأعانك وثبت خطاك في طريقك الشَّاق ، فأنت الأم وأنت صانعة الأبطال ومخرجة الرِّجال، عملك جاد وشاق، فاستعيني بالله ولا تعجزي.
للاستزادة:
حبّة مسكن للأمهات – مريم بنت سيف المزروعي