الدَّعوة إلى الله عزّ وجل من أجلّ الأعمال وأفضلها، وهي واجبة على كلِّ مسلم ومسلمة، ومنها تستمد هذه الأمة خيريتها، كما قال تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) (آل عمران: من الآية 110)، وقد قال الفاروق عمر رضي الله عنه عندما هذه الآية: "من سرَّه أن يكون من هذه الأمة فليؤد شرط الله فيها" قالوا: وما شرط الله فيها؟ قال: "تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر".
كما أن الصفة الفارقة بين المنافقين والمؤمنين هي صفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما قال تعالى في سورة التوبة عن المنافقين: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمَعْرُوفِ) (التوبة: من الآية 67). وبعدها قال عن المؤمنين: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ) (التوبة: من الآية 71)، قال القرطبي معلقًا على هاتين الآيتين: "فجعل الله تعالى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرقًا بين المؤمنين والمنافقين فدل على أن أخص أوصاف المؤمنين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ".
كما أنَّ الدعوة تضمن لصاحبها النّجاة من عذاب الله، كما قال تعالى في نهاية قصة أصحاب السبت: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنْ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165)) (الأعراف).
ولكن كيف نتواصل مع الناس تواصلاً دعويًّا ناجحًا؟ وكيف يؤثر الداعية في نفوس المدعوين تأثيرًا فعالاً؟.
وللإجابة على هذا السؤال نقول: إن هناك بعض القواعد ينبغي على الداعية أن يحقّقها حتى يتواصل مع المدعوين تواصلاً ناجحًا، ولكن قبل التواصل مع الناس يجيب عليه أن يحسن فن التواصل مع نفسه أولاً حتى يستطيع أن يتواصل مع الناس.
والتواصل مع الذات يتحقق بالآتي:
أولاً: الإخلاص والنيّة الصّادقة، فبدون الإخلاص يضيع ثواب العمل، وتضيع أيضًا ثمرته فلا يرى أثرًا لعمله؛ ولذا يجب على الداعية أن يخلص النية في كلِّ عمل، وفي كل قول لله عزّ وجل، ولا ينظر إلى شهرة أو إعجاب الناس به، أو وجاهة بين الناس.
ثانيًا: البصيرة: قال تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ (108)) (يوسف)، فيجب أن تكون على بينة ممَّا تدعو إليه فلا تدعو عن جهل، ولذا ينبغي للدَّاعية أن يكون ملمًا بالعلوم الشرعية من فقه وتفسير وحديث، بالإضافة إلى حسن تلاوته لآي القرآن تلاوةً صحيحة، ويمكن أخي القارئ أن ترجع في هذه النقطة إلى كتاب (ثقافة الداعية) للدكتور يوسف القرضاوي، أو كتاب (إرشاد اللبيب في الخطبة والخطيب) للدكتور يسري هانئ.
ثالثًا: العمل بما تدعو إليه: (أي القدوة)، والقدوة في الحياة هي الترجمة الحقيقية لصدق النية، بالإضافة إلى أنّك لن تستطيع أن تؤثر في الناس إلى إذا رآك الناس نموذجًا عمليًّا لما تدعوهم إليه،
رابعًا: الصَّبر على جراء ما يترتب على دعوتك: فطريق الدعوة محفوف بالأشواك، وطريق الحق مرصود من أهل الباطل، ولن يتركوك في حالك أبدًا تنتشل الناس منهم، ولذا جاء في وصية لقمان لابنه (وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ) (لقمان: من الآية 17)
خامسًا: أن تفهم حقيقة الإسلام وكيف تنزله على أرض الواقع.
سادسًا: أن تكون محبًّا لدعوتك وعاشقًا لها: تعيش معك أينما كنت، تحتل المكانة الكبرى في قلبك، وتُفكِّر في النهار فيها وكيف توصلها للناس، وعندما تنام لا تحلم إلاَّ بها، وتقوم مهمومًا بها، تفرح لنجاحاتها، وتحزن لما يصيبها.
سابعًا: أن تأخذ بالآداب والمهارات والفنون التي تكسب بها قلوب الناس، وهذه النقطة تنقلنا إلى ما نريده وهو فن التواصل مع الناس.
التواصل مع الناس
إذا استطعت أن تحسن التواصل مع نفسك من خلال ما ذكرنا، فإنك لا شك سوف تحسن التواصل مع الناس، وسنذكر لك هنا بعض الفنون والمهارات التي تكسب بها قلوب الناس، وتحقق تواصلاً دعويًّا ناجحًا، ومنها:
ا- الابتسامة: هذه المهارة لك فعل السحر مع من تتعامل معه، وهي سنة عن أنبياء الله تعالى، قال تعالى عن نبيه سليمان: (فتبسم لها ضاحكًا)، وقد جاء في المثل الصيني: "من لا يستطيع أن يبتسم لا يستطيع أن يفتح متجرًا".
2- الاستماع الجيد للآخرين حتى وإن خالفوك الرأي: فالاستماع إلى ما يقوله الآخر يجعله يشعر بارتياح شديد لأنه أتى بما يريد أن يقول، وبعد أن تستمع جيّداً له ابدأ أنت في توصيل ما تريده فهو لا شك سيسمعك، وقد جاء في كتب السيرة موقف النبي صلى الله عليه وسلم مع عتبة ابن أبي ربيعة، عندما جاءه عتبه يعرض عليه عدة أمور على أن يترك دين الإسلام والدعوة إليه.. تصور ما يعرضه عتبة على المصطفى صلى الله عليه وسلم؟ إنَّه يعرض عليه ترك الدين ومع ذلك استمع إليه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ولم يقاطعه، حتى انتهى من كلامه.
3- نداء الآخر بأحب الأسماء إليه: وهذا ما فعله النبيّ صلّى الله عليه وسلّم مع عتبة في الموقف السَّابق عندما انتهى من كلامه، فقال له: "أفرغت يا أبا الوليد؟" فقد كناه النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر اسمه مجرّدًا على الرغم من أنَّ عتبة كافر، وقد جاء يتكلم في قضية خاسرة ومرفوضة مسبقًا من النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن النبيّ استمع إليه ثمَّ ناداه بأحب الأسماء إليه.
4- عدم جرح مشاعر الناس عند الخطأ: أخي الدَّاعية لا ترق ماء وجه أخيك واحفظ له حرمته حتى وإن أخطأ، وانظر كيف تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع الشاب الذي جاء يستأذنه في الزنا، أو الأعرابي الذي بال في المسجد، أو الرجل الذي تكلّم في الصلاة.
5- إنزال الناس منازلهم وتطيب الخواطر الإنسانية: لا شك أنَّ إنزال الناس منازلهم يجعلهم يقدرون الداعية ويستمعون إليه.. وهذا ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال للأنصار "قوموا لسيدكم"، كما أن تطيب الخواطر مطلوب، فبعد غزوة حنين عندما وزع الرسول صلى الله عليه وسلم الغنائم لم يعط الأنصار شيئًا وجدوا على أنفسهم، فجمعهم وقال لهم مطيبًا خواطرهم: "أترْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ وَتَذْهَبُونَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى رِحَالِكُمْ؟.. لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنْ الْأَنْصَارِ وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَشِعْبًا لَسَلَكْتُ وَادِيَ الْأَنْصَارِ وَشِعْبَهَا" ودعا لهم بالرَّحمة ولأبنائهم وأبناء أبنائهم.
6- التدرج وتحري الوقت المناسب للدعوة، وكما جاء في الحكمة "اجنِ العسل ولا تكسر الخلية".
7- الهدية والكلمة الطيبة: فالهدية تأسر القلوب، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "تهادوا تحابوا" والهدية تذهب وغر الصدر، كما أنَّ الكلمة الطيبة لها فعل السحر، فقد جبلت القلوب على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها، وكما قيل: "جمِّل لسانك بالكلمة".
8- مراعاة أدب الخلاف والحوار: فالدَّاعية قلبه يتسع الجميع، يُجمع ولا يفرق، ويتعارف ويتعاون ولا يتعارك، وعليه أن يضع هذه القاعدة نصب عينيه: "نتعاون فينا اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه".
9- الدعاء للآخرين: وقد سُئل الإمام حسن البنا رحمه الله عن سرّ تأثيره في الناس فقال: "كنت أدعوهم بالنهار وأدعو لهم بالليل"، فليكن للمدعو نصيب من دعائك، وأنت قائم بالليل أو وأنت ساجد بين يدي ربك، وأخلص في الدعاء، ثمَّ كلّمه بالنَّهار في النهار فستجد عجبًا.
10- شكر من أسدى إليك معروفًا: فمن لم يشكر النَّاس لا يشكر الله.