الفراغ.. كنز ضائع

الرئيسية » بصائر تربوية » الفراغ.. كنز ضائع
time-clock-wallpaper

من المشاكل التي تقابل الإنسان في حياته، وخاصةً الشباب، مشكلة الفراغ، فنراهم يضيّعون أوقاتهم في أشياء لا تفيد، بل بعضهم يسعى لقتل وقته، وقد يشعر بملل من هذه المشكلة، ويحاول أن يسلي نفسه بأيّ شيء حتى يضيع وقته ويملأ فراغه بما لا يعود عليه بنفع، وتعدُّ هذه المشكلة من المشكلات المهمَّة بالنسبة للشباب؛ حيث يسبب وقت الفراغ درجةً من التوتر النفسي حول كيفية شغله أو قد يشغله بأنشطة ضارة.

ولا شك أنَّ هؤلاء الشباب الذين يشكون الفراغ، ويقتلون أوقاتهم، يهدرون كنزًا عظيمًا لا يعرفون قيمته، ويضيعون منهم نعمة كبرى من نعم الله عليهم، فقد قال صلّى الله عليه وسلم: ((نعمتان مغبون فيهما كثيرٌ من الناس، الصحة والفراغ))، وهاتان النعمتان نراهما عند الشباب أكثر، ولو علم الشباب أنَّ وقت الفراغ الذي يمر إنَّما هو جزء من حياتهم، وسوف يُسألون عنه أمام رب العالمين ما ضيعوا لحظة من عمرهم  سدى.
وقد قال صلَّى الله عليه وسلّم موجهًا لنا نصيحة كبرى: ((اغتنم خمساً قبلَ خمسٍ، حياتَكَ قبلَ موتِكَ وصِحَّتَكَ قبلَ سَقَمِكَ وشبابَكَ قبلَ هَرَمِكَ وغِنَاكَ قبلَ فقرِكَ وفراغَكَ قبلَ شغلِكَ)).

السلف ووقت الفراغ:

ولقد كان للسلف الصالح مع أوقاتهم أحوال،  فكانوا يحرصون على ألاّ يضيع وقت في غير فائدة، فهذا عمر بن عبد العزيز قيل له يومًا: "أخّر هذا العمل إلى الغد"، فقال: "ويحكم ؛ إنه يعجزني عمل يوم واحد، فكيف أصنع إذا اجتمع على عمل يومين؟.

وقال أحد الصالحين لتلاميذه: " إذا خرجتم من المسجد فتفرّقوا لتقرؤوا القرآن، وتسبّحوا الله، فإنكم إذا اجتمعتم في الطريق، تكلمتم وضاعت أوقاتكم ".

وقال الإمام ابن عقيل : "إنّي لا يحل لي أن أضيّع ساعة من عمري، حتى إذا تعطل لساني عن مذاكرة ومناظرة، وبصري عن مطالعة، أعملت فكري في حال راحتي وأنا على الفراش، فلا أنهض إلا وخطر لي ما أسطره. وإني لأجد من حرص على العلم وأنا في الثمانين من عمري أشد مما كنت أجده وأنا ابن عشرين سنة، وأنا أقصّر بغاية جهدي أوقات أكلي، حتى أختار سفّ الكعك وتحسّيه بالماء على الخبز، لأجل ما بينهما من تفاوت المضغ، وإن أجلّ تحصيل عند العقلاء – بإجماع العلماء – هو الوقت ، فهو غنيمة تنتهز فيها الفرص، فالتكاليف كثيرة، والأوقات خاطفة ".

وعن ابن عساكر الدمشقي، قال : " كان الإمام سليم بن أيوب لا يدع وقتا يمضي بغير فائدة، إما ينسخ أو يدرس أو يقرأ، وكان إذا أراد أن يعدّ القلم للكتابة حرّك شفتيه بالذكر حتى ينتهي من ذلك "

أسباب المشكلة:

ويمكننا  أن نلخص أسباب المشكلة في عدَّة نقاط على النحو التالي  :
1-  انعدام التوجيه الديني والروحي والخلقي والتعليمي للشباب؛ ما يؤدّي إلى عدم نمو القدرات والمهارات والعادات النافعة التي تجعله يحسن استثمار وقته ليقضيه فيما ينفعه وينفع الناس.
2- عدم توافر الإمكانات والأنشطة الرياضية والثقافية والكشفية والترويحية والترفيهية والاجتماعية .
3- انتظار الالتحاق بالوظيفة بعد التخرج وعدم البحث عن أيّ عمل نافع؛ ما يعرض الشاب للمعاناة من البطالة والفراغ.
4- وجود وقت فراغ طويل دون وجود أنشطة تشغله كما يحدث أثناء الإجازات.
5- الحماية الزائدة من الأسرة وإبعاد أبنائها عن أيّ أنشطةٍ خارج البيت.

العلاج:

ولعلاج تلك الأزمة ينبغي على المربّي أن يراعي الأشياء التالية:
1- التعرّف على ميول الشاب وتفضيلاته في المجالات المختلفة.
2- توجيهه للمراكز والهيئات التي تساعد على شغل وقت فراغه بصورة مفيدة مثل:
أ- جمعيات تحفيظ القرآن.
ب- حضور الدروس في المساجد.
ج- مراكز رعاية الشباب.
د- النوادي الثقافية.
3- التدريب على بعض المهارات الخاصة بحل المشكلات واتخاذ القرارات.
4- تزويد الشباب بمعلومات عن كيفية الاستفادة من أوقات فراغهم في أنشطة مفيدة والهيئات الموجودة في المجتمع والتي يمكنهم الرجوع إليها.
5- كذلك يمكن تشجيع الشباب على العادات الطيبة والإيجابية كحب القراءة والبحث والتنقيب والاطلاع، وكذلك الاشتراك في الرحلات العلمية والاستكشافية للتعرف على معالم المجتمع القديمة والحديثة.

الفراغ كنز عظيم يجب أن يتم استثماره فأمة أمة الإسلام في حاجة إلى كل شاب، يتعلم العلم النافع، ويدع غيره إلى الخير، أو ينهاه عن المنكر، ويسلك درب الدعاة والمصلحين ووقتها سيشكو قلّة الوقت، بقول الإمام ابن قيم: "إضاعة الوقت أشدّ من الموت؛ لأنَّ إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها".

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

الصيام بوابة المغفرة: كيف نجعله شفيعًا لنا يوم القيامة؟

يتعامل الإنسان مع المهام الدنيوية بإحساس بالمسؤولية، فلا يجد راحة حقيقية حتى يؤديها على أكمل …