الموهبة بمعناها اللغوي كما ورد في المعاجم العربية أخذ من الفعل ( وهب) أي: أعطى شيئاً مجاناً، فالموهبة إذن هي العطية للشيء بلا مقابل.
أمَّا كلمة ( الموهوب) في اللغة، فقد أتت من الأصل ( وهب)، فهو إذن الإنسان الذي يعطي أو يمنح شيئاً لا يعوَّض، أمَّا المعنى الإصطلاحي، لهذا المفهوم فكان أوَّل من استخدمه، وتحدّث عن الموهبة والعبقرية والتفوّق العملي فهو(ثيرمان) حيث قام بدراسته المشهورة عن الموهوبين، ثمَّ تلته الباحثة ( لينا هو نجروت)، والتي عرفت الطفل الموهوب :بأنَّه ذلك الطفل الذي يتكلّم بقدرة وسرعة تفوق بقية الأطفال، وفي المجالات كافة، فالموهبة استخدمت لتدل على مستوى عالٍ من القدرة على التفكير والأداء، وهناك طرق عديدة يمكن الإفادة منها في عمليات قياس وتشخيص الموهبين منها :
1. ملاحظة العمليات الذّهنية التي يستخدمها الفرد في تعلّم أيّ موضوع أو خبرة في داخل غرفة الصّف أو خارجها.
2. ملاحظة أداء الفرد أو نتائج تعلمه أيّ موضوع دراسي أو أيّ محتوى يعرض له أثناء التعلّم الصّفي أو الصّور التي يعرضها في سلوك حلّ المشكلة.
3. استخدام المقاييس النفسية؛ مثل اختبارات الذكاء واختبارات التحصيل ومقاييس الإبداع.
4. تقارير الأشخاص عن أنفسهم أو تقارير الآخرين عنهم؛ مثل المعلمين والآباء والزملاء مع الإفادة من هذه البيانات التي تحدّد من هو الموهوب، ونلاحظ نوعاً من التنافر بين الأشخاص الذين يتصفون بمستوى عالٍ من الموهبة والأشخاص العاديين، وبخاصة في طبيعة إدراكهم لما يتعلّق بأنشطة الحياة المختلفة، وما تنطوي عليه من معان وآفاق.
فيستطيع الموهوبون التكيّف مع متطلبات الحياة المعاصرة بصورة أفضل من الأفراد العاديين بين البيئات المختلفة التي يعيشون فيها، وقد يختار الموهوب العزلة ويركز مجهوده الذهني والجسدي على أنشطة ومهمات فردية، وقد نلاحظ اهتمام بعضهم بقضايا ومسائل متعلقة بظواهر غربية، ويتصف هؤلاء بعزوفهم عن الظهور الاجتماعي وحبّ الشهرة، ويساعد فهمنا للفروق الفردية في تعميق فهمنا لماهية الموهوبين، فتباين القدرات بين الأفراد يظهر في تباين مستوى الذكاء لديهم، وفي تباين قدراتهم على حلِّ ما يعترضهم من مشكلات وعقبات، والشخص الموهوب يطوِّر أدوات تتميّز بفروقات معيّنة عن أدوات الأشخاص العاديين من خلال المقارنة بين أداء المجموعتين والتي يتطلبها القيام بمهمَّات تنطوي على إحداث علاقات معقدة ..
نصائح :
يجب على الوالدين والمربّين رعاية أولادهم للارتقاء بمستواهم العقلي والمعرفي والدراسي في مرحلة ما قبل البلوغ وذلك بالوسائل الآتية:
1. إنَّ دور المربي هو امتداد لدور الأب، وأنَّ الروح المدرسية العامة التي لا تقتصر على تعلّم المهارات الأساسية في القراءة والكتابة ومبدأ الثواب والعقاب إنَّما تمتد إلى تنمية شخصية الطفل وتقديم السّلوك وتعزيز الميول العلمية والفنية والأدبية وتحديد العلاقات الإجتماعية وتعلم أهمية الحقوق والوجبات.
2. إنَّ دور المدرسة الحديثة كمؤسسة تربوية يهدف في المكان الأوَّل إلى توسيع مدارك الطفل وترويض خياله بسرد القصص والرّسومات منذ مرحلة الحضانة حتى مرحلة المتأخرة؛ حيث تستعمل القصص في بلورة مفاهيم أخلاقية وتربوية بأسلوب غير مباشر ترسخ في عقله ووجدانه وتخاطب عواطفه.
3. إنَّ القضية الأساسية والمحور الأوَّل في أسلوب التربية يتميز بإثارة غزيرة فضول الطفل بالأسئلة، لماذا؟وماذا؟ ومتى؟ وكيف...؟ حتى لا يتوقف نمو الطفل العقلي وطموحه النفسي.
4. إنَّ دور المدرسة ينبغي أن يوافق في الملائمة بين اللعب والتمثيل واستخدام الوسائل والمعدات بصورة تثري شخصية الطفل وتساعد على نضجها في المراحل الأولى من الحياة.
5. تعريف الولد بطرق الاستذكار الجيّد ووسائل إشباع الحفظ وتزويده بأشرطة تعليمية بأصوات المعلّمين من أصحاب الكفاءات والتميّز.
6. تشجيعه على المشاركة في النشاطات المدرسية؛ كالتمثيل والخطابة والكشافة.
7. حثّه على حسن الإنصات إلى المعلم والتعامل مع أقرانه بحسن الخلق.
8. متابعة كراساته وواجباته اليومية في حلم وأناة ودون تضخيم للهفوات أو تصحيح للأخطاء أمام إخوته والمكافأة على الإنجازات – حتى لو كانت قليلة- لرفع معنوياته وزيادة ثقته بنفسه.
9. زيارة الوالد لمعلم ولده في مدرسته وللمحفظ في مكتبة التحفيظ وذلك بشكل دوري.
10. معاونته على تنظيم أوقاته وتقسيم وقت الاستذكار بين مختلف المواد.
11. مساعدته على اختيار المكان المناسب للاستذكار بعيداً عن عامل تشتيت الانتباه .
12. على الوالدين مساعدة ولدهما باستخدام الأسلوب القصصي الشائق والصُّور المحسوسة عند شرح الموضوعات الدّراسية. أمّا الشرح النظري المجرد فلا يصلح إلاَّ مع من قارب البلوغ .
13. إشعاره بأهمية التفوق المدرسي وتحبيبه في الاجتهاد في طلب العلم باعتباره فريضة شرعية، وأنَّه القيمة الأولى في منظمة القيم الإسلامية بدليل أول آية نزلت في القرآن ..{ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}، ]العلق:1[، وحديث الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم : ((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهَّل الله له به طريقاً إلى الجنة)). ( سنن الترمذي وابن ماجه ومسند أحمد). وأنَّه لولا العلم ما أمر الملائكة بالسجود لآدم، لأنَّ الملائكة لا تحتاج للعلم، بل المحتاج هو الإنسان لكونه خليفة الله في الأرض.
14. تدربيه على شرح الدَّرس الذي يلقنه لإخوته الصِّغار أو الضعاف من زملائه، وتعريفه بأنَّ زكاة العلم أن يعلم غيره ممَّا علمه الله وتحفيظه لحديث الرَّسول صلى الله عليه وسلم : ((من كتم علماً عن أهله ألجم يوم القيامة لجاما من النار)). (صحيح ابن حبَّان ومسند الإمام أحمد وغيرهما).
15. حسن استقبال الوالدين للطفل عند عودته من المدرسة والإستمتاع إلى ما يقع عليها ممَّا سمعه أو رآه ويستحب ذلك أن يكون على الغذاء وأن يصحّحا ما عنده من سوء فهم لبعض الأمور.
16. اهتمام الوالدين من المادة الدّراسية التي لا تنال حقها من الرعاية في المدرسة لصعوبتها أو لعدم تمكن المعلم منها.
17. بعد سن العاشرة تنمو لدى الطفل القدرة على التفكير النظري المجرّد، لذلك يجب على الوالدين مساعدة الصغير بالأمثلة وغيرها لتقريب المعاني المجردة إلى ذهنه.
18. وفي سن العاشرة يظهر ميل الطفل إلى نقد الآخرين وعدم التسليم بآرائهم إلاَّ بعد تمحيصها، وعلى الوالدين استثمار هذا الميل في تنمية قدراته على الابتكار والإبداع وتدريبه على النقد الموضوعي والتفوّق العلمي مع عدم الإكثار من لومه وتعنيفه أمام إخوته لشدَّة حساسيته في هذه المرحلة.
19. وفي سن العاشرة تتضح قدراته الخاصة أكثر من ذي قبل، لذا يجب معاونته على التعرف على مواهبه وإمكاناته الرياضية أو المهنية أو النظرية الأكاديمية وغيرها، وتبصيره بكيفية تنميتها مع عدم تحقير أيّ من هذه المجالات.
20. تشجيع الوالدين لولدهما على توسيع دائرة إطلاعه، فلا يكتفي بما جاء في الكتاب المقرّر، وتحفيظه قوله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}.]طه :114[.
21. تدريبه على تطبيق جوانب المادة الدراسية النظرية في حياته اليومية، لأنَّ الإسلام يهتم بالعلم والعمل معاً، وأن يكون العلم نافعاً موافقاً للكتاب والسنة.
22. تدريبه على ربط جوانب النظرية بالتجربة العملية المحسوسة، وقد أشر القرآن لذلك{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}.]البقرة:260[.
23. تشجيعه على ربط المواد الدراسية بالحس الإسلامية وتدبر عظمة الخالق وتعريفه بأن المجتمع الإسلامي لا يكتفي بالملاحظة الحسية والتجربة بل يضيف إليها التأمل في عظمة الخالق وتدبر دقة صنعه وحسن تدبيره.
24. تعريفه بأن القرآن قدم العلم على الإيمان في قوله : {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ}.]الروم :56[.
25. وعلى الوالدين أن يكون لهما دور إيجابي في سدّ ثغرات المنهج الدراسي، وذلك بإعادة ترتيبه لتحديد الأولويات.
المراجع:
سلسلة الأسس النفسية للنمو الإنساني – الطفولة الهادئة من 6 سنوات إلى ما قبل البلوغ- د. سعد رياض