الوقت هو الحياة، وقيمة الإنسان في استثماره لوقته، حيث يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: "إضاعة الوقت أشدّ من الموت،لأنَّ الموت يقطعك عن الدنيا وأهلها، وإضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة".
وها هي إجازة نصف العام الدّراسي التي لطالما انتظرها الكثير من الشباب، على الرغم من قصر مدتها، فكيف يمكن استثمارها؟
وما هو دور الدعاة في جذب الشباب إلى المساجد بدلا من أن يسلموا لليالي السّهر وأجهزة اللعب التي تستهلك طاقاتهم وتنزف هممهم؟
عوامل نجاح الدُّعاة خلال الإجازة
أستاذ الفقه في الجامعة الإسلامية بغزة د.زياد مقداد قال في تصريحات خاصة :"إنَّ الإجازة هدفها عظيم وهي محسوبة عليك من أيام عمرك التي ستسأل عنها، كما قال صلّى الله عليه وسلم : ((لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه))".
الدعاة لهم دور كبير في استثمار الإجازة وانتشال الكثير من الشباب الذين يعيشون على هامش الحياة، بعيداً عن عوامل البناء ومقومات التغيير والعطاء
وأضاف أنَّه توجد العديد من العوامل التي يحتاجها الداعية بشدَّة لإنجاح دعوته تتجلى أكثر خلال الإجازة، أولها عامل الوقت؛ حيث إنَّه خلال الإجازة لا يكون هناك أزمة في ضيق الوقت بالنسبة للطالب، كما أنَّ أولياء الأمور يكونون في سعة نسبية من وقتهم نتيجة سقوط عنصر متابعة الأبناء في دراستهم، بالإضافة إلى توفر عامل الارتياح الذهني.
وأردف مقداد قائلاً:" أمَّا العامل الثالث فهو اتساع الشريحة المنوط بها الدعوة، فخلال الإجازة تصبح شريحة الطلبة مهيَّأة تمامًا لاستقبال الخطاب الدعوي، ويصبح الآباء في حالة استعداد نسبي للاستماع، وربما التفاعل مع الأنشطة الدَّعوية أكثر من ذي قبل، وهو أمر يسبب انتعاشًا للدَّعوة عنها في موسم الدراسة".
وأشار إلى أنَّ العوامل السابقة تجعل الإجازة فرصة ذهبيةً لزيادة النشاط الدعوي، وتتيح الفرصة لشرائح مختلفة؛ لاستقبال مفاهيم الإسلام بروية والتفكير فيها بتمعن والتفاعل معها بصورة تضعهم على أول طريق التغيير.
الاستعداد الجيّد
ونوَّه مقداد إلى أنَّه يجب على الداعية الناجح أن يستعد لموسم الإجازات استعدادًا جيدًا وقبل بدءها مراعيا التخطيط الجيد لبرنامجه الدعوي في الإجازة، بوضع الأهداف المناسبة والواقعية التي تناسب الشرائح المختلفة المستهدفة بالدعوة.
واستكمل حديثه بالقول :" ثمَّ وضع وسائل فعَّالة تحقِّق تلك الأهداف بصورة عصرية جذابة تتناسب مع روح العصر وتتسم بالبساطة والواقعية والقابلية للتطبيق في الحياة العملية، ثمَّ ترجمة كل ذلك في جداول زمنية دقيقة تسهل متابعة تنفيذها".
يجب أن يكون الخطاب الدَّعوي متنوعا، وألا يقتصر على التزكية والإيمانيات فقط رغم أهميتهما البالغة، بل يجب أن يشمل كل جوانب الحياة؛ فيشمل الأنشطة الاجتماعية والخيرية والفكرية وتنمية المواهب والأنشطة الترفيهية
وسائل الجذب
وشدَّد مقداد على ضرورة الابتكار في ملء وقت فراغ الشباب بما يبعدهم عن هجوم الفراغ المدمِّر في مدَّة الإجازة؛ مبيّناً أنَّ النفس إن لم تشغل بالحق شغلت نفسها بالباطل، "والباطل اليوم أصبح سهلاً ومتاحًا وقريبًا وممتدًّا طوال اليوم، والشباب بما لدية من طاقة لن يستسلم للسكون، إنَّما سيفرغ طاقته حتمًا، على حدِّ تعبيره".
وأكَّد على أهمية التنوع في الخطاب الدَّعوي، وألا يقتصر على التزكية والإيمانيات فقط رغم أهميتهما البالغة، بل يجب أن يشمل كل جوانب الحياة؛ إيمانًا بأنَّ الإسلام دين شامل؛ فيشمل الأنشطة الاجتماعية والخيرية والفكرية وتنمية المواهب والأنشطة الترفيهية، وأن يتسم النشاط بالتفاعل والحركة وإمكانية تطبيق الكلام في الحياة العملية، حسب مقداد.
أنشطة دعوية تناسب الإجازة
بدوره، قال الأستاذ يوسف حمدان أحد الناشطين في العمل المسجدي في مساجد قطاع غزة:" إنَّ الإجازة الدراسية تتسع لكافة أنواع الأنشطة الدعوية، إلاَّ أنَّ هناك بعض الأنشطة التي تتميّز بها ويصعب وجودها في أوقات أخرى؛ مثل المخيم الصَّيفي.
وأوضح أنَّه يعدُّ أحد الأنشطة المهمَّة التي تعزل الفرد عن المجتمع مدَّة من الوقت؛ يتزوَّد فيها بإيمانيات عالية، وتتيح له فرصة التفكير في حياته ومراجعة حساباته مع نفسه بما يهيّئه لتغيير حياته للأفضل.
وأضاف حمدان أنَّ الاعتكاف يعدُّ من الأنشطة المهمَّة التي يحتاجها الجميع لزيادة الصِّلة بالله والتخفُّيف من جذب الدنيا للإنسان وزيادة التعلق بالآخرة، مبيّناً أنَّه من العوامل التي تصحِّح من مسار الإنسان، وتنمّي فيه روح التوكل على الله، وتجعله أكثر هدوءًا وراحةً وأكثر قدرةً على تنفيذ تكاليف الإسلام.
وتابع :"كما أنَّ الأنشطة الخيرية تُشعر الناس بدور الإسلام في إغاثة الملهوف، ومد يد العون للآخرين، ومساعدة المحتاجين، وتُشعر من يقوم بهذه العمل بسعادةٍ يستمدها من رضا الله عليه، وتجعله يشعر بقيمته كإنسان في إنجاز شيء مفيد لمن حوله".
وقال حمدان:" إنَّ الأنشطة التربوية العملية مثل البرامج التي تحث الشباب على بِر الوالدين؛ بحيث يتم تخصيص ساعة أو ساعتين يوميًّا لمجموعة من الشباب والأشبال للقيام بواجبات منازلهم بصورة جماعية في نفس الوقت، أو تنظيم برنامج لمساعدة المحتاجين في الشارع، أو تخصيص ساعتين في يوم يتم الاتفاق فيه على زيارة الأقارب وصلة الرّحم، ثمَّ التجمع مرّةً أخرى وأخذ تقارير عمّا تمَّ فعله من القائمين على العمل".
الدَّاعية الناجح
واسترسل قائلاً:" إنَّ بعض الدُّعاة يعاني من ضيق وقت من يدعوهم في وقت الدراسة؛ نظرًا لانشغالهم، فتتأثر دعوتهم بشدَّة، وهناك من يفاجأ باتساع الوقت بصورةٍ لم يتعوَّد عليها في مدَّة الإجازة الدراسية، فيعجز عن استثمار الوقت بالصورة المطلوبة".
ونوَّه حمدان إلى أنَّ الداعية الناجح هو الذي يستطيع أن يجعل خطابه الدعوي مواكبًا لانشغالات النَّاس في الأولى، ولديه من البرامج والأفكار ما يملأ فراغهم في الثانية.
وبيَّن أنَّ الدعاة لهم دور كبير في استثمار الإجازة وانتشال الكثير من الشباب الذين يعيشون على هامش الحياة، بعيداً عن عوامل البناء ومقومات التغيير والعطاء، مشيراً إلى أنَّ بعض الشباب يخرجون منذ ساعات الصَّباح دون عمل مفيد ويعودون ليأكلوا ويناموا، ثم يقلبوا الشاشات ويسامروا الأصحاب في الاستراحات.
وأضاف حمدان "ثمَّ يعودون إلى بيوتهم وقد استنزفت طاقاتهم وماتت هممهم ولم تضف لهم الحياة ثقافة يتعلمونها أو مهارة يكتسبونها، وليس لهم أي مشاركات تطوعية تعود على أمتهم ووطنهم بالنفع والفائدة".
الداعية الناجح هو الذي يستطيع أن يجعل خطابه الدعوي مواكبًا لانشغالات النَّاس في الأولى، ولديه من البرامج والأفكار ما يملأ فراغهم
نصائح للآباء
ووجَّه حمدان نصائح ورسائل للوالدين قال فيها:" إنَّ منح النفس شيئاً من الترويح بما تهواه وترتاح له ممَّا لا يخالف شرع الله هو كالمكافأة لها على صبرها وجدها واجتهادها، كذلك الأبناء يجب أن يجعل والديهم أوقات اللّعب والرحلات مكافآت لهم على ما قاموا به من إنجازات".
وأضاف أنَّه يجب على الأب أن يحرص على أن تكون ساعات وأوقات اللهو واللعب للأبناء مؤقتة بأوقات محدّدة لكي يفهم الابن أنَّها ليست الأصل في حياة المسلم.
ونوَّه حمدان إلى ضرورة اختيار الألعاب التي تساهم في تنمية مواهبهم، والحرص على الألعاب الحركية التي تقضي على الخمول والكسل؛ كالسباحة وركوب الخيل والرماية أو بعض مهارات الدفاع عن النفس.
وحثَّ حمدان الوالدين بأن يكونوا قدوة لأولادهم من خلال العبادات المحضة بأن يكون الأب له في إجازته إنجازات تعبدية مابين صيام وقيام وحفظ أو تلاوة للقرآن ويحيي في أسرته جانب الذّكر والمحافظة على الأوراد التي تحفظهم من كلِّ سوء.