تظاهر آلاف التونسيين يوم الجمعة الماضية مطالبين بتطبيق الشريعة الإسلامية في الدستور الجديد للبلاد، وهتف المتظاهرون "الشعب يريد تطبيق الشريعة" و"قرآننا دستورنا" و"لا دستور دون الشريعة".
لا يختلف هذا المشهد بطبيعة الحال عن كثير من دول الربيع العربي الأخرى، فقد أعلنت ليبيا منذ الوهلة الأولى لنجاح ثورتها بالقضاء على معمر القذافي أنّها ستطبق شرع الله، ولعلّ مبدأ تطبيق الشريعة الإسلامية في ليبيا يكاد يكون أمراً فطرياً نظراً لروح التدين العامَّة، وانتشار القبلية التي ساهمت إلى شكل كبير في حماية الهوية الإسلامية والحفاظ على كثير من العادات والتقاليد وأيضا الشعائر الإسلامية من الغزو الفكري الغربي.
هوية تونس ..
إلاَّ أنَّ الأمر بالنسبة للمجتمع التونسي يختلف إلى حدِّ كبير عن نظيره في ليبيا، فقد تعرّض هذا الشعب لهجمة غربية شرسة ممنهجة لمحاولة محو هويته الإسلامية، فضلاً عن السياسة التغريبية التي اتبعها زين العابدين بن علي بتجفيف منابع التدين في تونس للقضاء على الهوية الإسلامية وصلت إلى حدّ إصدار قانون يمنع الحجاب وملاحقة لعبة الأطفال الشهيرة " فلة " لارتدائها الحجاب، ومنع صلاة الجمعة، وإن يحصل من يريد إطلاق لحيته على رخصة من مركز الشرطة، ومنع المصلين من الصَّلاة في غير مسجد المنطقة التي يعيشون فيها، بل ومنع الأذان أصلاً .
وبالطبع جاء كلّ ذلك ضمن خطة وضعت لتجفيف منابع التدين في تونس أعدّها حزب التجمّع الحاكم؛ قبيل حرب الخليج الثانية، كان هدفها الأساسي التصدي لما أسمته الخطة للتيار السياسي " الظلامي" المتمثل في حزب النهضة الإسلامي على اعتبار أنّه تيّار سياسي يطرح شرعيّة بديلة للنّظام، وأنَّ هذا التيار يحتل موقع القوّة السياسيّة الثانية في البلاد فضلاً عن تنامي حجم هذا التيّار خاصّة داخل قطاعات الشباب.
واقترحت خطة تجفيف المنابع ضرورة الوعي بخصوصيّات الواقع الجديد وبحتميّة التصدّي للتيّارات الدينيّة المتطرّفة واعتبار التجمّع في موقع أمامي لعمليّة التصدّي للتيّار " الظلامي"، وعزله عن الأحزاب السياسيّة والحيلولة دون التحالفات معها و ملء الفراغ السياسي بتشجيع المعارضة الديمقراطية على التواجد حتى لا يستقطب هذا التيار، كلّ من لا يرغب في الانضمام إلى التجمع الدستوري أو لا يتعاطف معه، وقطع قنوات التغذية الشبابيّة لهذا التيّار، وتغييبه ورموزه إعلامياً وعدم إبرازهم في الصّفحات الأولى أو التشهير بصورهم حتى لا يكون الأثر عكسياً من خلال إبراز نجوميّتهم.
إلاَّ أنَّه عقب الثورة التونسية ورحيل بن علي عن البلاد، بدأت تونس تعود إلى حضن هويتها الحقيقية، فرفع الأذان في المساجد وأطلق للشعب العنان في الزحف نحو التدين، وصوت الشعب التونسي لحزب النهضة الإسلامية رهاناً منه على أنَّه الأقدر على حلِّ جميع مشكلاته الحياتية واتجه، فضلاً عن ذلك، فقد حدث تغيّر واضح في سلوك آلاف الشبان والفتيات الذين كانوا يتهمون عادة بالميوعة والتسيب الأخلاقي وعدم الاهتمام بالشأن العام، وتزايد الإقبال على المساجد التي غصت بروادها، وعاد مظهر الحجاب إلى صدارة المشهد الاجتماعي التونسي.
المشهد المتصارع في السَّاحة التونسية نحو أحضان الهوية الإسلامية خلق حالة من القلق لدى الجانب الصهيوني، وقد عبَّر عن ذلك العديد من وسائل إعلام الكيان
ولعلَّ هذا المشهد المتصارع في السَّاحة التونسية نحو أحضان الهوية الإسلامية خلق حالة من القلق لدى الجانب الصهيوني، وقد عبَّر عن ذلك العديد من وسائل إعلام الكيان ، والذي أعرب بوضوح عن مخاوفه من تصدر حزب "النهضة" التونسي الإسلامي صدارة البرلمان التونسي أن تؤدي هذه النتائج إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في تونس، بعدما كانت ولعقود عديدة دولةً علمانية، فمجلة "إسرائيل اليوم" الإسرائيلية التي قد اعتبرت في أحد أعدادها أنَّ الانتخابات التي أجرتها تونس وفاقت فيها نسبة المشاركة 90 في المئة من المسجلين، وأظهرت نتائجها فوز الإسلاميين، تشير إلى أنَّ الدول العربية التي وصلها قطار الربيع العربي تتجه نحو تكرار النموذج التونسي من حيث فوز الإسلاميين، وسيطرتهم على مقاليد الأمور، وهو الأمر الذي يدعو إلى قلق "إسرائيل" وخشيتها من فرض الشريعة الإسلامية في المنطقة.
وقالت المجلة: "إنَّ قادة الغرب الذين أشادوا بالنموذج التونسي، ووصفوه بأنَّه تطوّر إيجابي من شأنه أن يجلب الحريات والديمقراطية للشرق الأوسط، نسوا أنَّ هذا النموذج سوف يقود المنطقة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية، خاصة بعد فوز حزب "النهضة" الإسلامي في أول انتخابات برلمانية حرَّة تشهدها بلدان الربيع العربي".