يتميَّز الإسلام عن غيره من الشرائع السماوية والقوانين والتشريعات الوضعيَّة الإنسانيَّة بعدد من الأمور، باعتباره الدين الخاتم الذي أنزل لإتمام مكارم الأخلاق، واستكمال المنظومة القيميَّة التي تحكم الإنسان في حياته على مختلف المستويات، الخاصة والعامة.
ومن بين السِّمات التي حتمتها كون رسالة الإسلام، هي الرسالة الخاتمة، أن تتصف بالشمول والعموم، والصّلاحية للتطبيق في كل زمان ومكان، باعتبار أنها سوف تظل شرعة الله ومنهاجه للناس في الأرض حتى يوم الحساب.
وفي شريعة الإسلام وتراثه، ميراث هائل ينظم أمور الناس، بما في ذلك المجالات المتعلقة بالسياسة والحكم، على الرغم من كلِّ محاولات التشويه والزَّعم بأنَّ الإسلام يخلو من مثل هذه الأمور التي تنظم أهم مجال في حياة الإنسان، وهو إدارة شؤون المجتمع، وحكمه، وضمان أمنه واستقراره، من أجل تنفيذ الأوامر والتكاليف الإلهيَّة، وإقامة شريعة الله سبحانه وتعالى.
وكيف يزعم أعداء الأمَّة ذلك، بينما لدينا في القرآن الكريم الكثير من الآيات التي تتناول واجبات الحاكم ومسئولياته، وشكل علاقته بالرعية، ولدينا عهد كامل للرسول الكريم محمَّد "صلَّى اللهُ عليه وسلَّم"، قضاه كرجل دولة في المدينة المنورة، واجه فيها مختلف الأحوال، ما بين سلم وحرب، واستقرار وأزمات، وفي كلِّ الأحوال كان الإسلام حاضرًا لينظم ويعالج مختلف الأوضاع القائمة والمستجدات التي تطرأ.
وحتى فيما يتعلق بالمفاهيم والمستجدات الحديثة، التي يتحجج الكثيرون في رفضهم للحكم بالإسلام، من أنّها لم تكُن موجودة أو قائمة في عهد دولة المسلمين الأولى، في المدينة المنورة، مثل مفاهيم الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، وكذلك قواعد الحكم الرشيد؛ فإنَّ في الإسلام الكثير والكثير ممَّا يغطّي هذه الأمور، وينظمها بأفضل مما تفعله القوانين والقواعد الوضعيَّة.
ومن بين أهم القضايا التي تُعرض، وترتبط بقضيَّة الحكم في الإسلام، وتُستخدم كثيرًا من جانب أعداء الأمة والدين، هي قضيَّة مسائلة ومحاسبة الحاكم، ومنها الشفافية في الحكم، في دولة الإسلام.
فمع قِصَر مدَّة دولة النبوة والخلافة الراشدة- حوالي 30 عامًا- وطول مدَّة الملك العضود والملك الجبري في دولة الإسلام، كما جاء في الحديث النبوي الشريف، ارتبط الحاكم المسلم، في الأذهان ولدى المؤرخين، وخصوصًا غير المنصفين منهم، ومن بينهم مؤرخون مسلمون وعرب، بصورة نمطيَّة لا تمت للواقع بصلة، من أنه الحاكم بأمر الله، وأنه لا يُسأل عمَّا يفعل.
ودعم من ذلك، طبيعة الممارسة التي ارتبطت بمراحل طويلة من دولة الملك العضود والملك الجبري التي استمرت لمئات السنين في دولة الخلافة الإسلاميَّة، والتي كان الحاكم فيها في الغالب، خارج نطاق المسؤوليَّة، ولكنه كان أيضًا لا يحكم بما أنزل الله عزّ وجل.
ماهيَّة الحكم الرشيد:
بعد انتهاء الحرب الباردة، وظهور قواعد جديدة لإدارة العمل الدولي، والعلاقات ما بين الأمم الإنسانيَّة، ظهر إلى العالم مصطلح جديد، هو مصطلح الحكم الرشيد " Good governance"، والذي يعني منظومة الحكم التي تستوفي المعايير المثالية في السياسة والعمل العام.
ومن بين محددات هذا المصطلح، احترام حقوق الإنسان، وضمان التوزيع العادل للثورة والسلطة بين مختلف شرائح وفئات المجتمع وأطيافه، وكذلك إقامة دولة القانون والمؤسسات، والتي تقوم على أساس التداول السلمي للسلطة، ومبدأ الفصل بين السلطات.
إلاَّ أنَّ أهم معيار من معايير الحكم الرشيد ذلك المتعلق بعنصر الشفافية والمحاسبة بناء على معايير المسؤوليَّة الدستوريَّة والقانونيَّة، لأي شخص في وظيفة عامة، من أصغر مسؤول، وحتى رأس الدولة والنظام.