لاشكَّ أنَّ تربية الإنسان المسلم هي المهمَّة الأولى لحركة الإخوان المسلمين، لأنَّه وحده هو أساس التغيير ومحور الصَّلاح والإصلاح، ولا أمل في استئناف حياة إسلامية أو قيام دولة إسلامية أو تطبيق قوانين إسلامية بغيره.
وكان للتربية الإسلامية في فهم الإخوان وتطبيقهم خصائص بارزة ومميّزات ظاهرها أهمها التأكيد على الربانية والتكامل والشمول والاعتدال والتوازن والإيجابية والبناء والإخوة والرُّوح الجماعية والتميّز والاستقلال.
الجانب الإيماني
ويعدُّ الجانب الرباني أو الإيماني في التربية كما فهمها الإخوان وطبقوها من أهم جوانب التربية وأشدّها خطراً وأعمقها أثراً، لأنَّ أول هدف للتربية الإسلامية هو تكوين الإنسان المؤمن، حيث إنَّ الإيمان في الإسلام ليس قولاً يقال ولا دعوى تدعى، وإنما حقيقة يمتد شعاعها إلى العقل قيقتنع، وإلى العاطفة فتجيش وإلى الإرادة فتتحرك.
ولقد حاول الإخوان في تربيتهم أن يجمعوا ما فرقه المتكلمون والصّوفية والفققهاء من عناصر الإيمان الحق، وأن يجددوا ما أبلاه المسلمون في العصور الأخيرة من معاني الإيمان الحق.. إيمان الكتاب العزيز والسنة المطهرة بشعبة التي بلغت بضعا وستين أو بضعاً وسبعين .. إيمان الصَّحابة ومن تبعهم بإحسان من سلف الأمة الذين شمل إيمانهم اعتقاد القلب وإقرار اللسان وعمل الجوارح وصبغ إيمانهم حياتهم كلها في المسجد وفي البيت وفي المجتمع في الخلوة والجلوة في الليل والنهار في العمل للدنيا وفي العمل للأخرة .
امتاز الإيمان في تربية الإخوان بهذا الامتداد وبهذا العمق وامتاز بحيويته النابضة وقوته الدافعة وحركته الفعالة، إنَّه شعل تتأجج، وتيَّار يتدفّق، ونور يضيء، ونار تحترق.
عماد التربية
عماد التربية الربانية، هو القلب الحي الموصول بالله تبارك وتعالى المؤمن بلقائه وحسابه الراجي لرحمته الخائف من عقابه، فحقيقة الإنسان ليست في هيكله المادي، وإنَّما في تلك اللطيفة الربانية التي تسكن هذا الهيكل وتحركه وتأمره وتنهاه... إنَّها المضغة التي إذا صلحت صلح الجسد كلّه وإذا فسدت فسد الجسد كله ألاَّ وهي القلب .
وعمدت التربية الإخوانية إلى إحياء القلوب حتى لا تموت، وعمارتها حتى لا تخرب، وترقيقها حتى لا تقسو، فإن قسوة القلب وجمود العين عقوبة يستعاذ بالله من شرها، ولذلك احتل الجانب الإيماني أو الرباني مساحة واسعة في مناهج الإخوان المسلمون ونال اهتماماً بالغاً، فالدعوة دعوة ربانية أنّما توجه وجهها إلى الله وحده، وتجعل رضاه غاية المراد.
وفي رسالة التعاليم يجعل الإمام الشهيد حسن البنا الركن الثاني من أركان البيعة بعد الفهم المنشود للإسلام في حدود الإصول العشرين المشهورة هو الإخلاص ويفسّر الإخلاص بقوله: أن يقصد الأخ المسلم بقوله وعمله وجهاده وجه الله تعالى وابتغاء مرضاته وحسن مثوبته من غير نظر إلى مغنم أو مظهر أو جاه أو تعب أو تقدم أو تأخر وبذلك يكون جندي فكرة وعقيدة لا جندي غرض ومنفعة.
وقد أكَّد الإخوان في تربيتهم هذه المعاني، وحذّروا كل التحذير من حب الظهور الذي طالما قصم الظهور .