زينب بنت جحش .. الورعة

الرئيسية » بصائر للأسرة والمرأة » زينب بنت جحش .. الورعة
alt

استحقت  زينب بنت جحش أن تكون زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك لتميزها بكثير من المناقب التي قلما تجتمع بامرأة .. فقد كانت  كثيرة العطاء .. سريعة في تلقي أوامر ربّها ونبيّها.. ورغم أنَّ كلَّ النساء يتميّزن بالغيرة إلاَّ أنَّ القليل منهن من يتق الله في غيرته، ومنهن زينب بنت جحش..

هي زينب بنت جحش بن رئاب بن حمير بن سيرة بن رباب بن يعمر الأسدي بنت عمة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أمية بنت عبد المطلب وبنت خالة الزبير بن العوام من أمه وأبو سلمة من أم أمه وأخوها هو عبد الله بن جحش أول أمير في الاسلام وأختها هي حمنه بنت جحش التي شاركت في حديث الإفك غيرة على أختها ..

ولدت سنة 30 هـ، وهي من المهاجرات الأوليات إلى المدينة المنورة، وبعد هجرتها خطبها عدَّة من الرجال من قريش، وخطبها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمولاه زيد بن الحارثة الذي كان يُنادى باسم محمَّد صلّى الله عليه وسلم زيد بن محمد _ وكانت من أعراف الجاهلية الأدعياء يعاملون معاملة الأبناء _فأرسلت أختها حمنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تستشيره، فقال : " أين هي ممن يعلمها كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .. قالت من هو ؟ ، قال : " زيد بن حارثة " .. فغضبتا غضباً شديداً مستنكرتين أن يزوّج رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنة عمة لمولاه وما كان ذلك إلاَّ لحكمة أرادها الله تعالى؛ وهي أن الأدعياء لا يورثون ولا تحرم نساؤهم على آبائهم في التبني ، فأنزل الله تعالى  :{وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً بعيدًا }. وإن كان نزول هذه الآية لحكمة اقتضاها الله تعالى ليغيّر أحكاماً جاهلية، فهي أيضاً اختباراً لزينب بنت جحش في طاعة ربِّها ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم،  فرغم أنَّ نفسها تأبى الزَّواج بمولى إلاَّ أنَّ رضا ربّها طغى على هوى نفسها ، فوافقت على الزواج ، وبعد زواج زينب بزيد رضي الله عنها ما كانت ترثي عليه بلسانها ، أي تعيره بأنَّها حرَّة وهو مولى، فذهب يشكيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيرد عليه  عليه الصَّلاة والسلام  : ((أمسك عليك زوجك  واتق الله )) . لأنَّ اله  اخبره بأنه سيزوّجه زينباً بعد زواجها من زيد رضي الله عنه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يخشى من كلام المنافقين ولمزهم وهمزهم؛ أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم تزوّج بزينب _زوجة ابنه بالتبني_ عمَّا كان معروفاً في ذلك الوقت، ولكن الله قدر لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا طلقتموهن وكان قضاء الله أمرا مقدوراً، وهو زواج الرَّسول صلى الله عليه وسلم من السيدة زينب رضي الله عنها، فبعد أن قضت عدتها من زيد أنزل الله  :  {وإذ تقول للذي أنعم الله وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله}   .

وكان وقتها في بيت عائشة، فقال: من يذهب إلى بيت زينب فيبشرها أنَّ الله  قد زوجها لي، فخرجت سلمى مولى عائشة تخبرها فأعطتها أوضاحاً عليها ، ثمَّ أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم زيد . فقال : يا زينب، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرك، فقالت : ما أنا بصانعة شيئاً حتى يأمر ربّي . فقامت إلى مسجدها ونزل القرآن،  فدخل الرسول صلى الله عليه وسلم بغير إذن ، فكانت تفخر بذلك على أمهات المؤمنين فتقول : زوجكن أهاليكن وزوجني الله من فوق عرشه ، وكان زواج زينب بعد أم سلمة رضي الله عنها في ذي القعدة من السنة 5هـ، وكان عمرها 35 سنة والتي أعدت طعام الوليمة هي ام سلمة وكان خبزاً ولحماً .

إن كان بطلاق زينب بنت جحش من زيد بن حارثة قد أبطل عادة جاهلية وهي أنَّ الأدعياء ليسوا كالأنباء في أحكام الزواج والطلاق والميراث، فإن زواج النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بها قد فرض حكماً جديداً على النساء ألا وهو الحجاب، وكان ذلك عندما أولم الرسول صلى الله عليه وسلم في حجرتها، فاستأنس الصحابة بالحديث وأطالوا المكوث، فأُحرج النبي صلى الله عليه وسلم  فأنزل الله آيات الحجاب ومنع الاختلاط مع النساء وخصوصاً زوجات النبيّ صلّى الله عليه وسلّم حتى لا يُؤذى في أهله عليه  الصَّلاة والسلام .وكانت رضي الله عنها صوَّامة قوامة ، وكانت زاهدة في الدنيا ، كثيرة التصدق فقد بعث لها عمر بن الخطاب بعطائها فقالت ما هذا، قيل: أرسل به أمير المؤمنين ، قالت : غفر الله له ، والله لغيري من اخوتي أقوى على قسم هذا مني

وكانت شديدة الحب لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ممَّا جعلها تغار من ضرائرها، كما أنَّ الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم كان يظهر حبّه لها حتى جعل ضرائرها يغرن منها، فقد كانت جميلة جذابة، ومن ذلك :

أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها أن تعير بعيرها لصفية بنت حيي رضي الله عنها، فرفضت قائلة : لا اعطي تلك اليهودية !!.. فغضب الرَّسول صلى الله عليه وسلم منها وهجرها ذي الحجة ومحرم ، إلاَّ أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما خيِّر باعتزال زوجاته وإبقاء أربعة منهة كانت زينب واحدة منهن ( وأم سلمة وعائشة وحفصة ) كما أنَّ لمكانتها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم _ فهي كانت تسامي عائشة في المنزلة _ وذلك حتى يعدل بينهن وبين عائشة ، فالصَّحابة كانوا لا يرسلون الهدايا إلاَّ في يوم عائشة فدخلت عليه وهو في بيت عائشة رضي الله عنهن ، فقالت : يا رسول الله، إن زوجاتك يناشدنك العدل في بنت أبي قحافة فردها النبيّ صلّى الله عليه وسلم وقال : ((لأنها بنت أبي يكر الصديق )).

وكما أنَّها كانت تغار من عائشة، فإن عائشة أيضا كانت تغار منها فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يمرّ كلّ يوم على  زينب بنت جحش رضي الله عنها لتسقيه عسلاً، فغارت السيدة عائشة والسيّدة حفصة رضي الله عنهما، واتفقتا أن يقلن للرَّسول صلّى الله عليه وسلّم أن رائحته كرائحة المغافير _ وهو صمغ طيب الطعم كريه الرائحه _  فحرم النبي صلّى الله عليه وسلم على نفسه العسل إرضاءً لهما، فأنزل الله سورة التحريم .

وأكثر ما زين مناقب السيّدة زينب هو ورعها في حادثة الإفك واتهام السيّدة عائشة رضي الله عنها فعندما سألها الرسول صلى الله عليه وسلم عن عائشة _رغم غيرتها منها _ إلاَّ أنَّها رضي الله عنها اتقت الله تعالى قائلة يا رسول : أحمي سمعي وبصري والله ما علمت إلاَّ خيراً ، قالت عائشة رضي الله عنها : وهي التي كانت تساميني وتعاليني وتفاخرني من ازواج الرسول صلى الله عليه وسلم فعصمها الله بالورع ، كما قالت السيدة عائشة : ولم أرى امرأة قط  خيرا في الدين من زينب واتقى لله وأصدق حديثا واوصل للرحم واعظم صدقة وأشد ابتذالا لنفسها في العمل الذي تتصدق به وتتقرب به الى الله عز وجل .
ف
من مناقبها رضي الله عنها أن كانت من صناع اليد تدبغ وتخرز، ثم تتصدق بثمن ذلك وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه إن زينب بنت جحش أواه ، قال يا رسول الله وما الأواه ؟، قال عليه الصَّلاة و السَّلام :  الخاشعة المتضرعة ،( وإن إبراهيم لحليم أواه منيب )

وكانت رضي الله عنها صوَّامة قوامة ، وكانت زاهدة في الدنيا ، كثيرة التصدق فقد بعث لها عمر بن الخطاب بعطائها فقالت ما هذا، قيل: أرسل به أمير المؤمنين ، قالت : غفر الله له ، والله لغيري من اخوتي أقوى على قسم هذا مني ، فقيل لها : إنَّ هذا لكِ كله ، فقالت : سبحان الله ، فجلعت بينه وبينها بجلبابها تستر به ثم قامت توزعه قائلة : اذهب به إلى فلان من أهلي _رحمها وأيتامها _ ، حتى بقيت بقية تحت الثوب فكانت هذه البقية بضعا وثمانين درهما فرفعت يدها قائلة : اللهم لا يدركني عطاء لعمر بعد عامي هذا ابدا . فكانت أول زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم لحوقا به فعندما حضرتها الوفاة قالت : " إني أعددت كفني فإن بعث لي عمر بكفن فتصدقوا به وان استطعتم إذا ادليتموني ان تتصدقوا بإزاري فافعلوا )).

فكانت وفاتها 20 هـ وقد جاوزت الـ50 عاماً،  وصلَّى عليها عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكانت أول امرأة يصنع لها نعش،  ودفنت في البقيع ، قالت عنها السيدة عائشة رضي الله عنها : ((يرحم الله زينب لقد نالت في الدنيا الشرف الذي لا يبلغه شرف ، إنَّ الله زوجها ونطق به القرآن، وإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أسرعكن بي لحوقاً أطولكن باعاً، وببشرها بسرعة لحوقها به وهي زوجته في الجنة)) .

المراجع :
- نساء خالدات
- نساء حول الرسول
- سيرة ابن هشام

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

alt

إقرار أول قانون للحماية من العنف المنزلي في السعودية

قال مسؤول في مجال حقوق الإنسان إن السعودية أقرت قانونا مهماً يهدف إلى حماية النساء …