الاستشارة: أنا مشرفٌ تربوي لمجموعة من الأفراد، ومشكلتي أنَّهم لا يتحرَّكون إلاَّ بتكليف ويفتقدون للذّاتية بشكل كبير، وإذا لم يتم التكليف بالعمل والمتابعة الدقيقة لا يتم إنجاز العمل، ولا أجد فيهم أحداً يحمل همَّ الدَّعوة على كتفه، فما الحل.
الرَّد.. د. جمال ماضي*
نريد أن نتفق أولاً على معنى الذَّاتية ، التي هي أن يتحرَّك الفرد بدافع داخلي مرضاة لله تعالى بدون إجبار أو إكراه أو متابعة أو مراقبة ، فهذه ثلاثة شروط، فإنْ خلا شرط منها أحدث خللاً، فعكسها تماماً من التحرّك عند التكليف من أجل المتابعة، والله أعلم بالنيّات ولكن الإسلام، يطالبنا دوماً بتحرير النيَّة لله تعالى لمرضاته وحده ولو بسخط الناس، ولذلك على المربِّي الناجح أن يغرس الرَّبانية في قلوب أفراده بثلاثة أمور:
أن يكون الفرد عالماً فاهماً وعاملاً طائعاً وقدوة لغيره يقتدي في الوقت ذاته بالمربي، ولذلك كان يقول : المربي قديماً إن غرس هذه المعاني في قلب تلميذه : - ها أنت وربك – لأنَّ مهمَّة المشرف التربوي أن يصل أفراده بالله، فيستمدون من الله قوَّة روحانية تدفعهم للذاتية والمزيد من العطاء الفردي والتميّز في الحياة.
وعليك كمشرف تربوي لتحقيق ما سبق بهذه الخطوات:
1 – إشعارهم بأنَّ الدَّعوة واجب شرعي على كل مسلم لا يسقطها عنه أي اعتبار، وهذا العمل الدَّعوي العام أصل من أصول هذا الدين؛ إذ بُعِثَ الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم للنَّاس كافة، قال تعالى: {وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين}، ولم يُبعث لطبقة معيّنة من النَّاس.
2 – التنبيه على العمل الدَّعوي الجماعي، فيد الله مع الجماعي، قال تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى}، (المائدة:2).
3 – غرس أنَّ المسلم يجد راحته في العمل والبذل والعطاء؛ فهو يجد أنسه وسروره، ويحسّ بلذّة غامرة تغمره إذا هو أنفق جلَّ وقته في أمور الدَّعوة، لقوله تعالى: {وَجَآءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يقَوْمِ اتَّبِعُواْ الْمُرْسَلِينَ}.
يقول الإمام البنا : واصفاً صاحب الذاتية الفاعلة: فهو دائم التفكير، عظيم الاهتمام، على قدر الاستعداد أبداً، إذا دُعي أجاب أو نودي لبّى غُدُوَّه ورَواحه وحديثه وكلامه، وجدّه ولعبه لا يتعدّى الميدان الذي أعدّ له، ولا يتناول سوى المهمَّة التي وقف عليها حياته وإرادته، يجاهد في سبيلها، تقرأ في قسمات وجهه وترى في بريق عينيه وتسمع من فلتات لسانه ما يدلّك على ما يضطرم في قلبه من جوّ لاصق وألم دفين، وما تفيض به نفسه من عزيمة صادقة وغاية بعيدة.
4 – تفهيم الفرد أنَّه يعيش للإسلام بكلّيته، ويسخّر كلَّ طاقته وإمكاناته لدعوته: "نحن نريد نفوساً حيّة قوية فتيّة، وقلوباً جديدة خفّاقة غيورة ملتهّبة، وأرواحاً متطلعة متوثّبة".
5 – الاقتداء بسيّد الدّعاة صلّى الله عليه وسلّم في الحرص على هداية النَّاس وتعليمهم وتزكيتهم، وأنَّه لا يهدأ من التفكير في مشاريع الخير التي تنفع الإسلام والمسلمين وأنَّه دائم الاتصال بإخوانه في الخير والدَّعوة، وأنَّه يدعو إلى الله في كلِّ مكان، وفي كل الظروف والأحوال، وفي كل البيئات؛ في البيت والعمل والأقارب والمسجد وأماكن الدراسة والسكن.
6 – تدريب الفرد على تحمّل الأذى والاتصال بالنَّاس، فهو يبلّغ الأمانة، ويؤدّي الرِّسالة، وينصح الأمة، وفي الحديث الصَّحيح: ((المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خيرٌ من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم )). (رواه البخاري في الأدب المفرد، وأحمد في مسنده).
وعليه لتحقيق ذلك :
1 - الزَّاد العلمي والرَّصيد الثقافي.
2 - معرفة فقه الدَّعوة والعمل للإسلام.
3 - استشعار الأجر والثواب من الله .
4 - النظر في سيرة الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم وأحوال السَّلف والدُّعاة مع العمل للإسلام.
5 - استشعار أنَّ الجنَّة محفوفة بالمكاره.
6 - حمل همّ الدعوة للعمل للإسلام.
7 - المعايشة الجماعية.
وأخيراً: الدُّعاء: قال الفاروق عمر رضي الله عنه في دُعائه: ((اللهم إنّي ضعيف عن العمل بطاعتك، فارزقني النشاط فيها)).
الرد.. د. هدى نجم *
كل انسان منا يقوم باكثر من دور في حياته، وأحيانا يختلط علينا الامر اثناء قيامنا بادوارنا والواجبات المترتبة عليها، خاصّة الدور الوظيفي، فكما فهمت من السائل أنه مكلف رسمياً بالقيام بدور المشرف التربوي، وفي نفس الوقت عليه واجب الدعوة، وهو واجب واحساس داخلي لدى كل انسان يستشعر الايمان في قلبه ويشعر بمنة الله عليه، فأينما نكون نستطيع ان نكون دعاة دون تكليف من احد لان التكليف قد حصل من الله تعالى.
اخي السائل، عليك النظر الى المجموعة التي انت مسؤول عنها بشكل بسيط على انهم مجرد مجموعة من الافراد يحتاجون الى (الاستمرارية في الدافعية) و (الترابط فيما بينهم للعمل بروح الفريق) وتذكر انك انت القدوة بالنسبة لهم، فإذا بادرتهم باللوم والنقد فسوف تفتر هممهم ويبتعدون عن العمل، وإذا لم يشعروا بالتشويق والمتعة بما هم مكلفون، فسوف يدخل الملل الى نفوسهم وهذا امر طبيعي جبل عليه الانسان. كما ان بعض أفراد المجموعة قد يشعرون في مرحلة ما بالضياع والخروج عن ما هو مطلوب منهم وهذا يقودهم للشعور بانك قد تحابي بعضهم على بعض وبالتالي تفتر هممهم. فماذا تستطيع ان تفعل؟.. ما عليك إلا ان تنظم عملك بشكل افضل وتضمنه متابعة فردية وجماعية، ولتعتمد القيادة بالمشاركة عندها سوف يتقبل منك الجميع ما تقول وتطلب بل سيقوم كل واحد بواجبه دون التكليف. إتّبع الخطوات التالية:-
- حدد الاهداف العامة التي تريد تحقيقها مع المجموعة وحولها الى اهداف إجرائية يمكن قياسها.
- أشرك المجموعة بما لديك ولتكن هذه الاهداف بشكل مشترك عندها سوف يشعرون انهم اصحاب الافكار ويسهل عليهم تقبلها.
- بالاشتراك مع المجموعة ضع خطة تتضمن الاساليب والاجراءات- الزمن- والمسؤول عن تنفيذ كل هدف، وليستلم كل فرد نسخة وعليه ان يضع هو بدوره خطته.
- ضع آلية متابعة فردية وجماعية، نظرية وعملية.
- حدد لقاءات مع المجموعة بهدف تقوية اواصر المحبة والمودة والروح المعنوية مثل (حفل شاي) (رحلة)...
- حدد بالاشتراك مع المجموعة قانون للمجموعة يشمل كل القواعد والعقوبات المترتبة على المخالفات
- اترك مجالا للابداع للمحاولات والمبادرات.
- درب المجموعة على النقد البناء بان يكتب كل منهم راية بعد كل لقاء وان يضع اقتراحا بديلا عما يزعجه.
- اعمل مسحاً للمهارات التي تشعر ان كل واحد بحاجة للتدرب عليها حتى يكون التدريب مناسب للحاجات.
هناك اساليب كثيرة اخرى تساعدك على تجاوز صعوبة ادارة المجموعة، وليس معيبا اذا تحدثت مع احد زملائك ذوي الخبرة واستفدت منه.
أهم شيء ان تكون ثقتك بهم عالية فثقتك بهم من ثقتك بنفسك.
----------------------------------------------------------
*المستشار الدعوي لموقع بصائر
*المستشار الدعوي لموقع بصائر