ذوق الفطرة .. وحسن العشرة

الرئيسية » بصائر للأسرة والمرأة » ذوق الفطرة .. وحسن العشرة
alt

يُنبئ  حسن الخلق وحسن التعامل مع الناس عن ذوق بدأته الفطرة وقوَّته الدُّربة على ذلك .. فإنَّما الحلم بالتحلم، وإنَّما العلم بالتعلم، وإنَّما الصبر بالتصبر ..
فخير ما يكنز المرء في قلبه هو الذوق الرفيع .. قال أحد الصالحين : يا بني، اجعل عملك ملحاً وأدبك دقيقاً ( حتى تكون نسبته في الكثرة نسبة الدقيق إلى الملح في العجين ).
فالذوق وحسن العشرة يوثق الرَّوابط ويوطّد العلاقات، ويصبح المجتمع متحاباً متعاوناً ينأى به عن كثير من الحرج والضيق، وبذلك نرفع من قيمة مجتمعاتنا الإسلامية، وتوحَّد لتقوى على مواجهة كلِّ عدو وحاقد وحاسد .

قد يكون من أسباب ضعف الذَّوق ..
- غياب التربية الصَّحيحة عن كثير من أبناء الأمَّة .. ويتمثل ذلك بتصرّف الأم أو الأب بغير وعي أو إدراك أمام أطفالهم، ولا يعلمون أنهم بهذا يصنعون ذوقيات أطفالهم معهم هم قبل أيّ شخص آخر في المستقبل ..!

- غياب القدوة الحسنة، فسمْتُ العالِم وهديِه له أثر عظيم على الاتباع . قال الذهبي:  (كان يجتمع في مجلس أحمد بن حنبل زهاء خمسة آلاف أو يزيدون نحو خمسمئة منهم يكتبون والباقون يتعلمون منه حسن الأدب والسَّمت).

- ضعف المؤسسات التعليمية والثقافية؛ أهلية هذه المؤسسات كانت أم رسمية،كالمدارس ووسائل الإعلام.

- ضعف التناصح بهذا الأمر وضعف الاهتمام به رغم أهميته .

وإنَّ من علامات السعادة للإنسان أن يرزق ذوقاً سليماً مهذباً؛ فإنَّه إذا كان كذلك عَرَفَ كيف يستمتعُ بالحياة، وكيف يحترمُ شعورَ الآخرين ولا ينغّص عليهم، بل يدخل السرور عليهم؛ فصاحب الذَّوق السليم قادرٌ على استجلاب القلوب، وإدخال السرور على نفسه وعلى من حوله.
وإذا ساد الذَّوق السليم في أسرة أو مجتمع رأينا كلَّ فرد من هؤلاء يتجنّب جرح إحساس غيره بأيّ لفظ، أو عمل، أو إشارة، أو أيّ شيء يأباه الذوق.
ورأينا كلّ فرد يقوم بما أسند إليه من مسؤولية على أكمل وجه وأتمه.

إنَّ الذوق السليم في الإنسان يرفعه إلى حدّ أن يتخيّر الكلمة اللطيفة، والتصرف الملائم الذي يمنع الإحراج، ويدخل السرور على الآخرين.
بل إنَّ صاحب الذوق السليم يأبى النزاع، وحدة الغضب.

ولا يبالغ الإنسان إذا قال: إن رُقِيَّ الذوق أكثر أثراً في السعادة من رقي العقل؛ إن الذوق إذا رَقِيَ أَنِفَ من الأعمال الخسيسة، والأقوال النابية، والأفعال السخيفة.
أمَّا من جفَّ طبعه، وكثفت نفسه، وقلَّ ذوقه - فلا تَسَلْ عمَّا سيحدثه من شرخ في الناس، وما سيجلبه من شقاء لنفسه وغيره، فتراه لا يراعي مشاعرَ الآخرين، ولا يأنف من مواجهتهم بما يكرهون؛ فإذا ما حضر مجلساً، وابتدر الكلام وضَعْتَ يَدَك على قلبك؛ خشيةَ أن يَزِلَّ، أو يَفْرُطَ على أحد من الحاضرين.

"أكب رجل من بني مرّة على مالك بن أسماء يحدثه في يوم صيف، ويُغِمّه، ويثقل عليه، ثمَّ قال: أتدري من قتلنا منكم في الجاهلية؟
قال: لا، ولكني أعرف من قتلتم منا في الإسلام.
و قال: من هم؟
قال: أنا قتلتني اليوم بطولِ حديثك، وكثرةِ فُضولك".
وقال ابن القيم -رحمه الله-: "ومنهم مَنْ مُخالطتُه حُمَّى الروح، وهو الثقيل البغيض العقل، الذي لا يحسن أن يتكلم فيفيدك، ولا يُحْسِن أن ينصت؛ فيستفيدَ منك، ولا يعرفُ نفسه، فيضعُها في منزلتها.
بل إن تكلم فكلامُه كالعصى تنزل على قلوب السامعين مع إعجابه بكلامه وفرحه به؛ فهو يُحْدِثُ مِنْ فِيِهِ كلما تحدث، ويظن أنَّه مسك يطيب به المجلس، وإن سكت فأثقل من نصف الرّحا العظيمة، التي لا يطاق حملها ولا جرها على الأرض.
ويُذْكَرُ عن الشافعي -رحمه الله- أنَّه قال: ما جلس إليّ ثقيل إلاَّ وجدت الجانب الذي هو فيه أنزل من الجانب الآخر.

وثمَّة أمور غاليتي ترفع بنا إلى أعالي الدرجات .. وتنأى بنا إلاَّ أن نكون من أصحاب الذوق الرفيع .. وهذه تخص مجتمع النساء أكثر من غيره :
1- إذا ذهبتِ في زيارة لصديقة وأحضرت معكِ أبناءك، فحبذا أن لا يكونوا سبب ضيق لصديقتك، وان تكوني دائمة المراقبة لهم خشية أن يسبّبوا أيّ ضرر لها أو لبيتها .. ولا نتذرع بأننا صديقات أو حتى أخوات في الله، ولا ضير أن قام طفلي ببعض المشاكسات ..!!
يتخذ التواضع سنة، والعطاء من غير منة، كريم طروب، قليل العيوب وكثير المزاح، صاحب للأصحاب وحبيب للأحباب، كيِّس لطيف ولكن ليس بكثيف، كما أنه إذا دعت الحاجة يواسيك ويسليك وزيادة على ذلك هو يتوجع إليك
2- تخيّري أوقات زيارتك .. ولتحسني الاستئذان وأخذ الموعد، واحرصي على مراعاة ظروف أختك قبل كلِّ شيء.

3- تخيّري حديثك معها .. فلا تكثري الحديث عن نعم رزقكِ الله إياّها ولم تملكها هي .. فهذا يسبب الضيق كل الضيق ..

4- صحيح أنَّ الصديق وقت الضيق .. ولكن لا تثقلي طلباتك حتى لا يملّ منكِ الآخرون .

5- تجنّبي ذكر أخواتك في غيبتهن إلاَّ بما هو خير .. واحرصي أن تأكلي لحم أختك .

6- بادري وتحسّسي حاجات أختك، واسألي عنها دوماً، واعرضي ما تستطيعين تقديمه بجد لا من باب رفع العتب .

7- من الذوق أن تحسني العتاب إذا استدعاكِ الأمر لذلك .. فالعتاب ليجلّي الصدور لا ليجرحها .. وحاولي تلمس الأعذار لها .

8- أكرمي ضيفك بكل ما تملكين، فإكرام الضيف قمة الذوق وأشعريه بأنَّه مرحَّب به، وأنك كنت بشوق لمجيئه .

9- كوني حسنة الهندام والمنظر سواء كنت ضائفة أم مضيفة،  فهذا ينبئ عن خفايا جمال روحك وبهائها .

10- قدِّمي النصح، ولكن فلتتخيري الأسلوب والفرصة المناسبة.

11- رحم الله امرأ جبّ الغيبة عن نفسه .. حاولي أن تكون تصرفاتك وردود أفعالك وكلّ شيء واضحاً ومفسراً، وإن شعرتي بأن إحداهن التبس عليها الأمر فالخير أن تبرري، ولا تقولي: إنَّ الله مطلع على قلبي ونيتي ولا يهمني غير ذلك .. فلا تنسي أنك قد تمثلين ديناً قويماً يدعو إلى مكارم الأخلاق .

12- كوني دائماً مبتسمة .. حتى تشعري كل من حولكِ بالارتياح والطمأنينة .

13- إذا كنا في مجلس، فلنراعي أدب المحادثة بعدم كثرة الثرثرة، والاستئثار بالحديث، وكثرةِ الأسئلةِ وتَعَمُّد الإحراج فيها، والحديث بما لا يناسب المقام، والتعالي على السَّامعين، وترك الإصغاء للمتحدّث، والاستخفاف بحديثه، والمبادرة إلى إكماله، والقيام عنه قبل إكمال حديثه، والمبادرة إلى تكذيبه، وعدم رفع الصوت بلا داعٍ، والشدة في العتاب، والغلظة في الخطاب، والجدال والمراء والخصومة، وبذاءة اللسان، والتفحش في القول، والتقعر في الكلام، مع عدم تناجي الاثنين دون الواحد، والجلوس وسط الحلقة، والتفريق بين اثنين متجالسين دون إذنهما.

14- أحق الناس بالتعامل معهم بذوق هم أهلك وخاصتك ، زوجك وأبناؤك .. بهذا تخرِّجي للمجتمع أصنافاً وأطيافاً تتمتع بالذوق الذي يحتاجه المجتمع كي يسمو برقي .. لا تكوني جميلة الهندام امام ضيوفك او في الخارج وعثَّة الثياب امام زوجك .. ولا تكوني لبقة الكلام والتصرف مع صديقاتك وفضة سريعة الغضب مع ابنائك ..  لا تمثلي للعالم انك صاحبة قيم وانك تنظرين عليهم الاخلاق وما شابه وانتي لست كذلك مع اهل بيتك .. لا تفرّغي كل طاقاتك ووقتك للخارج .. وتتركِ بيتك خاوي على عروشه .

تذكري يا عزيزتي أن ديننا دائماً يحضّ على حسن الخلق وحسن الذوق وحسن التعامل فكم من بلاد فتحت بطيب التعامل وحسن الذوق ..وكم من أفراد نفروا من أصحاب التدين بسبب قلة الذوق وسوء التعامل .. فلتظهري للعالم أننا أصحاب ذوق رفيع نستقيه من ديننا القويم الذي يزهو على الاديان كلها بمعلم خير من البشرية جمعاء _عليه أفضل الصَّلاة والسَّلام ، وقد قيل عن صاحب الذوق السليم:  (إنه لا بد وأن يكون مزاجه مستقيما، يتخذ التواضع سنة، والعطاء من غير منة، كريم طروب، قليل العيوب وكثير المزاح، صاحب للأصحاب وحبيب للأحباب، كيِّس لطيف ولكن ليس بكثيف، كما أنه إذا دعت الحاجة يواسيك ويسليك وزيادة على ذلك هو يتوجع إليك.
وعكسه تماماً (المسلوب الذوق الأحمق)، فعقله ممزق، وعيناه تتبحلق، يعيط ويبقبق ولزوجته يطلق، إن مدحته ازدراك وإن تركته عاداك، ولو أنك فرشت له خدك بالأرض لداس عليه معتبراً ذلك فرضا، ورغم أنه غلطان فهو ما زال يظن أنه سلطان).

مصادر للاستزادة :
- صفة صاحب الذوق السليم ومسلوب الذوق اللئيم - للسيوطي
- كتاب الصَّبر والذوق -  لعمرو خالد

 

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

alt

إقرار أول قانون للحماية من العنف المنزلي في السعودية

قال مسؤول في مجال حقوق الإنسان إن السعودية أقرت قانونا مهماً يهدف إلى حماية النساء …