أربكان .. مهندس إعادة تركيا لحضن الإسلام

الرئيسية » بصائر الفكر » أربكان .. مهندس إعادة تركيا لحضن الإسلام

كان له دورٌ كبير في انتزاع تركيا من  هيمنة العلمانية التي قادها مصطفى كمال أتاتورك عام 1924، فقد أخذ على عاتقه إعادة تركيا إلى حضن الهوية الإسلامية،  علَّم جيلاً جديدًا معنى كلمة الجهاد بجميع أنواعه،  وأنشأ العديد من الأحزاب الإسلامية التي حوربت وأغلقت، ولم يفتّ ذلك في عضده، فكان صاحب دعوة وقضية واضحة .

ربّى الآلاف من أبناء تركيا على أنَّ الإسلام ليس مجرَّد صلاة وصيام فقط، وإنَّما هو الجهاد لإعلاء كلمة الحق والاستمرار لتخليص الإنسانية من الظلم والقهر  ، كما ربا  الشباب على الصدق والعلم والدعوة و وحدة الأمة والإيمان والجهاد، ولم يترك هذه المفاهيم حتى لقي الله" ،  إنَّه أحد  أبرز زعماء تيار الإسلام السياسي في تركيا، وأخطر من تحدى علمانية كمال أتاتورك المتشددة التي حكمت بلاده ومازالت منذ أواسط عشرينيات القرن الماضي ،   إنَّه نجم الدين أربكان؛  ابن القاضي محمد صبري ونجل السيدة قمر  الذي ولد بعد عامان من إسقاط الخلافة الإسلامية في تركيا  ( 29 أكتوبر 1926  " ووافته المنية  في  27 فبراير 2011  بعد تاريخ سياسي ودعوي حافلين  واجه خلاله العلمانية الغربية التي تجذرت في تركيا طوال القرن العشرين. 

في يوم الأحد 27 فبراير 2011م الموافق 23 ربيع الأول 1432 هـ  توفى أربكان في أحد مستشفيات أنقرة عن عمر ناهز 84 عاماً ، و شيَّعه ملايين الأتراك، ومن ورائهم المسلمون في بلاد العالم، وذلك بمشاركة الرئيس عبد الله جول، ورئيس الوزراء رجب طيب أردوجان، الذي قطع زيارة رسمية لأوربا لحضور جنازة "المعلم" والمؤسس للحركة الإسلامية الحديثة في تركيا، ورفيق دربه رجائي طوقان. إلى جانب زعماء إسلاميين منهم: المرشد العام السابع لجماعة الإخوان المسلمين محمد مهدي عاكف، ورئيس حزب النهضة في تونس الشيخ راشد الغنوشي، وممثلون عن حركة حماس، وزعماء إسلاميون، والكثير من العلماء والقيادات الإسلامية في العالم.

نشأته  وتعليمه ..

وُلد أربكان 29 أكتوبر 1926م بمدينة سينوب التركية، في أقصى الشمال على ساحل البحر الأسود، ويرجع أصله للأمراء السلاجقة المعروفين في تاريخ تركيا باسم "بني أجوللري"، وكان جدّه آخر وزراء ماليتهم، ومقرّبًا من السلطان عبد الحميد الثاني، وكان والده مدرّسًا للشريعة والقانون، بينما كانت أسرة أربكان تلقب بـ"ناظر زاده"، أي ابن الوزير.

وأنهى دراسته الثانوية في عام 1943م؛ ليلتحق بجامعة الهندسة في إسطنبول، ويتخرج أول دفعة كلية الهندسة الميكانيكية عام 1948م، ليتم تعيينه معيدًا بالكلية ذاتها، ويحصل على بعثة دراسية إلى ألمانيا عام 1951م.

نشأ نجم الدين  أربكان في أحضان الطريقة النقشبندية برعاية شيخها محمد زاهد كوتكو، حصل على الدكتوراه من جامعة أخن الألمانية في هندسة المحركات عام 1956 ، وعمل أثناء دراسته في ألمانيا رئيساً لمهندسي الأبحاث في مصانع محركات "كلوفز - هومبولدت - دويتز" بمدينة كولونيا. وتوصل أثناء عمله إلى ابتكارات جديدة لتطوير صناعة محركات الدبابات التي تعمل بكل أنواع الوقود.  وعندما عاد إلى بلاده كان أوَّل ما نفذه تأسيس مصنع "المحرّك الفضي" مع نحو ثلاثمائة من زملائه. وقد تخصَّص هذا المصنع في تصنيع محركات الديزل، وبدأ إنتاجها الفعلي عام 1960

 

نشاطه السياسي  . .
بدأ أربكان حياته السياسية بعد تخرّجه من كلية الهندسة، وأصبح رئيسا لاتحاد النقابات التجارية ثمَّ انتخب عضواً في مجلس النواب عن مدينة قوينة،

بدأ أربكان حياته السياسية بعد تخرّجه من كلية الهندسة، وأصبح رئيسا لاتحاد النقابات التجارية ثمَّ انتخب عضواً في مجلس النواب عن مدينة قوينة،  منع من المشاركة في الحكومات المختلفة بسبب نشاطه المعادي للعلمانية، حتى أسس حزبا سياسياً لعبا دوراً كبيرا للربط بين السياسة والدين الإسلامي  ، ولم يتحمله النظام العلماني القائم سوى تسعة أشهر حتى تمّ حلّه بقرار قضائي من المحكمة الدستورية بعد إنذار من قائد الجيش محسن باتور، فقام أربكان بدعم من التحالف ذاته بتأسيس حزب السلامة الوطني عام 1972، وشارك بالانتخابات العامة وفاز بخمسين مقعدا فشارك في مطلع عام 1974 في حكومة ائتلافية مع حزب الشعب الجمهوري الذي أسسه أتاتورك ليرعى المبادئ العلمانية.

وخلال وجوده في حكومة أجاويد، حاول أربكان فرض بعض قناعاته على القرار السياسي التركي، وحاول ضرب  أحد اخطر معاقل العلمانية  حيث قدم مشروع قرار للبرلمان لتحريم الماسونية في تركيا وإغلاق محافلها، وأسهم في تطوير العلاقات مع العالم العربي، وأظهر أكثر من موقف مؤيد صراحة للشعب الفلسطيني ومعاد لإسرائيل، ونجح في حجب الثقة عن وزير الخارجية آنذاك خير الدين أركمان بسبب ما اعتبر سياسته المؤيدة لإسرائيل.

بعد بضعة أيام تزعم قائد الجيش كنعان إيفرين انقلاباً عسكرياً أطاح بالائتلاف الحاكم، وبدأ سلسلة إجراءات كان من بينها إعادة القوة للتيار العلماني ومن ذلك تشكيل مجلس الأمن القومي وتعطيل الدستور وحل الأحزاب واعتقال الناشطين الإسلاميين إلى جانب اليساريين  ، كان أربكان من بين من دخلوا السجن آنذاك، وبعد ثلاث سنوات خرج في إطار موجة انفتاح على الحريات في عهد حكومة أوزال، فأسس في العام 1983 حزب الرّفاه الوطني، الذي شارك في انتخابات نفس العام لكنه لم يحصل سوى على 1.5% من الأصوات، لكنه لم ييأس إذ واصل جهوده السياسية حتى أفلح في الفوز بالأغلبية في انتخابات عام 1996 ليترأس أربكان حكومة ائتلافية مع حزب الطريق القويم برئاسة تانسو تشيللر.
خلال أقلّ من عام قضاه رئيساً للحكومة التركية، سعى أربكان إلى الانفتاح بقوَّة على العالم الإسلامي، حتى بدا وكأنَّه يريد استعادة دور تركيا الإسلامي القيادي،

خلال أقلّ من عام قضاه رئيساً للحكومة التركية، سعى أربكان إلى الانفتاح بقوَّة على العالم الإسلامي، حتى بدا وكأنَّه يريد استعادة دور تركيا الإسلامي القيادي، فبدأ ولايته بزيارة إلى كل من ليبيا وإيران، وأعلن عن تشكيل مجموعة الثماني الإسلامية التي تضم إلى جانب تركيا أكبر سبع دول إسلامية: إيران وباكستان وإندونيسيا ومصر ونيجيريا وبنغلاديش وماليزيا.

و في عام 1998 تمَّ حظر حزب الرّفاه وأحيل أربكان إلى القضاء بتهم مختلفة منها انتهاك مواثيق علمانية الدولة، ومنع من مزاولة النشاط السياسي لخمس سنوات، لكن أربكان لم يغادر الساحة السياسية فلجأ إلى المخرج التركي التقليدي ليؤسس حزبا جديدا باسم الفضيلة بزعامة أحد معاونيه وبدأ يديره من خلف الكواليس، لكن هذا الحزب تعرض للحظر أيضا في عام 2000.

وعاد أربكان ليؤسس بعد انتهاء مدة الحظر في عام 2003 حزب السعادة، لكن خصومه من العلمانيين، تربصوا به ليجري اعتقاله ومحاكمته في نفس العام بتهمة اختلاس أموال من حزب الرَّفاه المنحل، وحكم على الرجل بسنتين سجنا وكان يبلغ من العمر وقتها 77 عاما .وفي عام 2008 أصدر الرئيس التركي عبد الله غول عفو رئاسي عنه في 18 أغسطس  بسبب تدهور حالته الصحية.

عبارات خالدة   ..

كانت لنجم الدين أربكان عبارات خالدة، فكان كثيراً ما يردد: " لا يورد إلى يوم المورد بدون إيراد! وقد أتيتك ربى بحمل ثقيل لاجئاً لرحمتك! ". وهي عبارة تؤكد جانب التربية الإيمانية في شخصيته، التي تعمل بجد، وتحتقر الذات، لأنها لا تدري مقدار المقبول!- ومن أقواله: "لا يكون الربيع بوردة واحدة، ولكن الربيع يبدأ بوردة " ؛ وهي تشير إلى منهجه في التزام قاعدة السياسة الشرعية في التدرج في التطبيق، التي لا يتحملها بعض العاملين للإسلام، ولا سيّما جيل الشباب.-

ومن أقواله رحمه الله: " في طريق الدَّعوة لا يعيش أحدنا لنفسه، بل يعيش لخدمة الآخرين ؛ وهذا أسهل طريق لقتل المنافع الشخصية " ؛ وهذه قضية تربوية لو فقهها من يفشلون في خدمة الإسلام مع احتسابهم في العاملين له ؛ لما وقع الفشل، ولبورك في العمل.-

ومن أقواله رحمه الله: " المسلم يكون (ماكينة) لإظهار الحق، بينما يكون (فرامل)  لإيقاف الشر " ؛ وهو فقه عظيم من فقه الاحتساب، لمن كان همّه الدار الآخرة، ومقصده رضا الله.-  ومن أقواله: " من لديه الإيمان، لديه الإمكان لكل خير "! وهي إشارة مهمّة لعلاقة الإصلاح بالإيمان.-
ومن أقواله: " إحقاق الحق يأتي بالسعادة دوما" ؛ وهي تعبير واضح عن حبَّ العامل للإسلام للخير والعدل، وسعادته بتحقق ذلك له ولغيره.- وقال عن خصوم الإسلاميين كاشفا مكابرتهم: " إنَّهم قد اتهمونا بالرجعية والتخلف، لكنَّهم يخجلون إذا علموا أنَّ نوَّاب حزب السَّلامة في البرلمان وهم خمسون نائباً يشكلون 95% من مثقفي المجلس".

{youtube}rwq82JRp7xY{/youtube}

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

إلى أي مدى خُلق الإنسان حرًّا؟

الحرية بين الإطلاق والمحدودية هل ثَمة وجود لحرية مطلقة بين البشر أصلًا؟ إنّ الحر حرية …