الاستجابة لله .. حياة ونجاة

الرئيسية » بصائر الفكر » الاستجابة لله .. حياة ونجاة
alt

عندما يستصرخ الإنسان بني البشر طالباً منهم، أو مستجيراً بهم، أو منادياً عليهم لأمر جَلَل أو خَطْب عظيم، ولم يسمع منهم صوتاً أو يلمس منهم حراكاً أو يستشعر منهم هبَّة أو نخوة، فإنَّ لسان حاله يردّد ما أبلغ الشاعر في وصفه :

إنك لأسمعت لو ناديت حيَّاً    ولكن لا حياة لمن تنادي

إنَّ من طبيعة البشر التقاعس والتباطؤ والتكاسل عن الاستجابة لنداءات بعضهم البعض، لكن لا نستطيع أن نعمّم هذا السلوك، فتاريخنا الإسلامي وواقعنا المعاصر حافل بنماذج رائعة لبّى فيها المؤمنون صريخ المستصرخين، ونداءات المستغيثين ..

هذا فيما يخص الاستجابة لبني الإنسان لنداءات بعضهم، الذي يعدُّ من آكد الأخلاق والصفات التي حضَّ عليها ديننا الحنيف، وهي تعبّر عن مدى تغلل الإيمان في قلوب مستجيبي هذه الدعوات، وعن عمق فهمهم لفضائل هذه الخلق الكريم، وأمَّا الذين جعلوا أصابعهم في آذانهم، واستغشوا ثيابهم، فإنهم قوم فضلوا التشبّه بصفات  من تنكّب عن الصراط وخالف الوحي الرّباني.
إنَّ  سرعة الاستجابة والتفاعل مع قضايا النٍّاس وهمومهم، وآمالهم وآلامهم، هي  من صميم الاستجابة لله سبحانه
والاستجابة: الإجابة، فالسين والتاء فيها للتأكيد ، وقد غلب استعمال الاستجابة في إجابة طلب معيّن أو في الأعم، فأما الإجابة فهي إجابة لنداء وغلب أن يُعدَّى باللام إذا اقترن بالسين والتاء .

إنَّ  سرعة الاستجابة والتفاعل مع قضايا النٍّاس وهمومهم، وآمالهم وآلامهم، هي  من صميم الاستجابة لله سبحانه، الذي قال في كتابه الحكيم :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}. (الأنفال:24).

يصف صاحب الظلال هذه الدعوة الإلهية بأنها دعوة للحياة . . للحياة الدائمة المتجددة . لا لحياة تاريخية محدودة في صفحة عابرة من صفحات التاريخ .. إنها دعوة إلى الحياة بكل صور الحياة ، وبكل معاني الحياة . .
إنَّه يدعوهم إلى عقيدة تحيي القلوب والعقول، وتطلقها من أوهاق الجهل والخرافة، ومن ضغط الوهم والأسطورة، ومن الخضوع المذل للأسباب الظاهرة والحتميات القاهرة، ومن العبودية لغير الله والمذلة للعبد أو للشهوات سواء . . ويدعوهم إلى منهج للحياة ، ومنهج للفكر ، ومنهج للتصوّر ..
ويعرّف هذه الاستجابة بقوله : (والاستجابة هي السَّماع الصَّحيح . وكم من ناس تفهم عقولهم ولكن قلوبهم مطموسة لا تستجيب!).
يصف القرآن الكريم العصبة المؤمنة التي أصابها الألم والتعب من قتال كفار قريش في غزوة أحد، فلم يفتّ ذلك من عضدها ورباطة جأشها، فسارعت للاستجابة لأمر الله سبحانه، ورسوله صلَّى الله عليه وسلّم
في القرآن الكريم دعوات كثيرة للاستجابة لله سبحانه، منها قوله تعالى: { يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}. (الأحقاف:31)،  وقوله تعالى: { فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي } (البقرة:186).
ومع الترغيب في الاستجابة يأتي الترهيب من الإعراض، قال الله تعالى : { وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ }.(الأحقاف:32).

ويصف القرآن الكريم العصبة المؤمنة التي أصابها الألم والتعب من قتال كفار قريش في غزوة أحد، فلم يفتّ ذلك من عضدها ورباطة جأشها، فسارعت للاستجابة لأمر الله سبحانه، ورسوله صلَّى الله عليه وسلّم، باللحاق بجيش قريش في حمراء الأسد بعد الانصراف من أُحد، قال الله تعالى :{ الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَوْاْ أَجْرٌ عَظِيمٌ}. (آل عمران:172).

وكم كان ذلك عظيماً أنّ تخلَّد هذه الاستجابة لله ورسوله في كتابه الكريم، وأن يروى في الصَّحيحين – واللفظ لمسلم - عن عروة بن الزبير قال : قالت لي عائشة رضي الله عنها :  ((كان أبوك من الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح)).

الاستجابة حياة ..

والاستجابة لله سبحانه من العمل الصَّالح التي أمر الله سبحانه به، فقال تعالى :{ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. ( النحل :97).
إنَّ هذه الآية الكريمة توجب دوام الإيمان ومقارنته بالعمل الصَّالح، لتحقيق الحياة الطيّبة، التي اختلف المفسرون في تعريفها؛ ففريق قالوا بأنها التي تكون في الجنة؛ إذ هناك حياة بلا موت وغنى بلا فقر وصحة بلا سقم وملك بلا هلك وسعادة بلا شقاوة . أخرج ابن جرير وابن المنذر وغيرهما عن الحسن، قال :  (ما تطيب الحياة لأحد إلاَّ في الجنة).
وفريق آخر قالوا: هي في الدنيا وأريد بها حياة تصحبها القناعة والرضا بما قسمه الله تعالى له وقدره . وقال أبو بكر الوراق : هي حياة تصحبها حلاوة الطاعة، وقد رجّح بعضهم هذا القول قائلاً : (وأولى الأقوال على تقدير أن يكون ذلك في الدنيا تفسيرها بما يصحبه القناعة). وقال الواحدي : (إنَّ تفسيرها بذلك حسن مختار، فإنه لا يطيب في الدنيا إلاَّ عيش القانع، وأمَّا الحريص فإنَّه أبداً في الكدّ والعناء).

الاستجابة نجاة ..
الاستجابة هي السَّماع الصَّحيح . وكم من ناس تفهم عقولهم ولكن قلوبهم مطموسة لا تستجيب
والاستجابة لله سبحانه نجاة من هول يوم القيامة، قال الله تعالى :{ اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ}. (الشورى:47). أي: أجيبوه إلى ما دعاكم إليه من الإيمان به والطاعة، ذلك أنَّ اغتنام الفرص والمسارعة إلى الاستجابة لأوامر الله تعالى في السر والعلن، وفي السرّاء والضرّاء، وفي المنشط والمكره، وعدم تأخيرها وتسويفها، كفيلة بالنجاة يوم القيامة؛ الذي وصفة المولى سبحانه بقوله : {يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ}.
فلا يقدر أحد على ردّ ذلك اليوم ودفعه، لأن الله تعالى قد قضى كونه، وما لكم من ملجأ تلجؤون إليه . {وما لكم من نكير} قال مجاهد:  (من ناصر ينصركم). وقال غيره:  (من قدرة على تغيير ما نزل بكم).

فهل من مجيب ؟!

إنَّه لا يخلو يوم من أيام أمتنا الإسلامية من أقصاها إلى أقصاها،  بل ساعة من ساعاتها، من نداء استغاثة، أو صريخ منكوب، أو بكاء معوز،  أو طالب نجدة، أو منذر بخطر محدق، تعدّدت  الأسباب وكثر الألم وقلَّ المستجيبون !
إنَّنا نذبح .. إنَّنا نقتل .. بيوتنا تقصف .. حرائرنا يغتصبن .. إنَّ قدسنا وأقصانا في خطر .. فكوا الحصار عن قطاع غزة .. انصروا الأسرى في سجون الاحتلال .. قلَّ الدَّواء والغذاء .. كثر الفساد  وقلَّ الصَّلاح .. فهل من مجيب ؟!

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

إذا طال حلم الله… فانتظروا الغضبة الكبرى!

في حياتنا البشرية، إذا ما تعرّض أحدنا لضغط كبير، فإن تنفيسه عن هذا الغضب في …