المكافآت المالية للدُّعاة…احترس من زوال الإخلاص

الرئيسية » بصائر الفكر » المكافآت المالية للدُّعاة…احترس من زوال الإخلاص
alt

هل من الممكن أن يقع "الداعية" في "فتنة المال"؟ وأن يجعل مصالحه الشخصية تتدخّل في شؤون دعوته، ويصبح تحصيل المال والمبالغة في جمع الدنيا من أهمّ أولوياته ؟

الواقع يقول: "نعم"، لأنَّ الداعية هو بشر، يصيب ويخطئ، ويتعرَّض لإغراءات الشيطان، وتعصف به الأهواء شأنه شأن كلّ بني آدم.

لكن في المقابل، أليس من حق الداعية أن يأخذ من المال ما يصلح به حياته، وحتى لا يضيّع من يعول؟ ولكي لا يمدّ يده إلى الناس؟.

وما هو الحدّ بين الحلال والحرام في هذا الشأن؟ وكيف يقي الداعية نفسه من الوقع في شهوة وفتنة "المال"؟

حب الدنيا" سبب "الآفة
د.يوسف فرحات مدير عام الوعظ والإرشاد بوزارة الأوقاف بغزة قال لـ" بصائر":" إنَّ المكافآت المالية التي تعطى للدعاة من غير حاجة لهم، وتأتي عن طريق التبرعات أو عامة النَّاس توحي بوجود ظاهرة خطيرة، وهي تراجع العمل التطوعي قياساً مع الماضي، وتفضيل الاكتساب على ثقافة الاحتساب".

بعض الدعاة يكونون موظفين ويتابعون الدعوة إلى الله كعمل إضافي ..الأصل في هذه الحالة أن تكون دعوتهم احتساباً لوجه الله، ولا يجوز لهم أن يكتسبوا منها وهم في غير حاجة
وأضاف أنَّ الظروف المحيطة بالدَّعوة وثورة الاتصالات والعولمة جعلت الكثير من الدعاة والخطباء يبحثون عن الكسب المادي، وطلب الأجرة مقابل أيّ عمل، مشيراً إلى أنَّ ذلك يعود لمرض "حب الدنيا" الذي انتشر بشكل كبير، الأمر الذي أنبأ به رسولنا الكريم.

واستدل فرحات على ما سبق بقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم  : ((يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل : ومن قلة نحن يومئذ، قال : بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، فقال قائل يا رسول الله وما الوهن، قال حب الدنيا وكراهية الموت)).

ونوَّه إلى أنَّ الدعاة هم كغيرهم من البشر يتعرَّض إيمانهم لحالة المد والجزر، والزيادة والنقصان، مبيّناً أنَّ العديد من الدعاة أصيبوا بهذه الآفة، لكنَّه في الوقت ذاته لا يمكن اعتبارها ظاهرة عامَّة.

أنواع الدعاة
وأكَّد فرحات على أنَّ بعض الدعاة يكونون موظفين في إحدى المهن التي يكتسبون رزقهم منها، ويتابعون الدعوة إلى الله كعمل إضافي إلى جانب مهنتهم، مشدّداً على أنَّ الأصل في هذه الحالة أن تكون دعوتهم احتساباً لوجه الله، ولا يجوز لهم أن يكتسبوا منها وهم في غير حاجة.

وأردف قائلاً : أمَّا النوع الآخر من الدُّعاة هم الذين تكون وظيفتهم الأساسية هي الدَّعوة إلى الله ومتفرّغون فقط لها، فيعطون على سبيل المثال 60 محاضرة شهرياً، فأولئك الأجدر بوزارة الأوقاف والوزارات المختصة أن تمنحهم رواتب معيّنة أو تعطيهم مكافآت شهرية، حسب فرحات.

هدف المكافآت
وقال د . فرحات :" إنَّ من الخطأ أن نُعيِّش الدّعاة ومن يقومون على أمر الدين في حالة الفقر المدقع، معلقين ذلك على شماعة أنَّهم مطالبون بالدعوة ويتوجّب عليهم قول كلمة الحق بدون مقابل، مشيراً إلى أنَّه يجب أن يعيشوا في حالة من الاستغناء عن الآخرين، لأنَّه أحيانا تكون الحاجة على حساب المبادئ".

وبخصوص بعض الدعاة الذين يبثون محاضراتهم عبر الفضائيات ويأخذون أجراً من القناة التي تبث البرنامج، لفت فرحات إلى أنَّه لا بأس في ذلك خصوصاً أنَّ مثل تلك البرامج تأخذ وقتاً وجهداً كبيراً من الدعاة، مبيّناً أنَّ ما يسمّون بـــ"الفنانون" يأخذون أجراً على فنهم الهابط، والأولى أن يأخذ الدُّعاة أجراً مقابل عملهم الطيّب، على حدِّ قول فرحات.
من الخطأ أن نُعيِّش الدّعاة ومن يقومون على أمر الدين في حالة الفقر المدقع، معلقين ذلك على شماعة أنَّهم مطالبون بالدعوة ويتوجّب عليهم قول كلمة الحق بدون مقابل
وذكر أنَّ وزارة الأوقاف قبل 4 سنوات كان لها تجربتها بإعطاء الخطباء ومن يقومون على خطبة الجمعة مبلغ (520 شيكلاً)، ثمَّ قرَّرت بعد مدَّة منع الموظفين الذين لهم عمل آخر غير الدعوة إلى الله من أخذ ذلك المبلغ، فوجدت أنَّ البعض استنكف عن عمله، معرباً عن أنَّ المكافئة المالية تلزم الدعاة بجدول الخطابة.

الأصل هو "الاحتساب"
وبالنسبة لأهمية ثقافة الاحتساب وأثرها على الدَّعوة، أوضح فرحات أنَّ العمل عندما يكون خالصاً لوجه الله يكون له الأثر الأكبر على المستمعين ويصل إلى قلوبهم، وأنَّ الداعية سيجد الناس يشعرون بأمر الإخلاص، وذلك بخلاف من يجعل هدف الدَّعوة هو الحصول على أجر ومقابل ماديّ، وإذا توقف الأجر استنكف الداعية عن عمله.

وأشار فرحات إلى أنَّ العمل الدعوي يحتاج إلى النصرة، وأنَّ المسلمين يتوجّب عليهم دعم العمل الدَّعوي بكل الوسائل، سواء كان ذلك بالتبرعات أو غير ذلك، منوّهاً إلى أنَّ المبشرّين يدفعون المليارات من أجل نشر الدين المسيحي، حيث زاد عدد المنصّرين عن 4 مليون، على حدِّ تعبيره.

وأكَّد أنَّ الأصل في الدَّعوة أن يغلب هدف الاحتساب فيها على الاكتساب، وأن تكون مسألة الأجر وسيلة فقط حتّى يتعفّف الدَّاعية عن السؤال ويؤمِّن أسرته من الفقر.

ومضى يقول : "نحن في وزارة الأوقاف لدينا جيش من الخطباء، ونتّجه لتشجيع ما يزيد عن 400 خطيب بمكافآت مالية، لأنَّ أغلبهم مسؤولون عن أسر، ويحتاجون إلى نفقات".

جواز أخذ المكافآت
من ناحيته، قال د.صادق قنديل رئيس قسم الشريعة في الجامعة الإسلامية بغزة:" إنَّ المكافآت المالية إذا أعطت للدّعاة من قبل الدولة أو المؤسسات والجمعيات، فيجوز ذلك كون الداعية يبذل جهداً في دعوته، ويعدُّ موظفاً في الدولة، أمَّا إذا كانت المكافأة من عامَّة النَّاس مقابل الدَّرس، فيصبح الداعية كالمدرّس الخصوصي، وكأنَّما باع العلم ولا يجوز ذلك".

واستكمل حديثه بالقول "إنَّ بعض المدارس والجمعيات تعقد ورش عمل، وتعطي مكافئة مالية للداعية، لأنَّ الجمعية تسجل الدرس كنشاط لها، منوّهاً إلى أنَّه يجوز للداعية في هذه الحالة قبول المكافأة، بالإضافة إلى أنَّ المحاضر في كلية الشريعة وأصول الدين يتقاضى راتباً مقابل تعليمه لشريعة الله، ولا ضير في ذلك".

قبول المكافآت
أمَّا بخصوص الأسباب التي تدفع بعض الدعاة لأخذ المكافآت المالية من دون حاجة إليها، أفاد قنديل بقوله:" إنَّ حبَّ الدنيا يدفع الداعية ليركب قطار الدّين، ويبدأ بجني الأموال ليكتسب الأرباح، فهو يعمل لأجل دنياه، أمَّا إذا كان من محبّي الدَّعوة، والبذل في خدمة الإسلام، فلن ينتظر المقابل".
إذا أعطت للدّعاة من قبل الدولة أو المؤسسات والجمعيات، فيجوز ذلك أمَّا إذا كانت المكافأة من عامَّة النَّاس فيصبح الداعية كالمدرّس الخصوصي
وتابع" السبب الآخر يكمن في عدم وضوح الرُّؤية للداعية، فهل يكون داعية لتستفيد الدَّعوة والإسلام منه أم العكس، وهل جاء ليحمل همَّ الدَّعوة أم الدَّعوة تحمله وتدفعه لأخذ المقابل، فأحياناً يقع هذا الخلط عند بعض الدُّعاة، على حد تعبيره".

وأضاف قنديل"كما أنَّ غياب الرقابة من قبل وزارة الأوقاف والقائمين على المساجد، وغياب الرقابة الذاتية تدفعهم لأخذ تلك المكافآت".

نظرة الشرع
وعن نظرة الشرع لمن يجمع المال عن طريق دعوته، قال قنديل :"إنَّ الشرع ينظر إليه كمن باع الآخرة بالدنيا، مبيّناً أنَّ القرآن يبغض أمثال هؤلاء، وأن الإنسان المؤمن يجب أن يكون معطاءً لا آخذاً، فالصَّحابة رضوان الله عليهم فتحوا الدنيا من مشارقها إلى مغاربها ولم يأخذوا أيَّ مقابل".

وأوضح أنَّ الإمام حسن البنا كان يحذّر الدعاة في إحدى مذكراته من ترك الدعوة إلى الله، والبعد عن خدمة الإسلام بسبب الخوف من ضياع الوظيفة.

ولفت إلى إنَّ الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم كقيادة حكيمة وفّر للمهاجرين المأوى والمال الكافي حتّى يتفرّغوا لمهمتهم في أداء الرسالة للناس فآخى بينهم وبين الأنصار، وما ذلك إلاَّ لتحمّل القيادة لأعباء المدعوين، لأنَّ الفقر يعطّل المواهب ويقتل الإبداع ويشتت الذهن، حسب قنديل.

وأضاف أنَّ الشريعة تجيز وتبيح الأجر الدنيوي من غير أن يقصده العامل منفرداً عن الأجر الأخروي الذي يناله من الله - سبحانه وتعالى.

معلومات الموضوع

الوسوم

  • الداعية
  • المال
  • اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
    صحفية فلسطينية مقيمة في قطاع غزة، حاصلة على درجة البكالوريوس في الصحافة والاعلام من الجامعة الاسلامية بغزة عام 2011م، وكاتبة في موقع "بصائر" الإلكتروني، وصحيفة "الشباب" الصادرة شهرياً عن الكتلة الاسلامية في قطاع غزة. وعملت في العديد من الصحف والمواقع الإلكترونية أبرزها صحيفة فلسطين، وصحيفة نور الاقتصادية، وصحيفة العربي الجديد.

    شاهد أيضاً

    إلى أي مدى خُلق الإنسان حرًّا؟

    الحرية بين الإطلاق والمحدودية هل ثَمة وجود لحرية مطلقة بين البشر أصلًا؟ إنّ الحر حرية …