الإمام النووي.. ملامح تربوية من حياته

الرئيسية » بصائر نبوية » الإمام النووي.. ملامح تربوية من حياته
alt

"النووي" .. هذه المفردة مرتبطة في ذاكرتي بمعانٍ رائعة ومحزنة في آنٍ معاً، فأمَّا المعاني الرّائعة، فهي القرية التي ينسب إليها، فيقال: (النووي) أو (النواوي)؛ إنّها: (نوى) القرية الهادئة، الطيّب أهلها، عندما زرتها ذات مرَّة التقيت أهلها وخبرت معدنهم الأصيل الذي تربّى عليه وتخرّج منه العلماء والحفّاظ، وتضمّ تربة هذه القرية قبر الإمام النووي رحمه الله، ومن الغريب أنَّ شجرة كبيرة ذات جذور وفروع نبتت وسط  القبر.

ومن هذا العَلَم الرّباني كان المعنيان الثاني والثالث؛ حيث ذكر لي أحد الأصدقاء أنَّ بلداً منع تداول كتابه "الأربعون النووية" خوفاً من اطّلاع القرّاء على سرّ صناعة القنبلة النووية !! ولم يعلم مسؤولو الإعلام في ذلك البلد أنَّ الإمام النووي جمع أربعين حديثاً نبوياً من جوامع الكلم وكنوز السنة النبوية - على صاحبها أفضل الصَّلاة وأزكى التسليم- واشتهر الكتاب وذاع صيته بين طلاب العلم والمعرفة باسم (الأربعون النووية)، وهذا أمر محزن فعلاً.

أمّا الأمر الثالث الرّائع، فيتمثل في جملة من الملامح التربوية والعلمية في شخصية الإمام النووي رحمه الله، سأتناولها في هذه الأسطر  القليلة .. نقاط مضيئة من حياته  .. وجملة  من أخلاقه ..  وتنوّع مؤلفاته في علوم الحديث النبوي ..

أخلاق العالم الزَّاهد ..

هو الإمام يحيى بن شرف بن مرّي بن حسن الحزامي الحوراني، النووي، الشافعي، أبو زكريا، محيي الدين، ولد سنة 631هـ، وتوفي سنة 676 هـ، عاش 45 عاماً، ولم يتزوّج، يصفه الإمام الذهبي بقوله: ( كان مهيباً، قليل الضحك، عديم اللعب، بل جدّ صرف يقول الحق وإن كان مرّاً، لا يخاف في الله لومة لائم).

وقال صاحب الطبقات الوسطى: (فلما كان ابن تسع عشرة سنة قدم به والده إلى دمشق، فسكن بالمدرسة الرواحية ، وحفظ  ((التنبيه)) في نحو أربعة أشهر ونصف، وحفظ ربع  ((المهذب))، ولازم الشيخ كمال الدين إسحاق بن أحمد المغربي، ثمَّ حج مع والده، ثم عاد، وكان يقرأ كل يوم اثني عشر درساً على المشايخ ، شرحاً وتصحيحاً فقها وحديثاً وأصولاً ونحواً ولغةً إلى أن برع وبارك الله له في العمر اليسير ووهبه العلم الكثير).

وقال الشيخ قطب الدين موسى اليونيني الحنبلي: (المحدث الزاهد العابد الورع المفتخر في العلوم، صاحب التصانيف المفيدة، كان أوحد زمانه في الورع والعبادة والتقلل من الدنيا والإكباب على الإفادة والتصنيف مع شدة التواضع، وخشونة الملبس والمأكل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر).

وقال الذهبي أيضاً : (وكان ملازمته التامة للعلم ومواظبته لدقائق العمل وتزكية النفس من شوائب الهوى وسيء الأخلاق ومحقها من أغراضها، عارفاً بالحديث قائماً على أكثر متونه عارفا برجاله رأسا في نقل المذهب، متضلعاً من علوم الإسلام).

وقال تاج الدين السبكي رحمه الله : (كان زاهداً لم يبال بخراب الدنيا إذا صيّر دينه ربعاً معموراً، له الزهد والقناعة، ومتابعة السالفين من أهل السنة والجماعة ، والمصابرة على أنواع الخير، لا يصرف ساعة في غير طاعة هذا مع التفنن في أصناف العلوم فقهاء، ومتون أحاديث وأسماء الرجال ولغة وتصوفا وغير ذلك).

مؤلفاته في علوم الحديث ..

عاش الإمام النووي رحمه الله خمسة وأربعين عاماً، (631هـ - 676 هـ)، وألّف مصنّفات كبيرة في شتى العلوم والمعارف، منها علوم الحديث النبوي التي أذكر منها:

-الأربعون النووية : أربعون حديثاً نبوياً شريفاً، من أمهات الأحاديث التي جمعت أركان الإسلام ومبادئه الأساسية، وقد حظيت هذه الأحاديث بعناية ثلة من العلماء  بالشرح والتعليق، نذكرها منها على سبيل المثال: الدّر الرَّصين المستخرج من بحر الأربعين، لشهاب الدين السعودي (ت :803هـ)، والأفكار النورانية في شرح الأربعين النووية، لمحمَّد بن العز الحجازي، وغيرهما). وراجع ما كتبه صاحب كشف الظنون (3/56).
alt
-رياض الصَّالحين من كلام سيّد المرسلين: وصف صاحب اكتفاء القنوع بقوله : (أحاديث صحيحة مما يرشد إلى الآخرة ورياضات النفوس). وقال صاحب كشف الظنون: (وهو مختصر، جمعه من الأحاديث الصّحيحة، مشتملاً على ما يكون طريقا لصاحبه إلى الآخرة، جامعاً  للترغيب والترهيب والزهد ورياضات النفوس، والتزم فيه  أن لا يذكر إلاَّ حديثاً صحيحاً، وصدَّر الأبواب من القرآن، ووشح ما يحتاج إلى ضبط أو شرح، وجعله على مائتي باب وخمس وستين باباً).
ومن شروحه: دليل الفالحين في شرح رياض الصَّالحين لابن علان محمد علي بن محمد المكي الصديقي، المتوفى سنة (1057هـ).

-شرح صحيح الإمام مسلم أو المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجّاج، ويعدّ هذا الشرح من أفضل وأهم الشروح التي صنّفت على كتاب صحيح الإمام مسلم.

-خلاصة الأحكام من مهمَّات السنن وقواعد الإسلام.
alt
- شرح صحيح الإمام البخاري ـ كتب منه جزءاً يسيراً ولم يستكمله.

-الأذكار المسمَّى بـ((حلية الأبرار وشعار الأخيار في تلخيص الدعوات والأذكار)). قال صاحب كشف الظنون : (وهو كتاب مفيد، مشهور بأذكار النووي، مشتمل على ثلاثمائة وستة وخمسين باباً . ابتدأ فيه بالذكر ثم ذكر الأمور الإنسانية من أول الاستيقاظ من النوم إلى نومه في الليل، ويعبَّر عن ذلك بينهم : ( بعمل اليوم والليلة ) ثمَّ ختم باب الاستغفار، وشرحه الشيخ : محمد بن علي بن محمد بن علان المكي الشافعي،المتوفى سنة 1050هـ،وسمَّاه: (الفتوحات الربانية على الأذكار النووية)، وكان الشيخ جلال الدين عبد الرحمن ابن أبي بكر السيوطي، لخَّصه في كراستين وسمَّاه: ( أذكار الأذكار)، ثمَّ شرح هذا الملخص.

من دُرر أقواله :

قال: (الاشتغال بالعلم من أفضل القرب وأجل الطاعات وأهم أنواع الخير، وأكد العبادات وأولى ما أنفقت فيه نفائس الأوقات وشمَّر في إدراكه والتمكين فيه أصحاب الأنفس الزاكيات وبادر إلى الاهتمام به المسارعون إلى الخيرات وسابق إلى التحلّي به مستبقو الكرامات، وقد تظاهر على ما ذكرته جمل من الآيات الكريمات والأحاديث الصحيحة المشهورات وأقاويل السلف النيرات ولا ضرورة إلى ذكرها لكونها من الواضحات الجليات).

مراجع للاستزادة :
- تذكرة الحفاظ – الإمام شمس الدين الذهبي.
- سير أعلام النبلاء – الإمام شمس الدين الذهبي.
- تحفة الطالبين في ترجمة الإمام النووي – ابن العطَّار.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

alt

التحذير من علماء السُّوء !

عنوان هذا الموضوع هو اسم لكتاب ألفه الحافظ أبو الفتيان الدّهستاني، الرَّوَّاسيّ؛  عمر بن محمد …