المربّي الإيجابي هو الذي يحمل دافعًا نفسيًّا واقتناعًا عقليًّا وجهدًا بدنيًّا لا يكتفي بتنفيذ التكليف، بل يتجاوز إلى المبادرة في طلبه أو البحث عنه، ويزيد على مجرّد الأداء الإتقان فيه، ويضيف إلى العمل المتقن روحًا وحيوية تعطي للعمل تأثيره وفعاليته، دون أن يخالطه جفاف أو جفاء أو تبرم أو استثقال.
ولا شك أنَّ الإيجابية سمة ضرورية ومهمَّة للمربّي؛ حيث إنَّها تجعله يبادر باقتناص كلّ الفرص المتاحة له للتأثير الإيجابي في الفرد المٌربَّى، وتجعله يبادر بأخذ زمام الأمور للتعامل التربوي مع جميع الأمور، بل تجعله لا يفرِّط في أيّ فرصة تسنح له لتوصيل معنى أو قيمة ما للمٌربَّي، فهو بذلك دائم تدوين الملاحظات التي من شأنها تقويم المٌربَّى وتحري المواقف المناسبة لعلاجها.
الإيجابية وأهميتها للمربي:
هي التحرّك لنصرة حق أو خذلان باطل، أو هو الخروج من التمركز حول الذات إلى الانفتاح على العالم الخارجي، والرغبة الحقيقية في إصلاح الذات وإصلاح المجتمع، ووجود إرادة التغيير للأفضل، والقدرة على التفاعل الجيّد مع الآخرين.
والرغبة الحقيقية في إصلاح الذَّات وإصلاح المجتمع تجعل المربّي يسعى جاهدًا لأن يكون قدوة للمٌربَّى.
الموقف الإيجابي
يشير الموقف الإيجابي إلى الطريقة التي تنظر به عقليًا للعالم، فعندما تكون متفائلاً سينعكس ذلك على نفسك والآخرين، والعكس فعندما تكون متشائمًا وعندما تنظر إلى الأمور، فإنَّ عقلك يركّز على أمر ما كما تفعل آلة التصوير، فإذا ما ركزت على الجوانب السلبية في حياتك، فسوف تتبنى غالبًا موقفًا سلبيًّا في حياتك، وإذا ما ركزت على الجوانب الإيجابية والأخبار الطيّبة سوف تتخذ غالبًا مواقف إيجابية في حياتك.
المواقف الإيجابية والعملية التربوية:
- تعطي المربّي الشجاعة لمواجهة المشكلات واتخاذ القرارات.
- تجعل المربّي في وضع عقلي يركّز على الإبداع والابتكار.
- تمدّ المربّي بالقدرة على عمل تعديل وتكييف في الموقف السلبي.
- تجعل المربي دائمًا في حالة استقرار نفسي.
- تجعل المربّي لديه طموحات كبيرة يسعى لتحقيقها.
- تثير الحماس في النفس؛ ما يؤدّي إلى زيادة درجة أداء المربّي لمهام وظيفته.
- تحفّز على الإبداع الذي يؤثر بالإيجاب على جودة العملية التربوية بتنوع أساليب وطرق المربّي في التأثير في الفرد المٌربَّى.
أساليب المربي الإيجابي:
* العلم: العلم الصَّائب دافع للعمل الصَّائب.
* استخدام الفكاهة عند النظر إلى المشكلة.
* ركّز على العناصر الإيجابية في حياتك، وقلّل من العناصر السلبية.
* اجعل حياتك بسيطة خالية من التعقيدات.
* حصَّن نفسك ضد الهيمنة الدّائمة للمشكلة على تفكيرك.
* دع الآخرين يشاركونك موقفك الإيجابي.
* احرص أن تكون الابتسامة والمزاج المنتعش رفيقك في كلِّ زمان ومكان.
* ردِّد الكلمات التي تدفعك نحو النجاح مثل "أقدر، مستعد، أحاول، أجرّب، أفكر".
* عليك بالتأني إلى أن تكتسب موقفًا إيجابيًّا بعيدًا عن التهور والعجلة.
* تقبل الحلّ الذي وصلت إليه بصدر رحب، ويجب أن تدرك أنَّ الحلول ليست كلها مثالية.
معوقات الإيجابية:
الحذر أن تقعد المعوّقات الإنسان وتجعله يتخلّى عن إيجابيته، بل عليه أن يتعرّف معوّقات الإيجابية كي يتخلص منها وينطلق نحو الإيجابية. وهي:
(عدم الثقة بالنفس، الخوف من الفشل، التفكير السلبي، الكسل، الخجل، الشعور بالإحباط، اليأس وفقدان الأمل، ومصاحبة السلبيين).
الإيجابية في القصص القرآني:
(1) قصة النملة:
وردت قصتها في سورة النمل، وقد سمّيت السُّورة باسمها، يقول جلَّ وعلا: (وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنْ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (18))(النمل).
القصة على قصرها إلاَّ أنَّها تضرب مثالًا لنملة إيجابية، نملة شجاعة، كان من الممكن أن تهرب وحدها وتدخل جحرها، لكنَّها أوّل نملة رأت الجيش قبل غيرها من النمل، فخشيت على أمتها، لم تعش لنفسها، على الرغم من أنه كان من الممكن أن تموت تحت الأقدام وهي تنادي على النمل، لكنها تضحي من أجل الآخرين.
(2) قصة المؤمن:
تدور أحداثها في قرية كانت مركزًا لما حولها من القرى، يقول الله:
(وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21) وَمَا لِي لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِي الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلا يُنقِذُونِ (23) إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (24) إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25) قِيلَ ادْخُلْ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنْ الْمُكْرَمِينَ (27)) (يس).
وهنا يأتي رجل ليس بنبيّ، بل رجل عادي، جاء من أقصى المدينة، فهو ليس من أثرياء البلد، ولا من أصحاب النفوذ، ومن المحتمل أن يُقتل ولن يعبؤوا به، فلماذا يُقدم على دعوة هؤلاء القوم؟ لم يستطع الجلوس في مكانه متفرّجًا، بل دعا بكل إصرار وعزيمة، وركَّز القرآن على الرَّجل، لماذا؟ لكي يخبر ويركز الضَّوء على عظم الإيجابية والحركة والبذل لدين الله، فلا ينتقص المربّي من نفسه، بل عليه البذل والعطاء ابتغاء مرضاة الله تعالى.