ذهبت سناء أبو قوسة إلى منزل أخيها لتناول الغداء، وأثناء ترتيب طاولة "السفرة" طرق الباب، فركضت ابنة أخيها الصغيرة "ليما" لتفتحه، فكان الطارق سائلاً يطلب الشيء البسيط ليأكله.
توجهت ليما إلى أمّها لتخبرها بوجوده، فأخبرتها أمها أن تقولَ له : "لا طعام لدينا"، فاستغربت الصغيرة لكلام أمّها، وقالت لها : " يا أمي لكنّنا منذ دقيقتين وضعنا الكثير من الطعام على الطاولة، وفي المدرسة قالوا لنا بأن من يتصدق على الفقير إنَّ الله يعطيه جبلاً كبيراً من الحسنات، وأنا أريد واحداً منه يا أمي".
صديقتي والساندويتش
أمَّا فاطمة عكيلة (15) عاماً فتقول:" بينما كنت في المدرسة ذهبت وصديقتي إلى المقصف لنشتري طعاماً لنأكله، وبعد أن اشترينا، جلسنا وبدأنا في الأكل، فصادفت أن صديقتي وجدت في (سندويشتها) بعضاً من الفلفل وهي لا تحبه أبداً، فما كان منها إلى أن ذهبت إلى حاوية القمامة لترمي النعمةَ فيها".
وأضافت:" مع أنَّها على كامل العلم بوجود فتيات وضعهم الاقتصادي سيّء للغاية، ولا تستطيع أن تشتري شيئاً لتأكله، فكان أولى بها أن تقوم بالتبرع بذلك الساندويش لزميلةٍ لنا، فتضع الابتسامة على شفاه إحداهن و تنفق قليلاً في الخير".
القناعةُ أولاً
اعتاد سامي الرّيس على تعليم ابنه الصَّغير أن يتبرّع بمبلغ (2شيكل) كلّما ذهب إلى المسجد، فيقول معقّباً:" إنَّ ابني الصَّغير يضع ذلك المبلغ عن قناعةٍ ذاتية نابعة من رغبته في التبرع ومساعدة الآخرين".
وأضاف:"هذا الشيء علّمه أن يقوم بالعطف على الفقراء، فكلّما رأى أحداً محتاجاً في مدرسته الابتدائية وعلامات الحاجة ظاهرةً عليه، يقوم بإخباري عن ذلك، فنخرج سوياً لنشتري له شيئاً بسيطاً يلبّي حاجته".
وتابع"لقد علمته هو وأخيه الأكبر منه أن يقتنعوا بالقليل ليحصلوا على الأفضل في كل مرة " فإن جلبت للكبير –مثلاً- ملابساً فإن الصغير لا يأخذ موقفاً أن يتضايق بسبب ذلك، لأنَّه على قناعة بأني لا أفضل أحداً عن الآخر، وإني لو وجدت شيئاً يناسبه ما كنت تردّدت في جلبه، وهذا الشيء يعطي أطفالي بدايةً جيدةً للإنفاق في الخير".
وتقول المحاضرة في الجامعة الإسلامية –قسم الشريعة والقانون- منال العشي :" إنَّ أساس تعليم الطفل الإنفاق في الخير ينبع من الأسرة، فإن قامت الأسرة بتعليم الطفل القناعةِ وأبعدته عن الطمع بالأساليب الجيّدة يحفز ذلك من مبادرته للعطف على الفقراء، والأسرة المقصرة في ذلك تكون ملامح تقصيرها واضحة للعيان".
واستدركت:" إنَّ الشجرة الصَّالحة تُنبت غصناً صالحاً يُثمر طيباً، وكذلك الأسرة إن ربّت ابنها على الإنفاق في الخير سيعود ذلك بالخير عليها وعلى المجتمع كلّه، بالإضافة إلى أنه منذ البداية يكسب الثواب من عند الله ويوفقه الله في حياته".
أسباب الاستهتار
أوضحت العشي أنَّ تقصير الأسرة والأهل في تعليم الأبناء منذ الصغر العطف على الفقراء يقود إلى الاستهتار في نعم الله ويعطي الطفل شعوراً باللامبالاة ناهيك عن الطمع الذي يكبر يوماً بعد يوماً في قلب الطفل فيولّد عنده شعوراً قوياً بحب التملك، فينشئ الطفل على حبّ الذات، يبخل في التعاطف حتّى مع أخيه الصغير –غالباً- أو الكبير على السواء.
وأضافت:" للمدرسة أيضاً دورٌ في تنشئة الطفل، فهي تحثُّ في أغلب الأحيان على الإنفاق في الخير، ومساعدة الطلاب المحتاجين، وفي حال وجدت طفلاً يظهر عليه علامات الاستهتار واللامبالاة عليها أن تقوّم سلوكه وتنصحه بالحسنى وتخبره منذ البداية عن الثواب الجميل الذي سيحوز عليه مقابلاً لذلك الإنفاق البسيط".
وأكَّدت العشي أنَّ شخصية الطفل لها دور في زيادة شعوره بالآخرين، وهذه الشخصية المسؤول الأول والأخير عن تكوينها هي الأسرة ذاتها.
وأكملت: " إن احترمت الأسرة الطفل أمام نفسه وأمام الآخرين، سيعزز ذلك من ثقته بنفسه أولاً، ويعزز من حب الآخرين ويبني عنده رغبةً في احترام كالآخرين وأن يعطي كما يأخذ، وهذا الاحترام بحدّ ذاته يولّد عنده حبّاً في الإنفاق ورغبة في مساعدة المحتاجين".
عقابٌ إيجابي
وذكرت العشي أنَّ العقاب مهم لردع الطفل عن صفات الطمع واللامبالاة والاستهتار، مفصّلةً أنَّ العقاب نوعان:
الأوَّل: وهو العقاب السلبي الذي يتمثل بتوجيه العقوبة القاسية للطفل أمام أقرانه فتشعر الطفل بالإهانة وتحطم من نفسيته فتكون السبب بتفاقم المشكلة لديه وزيادة الصفات غير الجيدة وغير الإسلامية لديه.
وأمَّا النوع الثاني وهو العقاب الإيجابي الذي لا يؤثر على نفسية الطفل سلباً، بل يكون دافعاً قوياً لتعديل سلوكه والتراجع عن الصِّفات الذميمة.
ودعت العشي الأسرة إلى الاهتمام الفعلي بأطفالها لينشئوا أطفالاً يحبون فعل الخير، فعليهم أن يكونوا القدوة الحسنة لهم ومثالاً يُحتذى به لتنمية القدرة لديهم على تحمل المسؤولية.