إضراب الأسرى عن الطعام .. ملحمة انتزاع الحقوق

الرئيسية » بصائر من واقعنا » إضراب الأسرى عن الطعام .. ملحمة انتزاع الحقوق
alt

تجدَّد مشوار إضراب الأسرى الفلسطينيين مؤخراً احتجاجاً على سوء المعاملة الإسرائيلية لهم داخل المعتقلات، وحرمانهم من أبسط الحقوق التي يجب أن يتمتع بها الأسير، وذلك بإضراب الأسير الشيخ خضر عدنان أكثر من 66 يوماً، والذي كان أطول إضراب عن الطعام في العالم احتجاجاً على اعتقاله الإداري، وانتهى باتفاق يقضي بالإفراج عنه، لكن مشوار الإضرابات لن ينته طالما هناك عيون فلسطينية تطرف داخل زنازين الاحتلال .

الأسيرة هناء الشلبي استكملت المشوار مع عدد من الأسرى الآخرين احتجاجاً على أساليب اعتقالهم السيئة، وهي اليوم تجتاز نهارها  الثلاثين من الإضراب.
د. محمد  أبو فارس
" يحق لأي إنسان مظلوم أن يحتج على هذا الظلم ويقاومه، ويعلن عن رفضه لهذا التعسف بتعبيره عنه بالامتناع عن الطعام عن الطعام أو الإضراب".

د. محمد أبو فارس يقول معرّفاً الإضراب في معرض رده على أسئلة "بصائر" بوصفه: الامتناع عن الطعام احتجاجاً على الظلم وسعياً لدفعه، هذا جائز شريطة أن يكون مؤقتاً ، ولا ينتهي بالأسير إلى الهلاك لأنَّ هذا لا يجوز، إذاً أيّ إنسان مظلوم له أن يحتج على هذا الظلم ويقاومه، ويعلن عن رفضه لهذا التعسف بتعبيره عنه بالامتناع عن الطعام عن الطعام أو الإضراب.

ويضيف: على المضرب أن يُسرّ بنفسه حقيقة إضرابه المشروط، يعني عليه أن ينوي الإضراب المؤقت بينه وبين الله، وإن شعر بالتعب فعليه أن يفطر، وعلى المضرب عدم البوح بهذه النية ( نية توقيت الإضراب) وفي حال شعر أنَّ هناك مهلكة بسبب الإضراب وجب عليه أن ينقضه.

ويختم بدعائه لإخواننا المضربين بقوله: أسأل الله أن يأجرهم وأن يثبتهم وأن يكتب لهم النصر المؤزّر على أعدائهم، وهذه طبيعة قتالنا مع اليهود وحربنا معهم، تتطلب شهداء وجرحى واعتقال وأسر وما إلى ذلك، وهذا ابتلاء من الله لمن وقعوا في الأسر، والله يطلب منهم أن يصبروا وأن يثبتوا وفي النهاية النصر لهم إن شاء الله.
د. صلاح الخالدي
"استخدام السجين الإضراب كوسيلة ضغط على إدارة السجن لتحسين وضعه ومنحه حقوقه،  مباح ولا غبار عليه، وهو صورة من صور الجهاد في سبيل الله".

الدكتور صلاح الخالدي أستاذ التفسير في جامعة العلوم الإسلامية العالمية يرى أنَّ في هذه القضية يجب أن يتأنى المفتي فيها، ولا يصدر أحكاماً جزافية على المجاهدين في سجون اليهود، كما حدث من بعض المفتين، وتحريم الإضراب على عمومه، ويؤصّل الدكتور الخالدي الإضراب عن الطعام على أنَّه مرحلتين: الأولى أن يستخدم السجين الإضراب كوسيلة ضغط على إدارة السجن لتحسين وضعه ومنحه حقوقه، وهذا مباح ولا غبار عليه، يضرب لأيام عن الطعام مستعيضاً عنه بالماء، وهذا الإضراب صورة من صور الجهاد في سبيل الله.

أمَّا المرحلة الثانية؛ وهي أن يؤدّي هذا الإضراب للوفاة وإهلاك النفس، فهذا حرام ولا يجوز ذلك، بمعنى إذا أصرّ الأسير على الإضراب لأيام عديدة حتى مات، فقد ارتكب حراماً، وكان الأولى به أن لا يصل إلى مرحلة الموت، فأن يضرب الأسير عن الطعام حتى الموت حرام، ونسأل الله لهم المغفرة، عليه أن يعلّق إضرابه ويستأنفه بعد أيام في حالة شعر أنَّ فيه مهلكة لنفسه.

الأسير المحرَّر حسام بدران أفاد "بصائر" بأنَّ الأسير لا يلجأ إلى مرحلة الإضراب المفتوح عن الطعام إلاَّ إذا أغلقت أمامه كل السبل لتحقيق مطالبه وأخذ حقوقه، وفي مصطلحات السجون يعتبر الإضراب خطوة استراتيجية لا يصل إليها الأسرى إلا بعد استنفاذ كل الطرق الاخرى،  لأن الأسير يستخدم جسده في هذه الحالة كسلاح أخير، ولهذا فإنَّ الإضرابات العامة التي تُشارك فيها كلّ السجون لا تتم إلاَّ مرَّة كلّ عدَّة سنوات إلاَّ في حالات استثنائية تفرضها الظروف أو يدفعا اليها السَّجان.

ويضيف: يعدُّ الزَّمن الجانب الأهم في معركة الإضراب المفتوح أو الأمعاء الخاوية كما نسمّيه نحن، وكل دقيقة لها أثرها ومكانتها، والأسير في الوضع العادي لا يجد الكثير مما يقضي به وقته إلاَّ إذا حرص على ترتيب برنامج خاص به، وفي حالة الإضراب، فإنَّ إدارة السجون تسعى لكسر إرادة المضربين من خلال سحب كلّ شيء في داخل الغرف بحيث لا يبقى إلا فراش بسيط وغطاء محدود وتُصادر كل الأدوات الكهربائية والكتب والأقلام والمصاحف، فيعيش الأسير بين الجدران فقط، ولهذا يسعى المضربون للتخفيف عن أنفسهم بالحديث الأخوي والسَّمر قدر الإمكان دون مبالغة حتى يحافظوا على أكبر قدر من الطاقة تعينهم على الصّمود والاستمرار وقد يخترع بعضهم ألعاباً خفيفة مسلية تكون بدائية وبسيطة للغاية، غير أنَّ الوقت الأطول خاصة مع مرور الأيام يكون في التفكر واستحضار الذكريات العامَّة والخاصة مع التركيز طبعاً على الدُّعاء والأذكار وطلب النّصر من الله عزّ وجل.

ويصف بدران "الإضراب" بأنَّه حالة صعبة وتجربة مرَّة، وهي أصعب ممَّا يتخيله الناس، ولن يعرف شدّتها إلاَّ من جرّب وعانى ويلاتها وهو مؤذّ جداً للجانب الجسدي، وقد يترتب عليه أخطار حقيقية وأمراض مزمنة، وأدى إلى حالات وفاة عديدة في السَّابق، غير أنَّه من ناحية أخرى يهذب النفس ويقوّي الإرادة ويشحذ الهمة ويعلم الانسان قيمة الأشياء المادية ويربّى على الصَّبر والتحمّل، وهو رغم ما فيه من ألم وشدة لا يخلو من خير على المستوى التربوي، ويستمر أثره مدَّة طويلة بعد إنهاء الإضراب، مضيفاً أنَّ من أشهر الإضرابات التي خاضها المعتقلون الفلسطينيون في عام 1992م، و2000م.
الأسير المحرر: حسام بدران
" كرامة الأسرى ونيل حقوقهم ليست مهمتهم وحدهم، بل هي المطلب الأساس في مهمة شعبهم وأمتهم، وفي المقدمة حركات المقاومة وأجنحتها المقاتلة".

ويشير بدران أنَّ الإضرابات قد حققت إنجازات كبيرة على صعيد الظروف المعيشة اليومية للأسرى الفلسطينيين، فقد كانت السجون في بداية الاحتلال جحيماً لا يطاق على كلِّ المستويات، وقد تحسنت الأوضاع نسبياً بشكل تدريجي من خلال هذه الإضرابات، وحافظنا على كرامتنا وكرامة أهلنا عند الزيارات، وتمكنا من نيل الكثير من الحقوق رغم أنف السجَّان الذي لا يعطي شيئاً إلاَّ بالقوَّة والضغط المتواصل عليه ورغم أنَّ حياة السجن قاسية حتى الآن في سجون الاحتلال إلا أنها كانت ستكون أكثر مأساوية لو لم نواجه السجَّان بأمعائنا الخاوية؛ حيث أثبتنا له أننا قادرون على تحدّيه بكلِّ الوسائل المتاحة، وأننا لا نخشى بطشه وإجرامه.

ويختم المحرّر حسام بدران أنَّ كرامة الأسرى ونيل حقوقهم ليست مهمتهم وحدهم، بل هي المطلب الأساس في مهمة شعبهم وأمتهم، وفي المقدمة حركات المقاومة وأجنحتها المقاتلة.

معلومات الموضوع

الوسوم

  • الأسرى
  • اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

    شاهد أيضاً

    من عوامل ثبات أهل غزة

    قال تعالى: {مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم …