الوازع الديني للشباب .. مهمَّة ثقيلة للمربّي

الرئيسية » بصائر تربوية » الوازع الديني للشباب .. مهمَّة ثقيلة للمربّي

لا شك في أنَّ الدافع الإيماني الذي يحرِّك الإنسان المؤمن ويستلهم منه روح الإيجابية في حياته يعطيه دافعاً قوياً ومجالاً غير محدود، قد لا يجده في أيّ دافع آخر، لكن ما يجعل الإيجابية والنفع متجذراً عند المؤمن أنه ينظر لأيّ قضية بمنظور إيماني بحت، ولا يستطيع أن يقدّم على بعض الأعمال لأنَّها تتعارض مع الوازع الديني المتجذر في داخله.

فكيف يمكن للمربّي أن يقوم بتنمية الوازع الديني لدى بعض الشباب الذين عصفت بهم رياح التغيير، وأغرتهم الملهيات؟

دور الوالدين
الدكتور وائل الزرد الداعية والخطيب الفلسطيني قال لـ"بصائر" :"إنَّ الذي يتولّى عملية التربية وتنمية الوازع الديني سواء لفئة الشباب أو غيرهم أكثر من طرف أولها الأسرة، ثمَّ المدرسة، وكذلك المجتمع، والمسجد، ومكان العمل".
الفارق الأساس بين التدريب والتربية؛ أنَّ الأوَّل يكون لإكساب مهارة، أمَّا التربية تكون لإحداث سلوك، والفارق الجوهري بين العملتين هو وجود الإيمان
وأضاف أنَّ الوالدين يقع عليهم العبء الأكبر، خاصة وأنَّ الرسول صلّى الله عليه وسلم قال: ((مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ)).

وبيَّن الزرد أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم أثبت أنَّ خط سير الأبناء يتبع للأمهات والآباء، مستدلاً على ذلك بقول الشاعر العربي:
وينشأ ناشئ الفتيان فينا        على ما كان عوده أبوه

وأوضح أنَّ القرآن الكريم أمر الأنبياء بالاعتناء بأبنائهم وذلك في قوله :  {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا}، بالإضافة إلى قوله تعالى :{ يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً ...}. (الآيات).

وأشار الزرد إلى أنَّ تنمية الوازع الديني لدى الشباب يعود بالنفع على الوالدين في الدنيا والآخرة، منوّهاً إلى أنَّ النفع بالدنيا يكون ببر الأبناء لآبائهم وإطاعتهم لهم، وفي الآخرة عندما يتوفى الوالدان ينتفعوا بدعاء أبنائهم لهم، وذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا مات ابن ادم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)).

تحديات التنمية
وشدَّد الزرد على أنَّه لا توجد تربية تخلو من المعوقات والتحديات حتى منذ زمن الأنبياء، موضحاً أنه في قوله تعالى : { وأمر اهلك بالصلاة واصطبر عليها} قد ورد الصَّبر، وذلك في إشارة إلى وجود التحديات.

وأكَّد على أنَّ التربية وتنمية الوازع الديني لدى الشباب كان في الماضي أيسر بكثير من اليوم، الذي تكثر فيه ملهيات الشباب عن طاعة الله، وذلك بوجود الفضائيات وعالم الإنترنت والمواقع الإباحية والجوالات التي تفتح مصراعيها أمام الشباب للانحراف وهم جلوس في بيوتهم.
لا توجد تربية تخلو من المعوقات والتحديات حتى منذ زمن الأنبياء، موضحاً أنه في قوله تعالى : { وأمر اهلك بالصلاة واصطبر عليها} قد ورد الصَّبر، وذلك في إشارة إلى وجود التحديات
وقال الزرد:" إنَّ الهدف من تنمية الدافع الديني لدى شبابنا هو تقوية الرقابة الذاتية لديهم، لأنَّ الأبناء لا يعيشون مع ذويهم طوال حياتهم، بل يكبرون ويتزوجون، فإذا أحسن تربيتهم وشعروا بمراقبة الله في كل مكان شعر ذويهم بالراحة لمستقبلهم ومستقبل أحفادهم من بعدهم".

وذكر الزرد نوعين من المظاهر التي توحي بوجود دافع ديني؛ أحدها متعلق بحسن علاقة الشاب مع الله مثل حرصه على الصلاة والصيام وقراءة القرآن والابتعاد عن الرذائل، والآخر متعلّق بحسن العلاقة مع الناس مثل حسن المعاملة، وبر الوالدين.

مدى نجاح المربي
وعن مدى نجاح المربّي في تنمية وإحداث الوازع الديني لدى الشباب المنحرف، قال الزرد:" إنَّ ذلك وارد منذ فجر التاريخ، مستدلاً على ذلك بأنَّ عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد وغيرهما لم يولدوا من بطون أمهاتهم أطهاراً، بل كانوا على فاحشة وضلال، وعندما وجدوا الرِّعاية والمحاضن الإسلامية انقلبوا وعادوا أطهاراً".

واستكمل حديثه بالقول :" إنَّ الصحوة الإسلامية التي نعيشها اليوم ما هي إلاّ ثمرة من ثمار المحاضن التربوية والدينية التي تسعى ليل نهار بدعاتها وعلمائها لتنمية الدافع الديني لدى الشباب، والاهتمام بشتى قضايا الأمَّة".

وأوضح الزرد أنَّ أبرز المرتكزات التي يعتمد عليها المربّي هو القرآن الكريم والسنة النبوية، بالإضافة إلى الاستعانة بقصص الأنبياء والسلف الصالح، مشيراً إلى أنَّ ذلك يعدُّ ذخيرة قوية للمسلمين في علاج الانحرافات لدى أبنائها.

وظيفة المربي
ومن ناحيته، أكَّد الأستاذ محمد السوسي المحاضر في الكلية الجامعية للعلوم التطبيقية في غزة على أنَّ أساس منهج التغيير هو التربية الإيمانية، والتي تعدُّ عملية شخصيه يقوم بها الفرد بنفسه.

ونوه إلى أنَّ المربى يكمن دوره الأساس في إحداث تأثير إيماني يدفع الفرد إلى الأخذ بأسباب التحول السلوكي، وهى مهمَّة أساسية بجانب مهماته الأخرى، على حدِّ تعبيره.

وأضاف أنَّ التأثير التربوي الذي يقوم المربّي بإحداثه يكون عن طريق المساعدة في ترسيخ المنهج التربوي، وتسهيل الأخذ بالأسباب والوسائل، بالإضافة إلى إزالة العقبات والمساعدة في التغلب عليها.

وأشار السوسي إلى أنَّ المهمَّة التي يقوم بها المربّي قد تبدو لدى البعض سهلة، مبيّناً أنَّها أهم وأصعب مهمَّة، حيث يقدّر المربون بأنَّها تمثل 60% من العملية التربوية.
الهدف من تنمية الدافع الديني لدى شبابنا هو تقوية الرقابة الذاتية لديهم، لأنَّ الأبناء لا يعيشون مع ذويهم طوال حياتهم
ولفت إلى أنَّ الفارق الأساس بين التدريب والتربية؛ أنَّ الأوَّل يكون لإكساب مهارة، أمَّا التربية تكون لإحداث سلوك، والفارق الجوهري بين العملتين هو وجود الإيمان، على حدِّ قوله.

وأوضح أنَّ سن ما قبل العاشرة هو سن مرحلة تكوين الوازع الديني، حيث يتم في تلك المرحلة تعريف الطفل بالحلال والحرام، وتكوين الضمير الخلقي والاجتماعي لديه.

وسائل تكوين الوازع الديني
وبخصوص الوسائل التي تساعد على تكوين الوازع الديني، أوضح السوسي أنها تتمثل بتنمية روح البذل والجهاد عن طريق تعليم غزوات الرَّسول صلّى الله عليه وسلم، وقصص الجهاد في سبيل الله، كقصة سمرة بن جُندب، وكيف عدّه رسول الله من الرِّجال القادرين على الجهاد يوم أُحد على الرّغم من أنَّه كان في الخامسة عشر من عمره.

واسترسل قائلاً:" كما يجب على المربّي حثّ الشباب على الصيام والصلاة في وقتها وفي المساجد، والتصدّق من مصروفهم الخاص حتّى يتعودوا على البذل والعطاء، وتعريفهم بثواب الصدقة والزكاة، وتحذيرهم من التردد فيهما".

وأضاف السوسي أنَّه لابد من تشويق الشباب لأداء مناسك حج بيت الله الحرام، وذلك بتعريفهم بثوابه، وتشجيعهم على حفظ الحديث النبوي الشريف، والقرآن الكريم ودوام مراجعته وتدبر آياته والعمل بها.

وشدَّد على ضرورة تعريفهم بأنَّ الذكر هو من أكبر العبادات وأهمها لقوله تعالى:{ ولذكر الله أكبر}، وتعليمهم الاقتداء برسول الله (صلى الله عليه وسلم) الذي كان يذكر الله عند طعامه وعند خروجه ودخوله وفى كل وقت، حيث قال:  ))من أحب أن يرتع في رياض الجنة فليكثر من ذكر الله)).

كيفية تنمية الوازع الديني
وقال السوسي:" إنَّ التذكير الدَّائم بالنية وثواب العمل حتى في التكليفات الإدارية أحب من أن تعدوا إلى موضوع أصول العمل مع المجتمع، فهناك فرق كبير بين أن يقوم الشباب بالعمل بدافع الحافز الإيماني الذي يثيره المربّي وبين أن يكون الأمر مجرّد تكليف".

وأضاف أنَّ المربي يجب أن يأخذ نفسه بالعزائم لإحداث التأثير ويكون قدوة لغيره، لان تكوين المثل الأعلى هو الأساس في التأثير، حسب السوسي.
المربي يجب أن يأخذ نفسه بالعزائم لإحداث التأثير ويكون قدوة لغيره، لان تكوين المثل الأعلى هو الأساس في التأثير
وعن أهمية تأثير المربي بالشباب عن طريق المعايشة، أوضح السوسي أنَّها تعدُّ نقطه بالغة الأهمية طالما يغفل عنها المربّون، حيث إنَّ معايشة المربين مع الإخوة بالفعل والكلام والموعظة من أنجح وسائل إحداث التأثير في نفوس الشباب، ومن ثم إحداث التحوّل السلوكي المطلوب.

وشدَّد السوسي على أنَّ المنهج التربوي يجب أن يتميّز بخصائص الرّبانية والشمول والتوازن والواقعية والتدرج في الخطوات حتّى يؤثر في تنمية الوازع الديني لدى الشباب.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

الصيام بوابة المغفرة: كيف نجعله شفيعًا لنا يوم القيامة؟

يتعامل الإنسان مع المهام الدنيوية بإحساس بالمسؤولية، فلا يجد راحة حقيقية حتى يؤديها على أكمل …