ركبت "هلا العشي" سيارة أجرة لتعود إلى المنزل بعد دوام جامعي، وأثناء الطريق ركبت بجانبها فتاة وخطيبها، كانا يتحدثان عن الصَّلاة، فكانت صلاةُ الشاب –حسب كلامه- حديثةَ العهد، ولكنّه عندما هداه الله، أصلح حاله، فلم يترك فرضاً ولا سنةً إلاّ ويلبيها لوجه الله سبحانه وتعالي.
تسرد العشي :" الغريب في الموضوع، أن من بدأ يصلّي حديثاً لا يترك النوافل، ويداوم على صلاة السنّة وقيام الليل، بينما خطيبته التي كانت تصلي -مثلما قالت- منذ الصغر، فهي تؤدي الفرائض فقط!، فلا تصلي صلاة السنة، ولا تؤدي النوافل".
وأثناء الطريق كان خطيبها يقنعها بصلاة السنة وما سيعود عليها من أجرٍ وثواب"، مستكملةً :" أخبرها عن فضائل صلاة السنة، وأنّها الباب التي تقرب العبد من ربه، وأنّها طريقة ينال فيها العبد حبّ الله، مقنعاً إيّاها بأنّها لن تأخذَ من وقتها أكثر من دقيقتين".
تقصير الأهل في دعوة الأبناء هو السبب الأساس في ترك النوافل، لكنَّه ليس السبب الوحيد في ذلك، فلأهل العلم و للمشايخ والدعاة دور في الحضِّ على أداء السنن
وبعد حوارٍ دام أكثر من ثلث ساعة (على مسامعي)، ردّت الفتاة بكلمة (إن شاء الله) ولكنْ لا أجد وقتها لصلاتها، في كثير من الأحيان أتعجل للعديد من الأمور ممَّا يعيق صلاتي، ولكنّي سأحاول إذا وجدت من يتابعني في هذا الأمر".
دور الأهل ..
أمَّا أمل الحديدي بدأت كلامها بتنهدات متتالية قائلةً:" أنا والحمد لله لا أترك سنةً ولا فرضاً، وأحرص على صلاة السنة بكل ما أوتيت من قوّةٍ، فأقوم بتأدية صلاة الضحى وقيام الليل وصيام الخميس من كل أسبوع ، ولكن همّي هو ابني الذي لا يقوم بأداء النوافل قطعاً".
وتتابع: "ما إن تنتهي الصلاةُ ويسلّم على جنبيه، حتّى يقوم فيرفع سجادة الصَّلاة عن الأرض ويضعها جانباً، ودوما أخبره يا ولدي يا حبيبي صلِّ السنةِ، فيخبرني بأنَّ عليه عملاً مستعجلاً، وحتّى إن ذهب إلى الجامع ليصلي جماعةً، يجيء والده ويخبرني بأنه لم يصلّ السنةَ".
وأضافت الحديدي:" أنا أعرف ما سبب ذلك، ونادمةً عليه، نحن قصّرنا في دعوته لأداء النوافل وخاصةً صلاة السنة وقصّرنا في تحفيزه لصلاة السنة منذ الصغر، فكما يقول المثل: (من شبّ على شيء شاب عليه)، وأنا أنصح الأهل ان يقوموا بتوعية الأبناء منذ الصغر بأهمية أداء النوافل وأهمية صلاة السنة، فيكفي أنها تقرّب الإنسان من ربه وتكسب رضاه وحبّه".
الله سبحانه وتعالى لا يعاقب تارك النوافل والسنن، ولكنّ المسلم يُعاتب من النبي صلّى الله عليه وسلم في الآخرة –وهذا ليس بالقليل
دور أهل العلم ..
من جانبه، يوضح نهاد الثلاثيني المحاضر في الجامعة الإسلامية –كلية أصول الدين-أنَّ أداء النوافل والسنن يعكس مدى اهتمام الأسرة بتنشئة أبنائها تنشئة صالحة مبنية على تعاليم الدين الإسلامي، وترك النوافل دليلٌ واضح على التقصير الذي تعرض له الابن منذ الصغر".
ويؤكّد أنَّ تقصير الأهل في دعوة الأبناء هو السبب الأساس في ترك النوافل، لكنَّه ليس السبب الوحيد في ذلك، فلأهل العلم و للمشايخ والدعاة دور في الحضِّ على أداء السنن وعدم تركها وتحفيز الشباب على ذلك.
وذكر الثلاثيني أنَّ للإعلامِ دوراً في الدَّعوة لأداء النوافل ولتبيان أهميتها للناس الذين يجهلونها، داعياً وزارة الأوقاف والشؤون الدينية إلى تخصيص برامج وأوقات للخطباء والدعاة يوضحون خلالها للناس أهمية النوافل ويحذّرونهم من تركها، لأن السنن مجمِّلة ومكمّلة للدين الإسلامي.
أم: ما إن تنتهي الصلاةُ ويسلّم على جنبيه، حتّى يقوم فيرفع سجادة الصَّلاة عن الأرض ويضعها جانباً، ودوما أخبره يا ولدي يا حبيبي صلِّ السنةِ، فيخبرني بأنَّ عليه عملاً مستعجلاً
أهمية السنن ..
وأكّد الثلاثيني أنَّ لأداء السنن أجراً عظيم، فهي كفيلةٌ بزيادة حب الله سبحانه وتعالى لعبده وهي وسيلةٌ يتقرّب بها العبد من ربه، مبيّناً أنَّ أولياء الله هم أولئك الذين يصلون إلى مقامٍ رفيع من حبّه، فقد قال الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم : ((ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته ، كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، ولئن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنّه)).
وأضاف الثلاثيني :" إنَّ الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم واظب على سننٍ عدّة، ومنها صلاة الضحى، وصلاة قيام الليل، حيث تجد القليل من الناس يستيقظون ويتوضؤون ويتهجدون تطوعاً لله تعالى، وأنا أعرف أنَّ كثيراً من الناس لم تسمع بها وهذا من آثار التقصير الذي ذكرنها آنفاً، وصلاة الشكر بحيث تكون ركعتين أو أربع ركعاتٍ شكراً لله على نعمه التي أنعمها علينا".
لا يؤثم تاركها ..
وأشار الثلاثيني إلى أنَّ الله سبحانه وتعالى لا يعاقب تارك النوافل والسنن، ولكنّ المسلم يُعاتب من النبي صلّى الله عليه وسلم في الآخرة –وهذا ليس بالقليل.
واستكمل:" تارك السنة يعلنُ تقصيره في حق دينه، لأنَّ السنة مكملةً للدين، فقال الله سبحانه وتعالى {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي}، داعياً الناس إلى التمسك بالنوافل، لأنَّ تركها يعدّ تراخياً في الالتزام بالدين، وهذا التراخي يقود إلى ترك الفرائض، وإن تُركت الفرائض فهذه جريمة لا تغتفر"فحافظوا على سنن الرسول، لتحافظوا على دينكم".