تنافُس الصحابة في حفظ القرآن

الرئيسية » بصائر قرآنية » تنافُس الصحابة في حفظ القرآن
alt

كان الصحابة يتنافسون في حفظ القرآن واستظهاره غيباً، وتحفيظه لأزواجهم وأولادهم، فكان بعضهم يحفظ جميع ما نزل من القرآن، وكان بعضهم يحفظ السّورة والسّورتين والثلاث، وأكثر من ذلك. وكلما نزلت آياتٌ جديدة، تسابقوا إلى حفظها واستظهارها، والعمل بها.

وقد اشتهر عددٌ من الصحابة بحفظ القرآن الكريم، منهم الخلفاء الأربعة وعبد الله بن مسعود، وسالم مولى أبي حذيفة، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبو موسى الأشعري، وأبو زيد قيس بن السكن، وأبو الدرداء.. رضي الله عنهم.

عدد حفاظ القرآن من الصحابة

وإذا كانت الروايات المنقولة لا تسعف في إلقاء الضوء على العدد الحقيقي لحفاظ القرآن من الصحابة الكرام، ولا على العدد التقريبي، حيث وردت روايات تفيد أن عدد هؤلاء الحفاظ سبعة أو أكثر بقليل،(1) فإن ذلك لا يعني حصر العدد بهؤلاء الذين ذكرَتهم الروايات، وهم:" ابن مسعود وسالم ومعاذ وأُبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبو زيد قيس بن السكن، وأبو الدرداء(2).

فهناك روايات ثابتة تفيد بأن أعداداً كبيرة من الصحابة كان لها مع القرآن الكريم صحبة صادقة، وصلة واثقة، وحفظ متين، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إني لأعرف رفقة الأشعريين بالليل حين يدخلون، وأعرف منازلهم من أصواتهم بالقرآن بالليل، وإن كنتُ لم أر منازلهم حين نزلوا بالنهار" (3). والأشعريون رهط أبي موسى الأشعري وأقاربه.

وجاء في السيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث سبعين من أصحابه يقال لهم القراء، قِبَلَ نجد وأنهم قتلوا في (بئر معونة)، وهؤلاء كان يقال لهم القراء لكثرة عكوفهم على تلاوة القرآن والقيام به. وقال القرطبي مشيراً إلى كثرة القراء من الصحابة:"قد قُتل يوم اليمامة سبعون من القراء، وقُتل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ببئر معونة مثل هذا العدد"(4).

ثم إن الصحابة الذين ثبتت صحبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم جاوز عددهم مئة ألف ممن ينطبق عليهم تعريف الصحابي كما ذكره المحدثون، فهل يعقل أن لا يكون بينهم من الحفاظ إلا سبعة أو ثمانية، وهم من هم في الحرص على القرآن العظيم وحفظه واستظهاره؟

وقد ذكر أبو عبيد في كتابه القراءات جماعةً من حفاظ القرآن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم غير أولئك الذين أوردتهم الروايات المشار إليها، منهم الخلفاء الأربعة، وطلحة وسعد وحذيفة وأبو هريرة وعبد الله بن السائب، وابن الزبير وابن عباس وابن عمر وابن عمرو بن العاص وعبادة بن الصامت ومعاذ (أبو حليمة الأنصاري) ومجمع بن جارية، وفضالة بن عبيد، ومسلمة بن مخلد، ومن النساء عائشة وحفصة وأم سلمة"(5). ولكنه ذكر أن بعضهم أكمل الحفظ بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.

من هذا يتبين أن حفاظ القرآن الكريم أيام النبي صلى الله عليه وسلم، كانوا جمعاً غفيراً، وعدداً كبيراً، عدا عن المئات والألوف الذين كان بعضهم يحفظ ثلثي القرآن، أو نصفه أو ثلثه، أو أكثر من ذلك أو أقل.

ويتبين أيضاً أن الحديث المروي عن أنس بن مالك رضي الله عنه، في ذكر الأربعة الذين جمعوا القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، لا يقصد منه الحصر في هؤلاء الأربعة، ولكن هؤلاء تميزوا وتقدموا على غيرهم(6).

لقد كان حفظ القرآن منزلة رفيعة، وقمة سامية يتطلع إليها كل ذي همة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكلهم ذو همة وكان للحض المستمر على حفظ القرآن من خلال الأحاديث الشريفة، أثر كبير في حفز همم الصحابة إلى التنافس في الحفظ والاستظهار، فإن "الاعتماد في نقل القرآن على حفظ القلوب والصدور، لا على خط المصاحف والكتب، من أشرف الخصائص التي اختص الله بها هذه الأمة"(7).

--------------------
الهوامش:
(1) من ذلك ما رواه البخاري ومسلم عن قتادة عن أنس بن مالك قال: "جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أربعة كلهم من الأنصار، أبي ومعاذ بن جبل وأبو زيد وزيد بن ثابت. قلت لأنس: من أبو زيد؟ قال: أحد عمومتي". صحيح البخاري 3/1386، رقم 3810، باب مناقب زيد بن ثابت، وصحيح مسلم 4/1914، رقم 2465، باب: من فضائل أُبي بن كعب.
(2)  انظر: مباحث في علوم القرآن ص120-121.
(3)  رواه البخاري ومسلم.
(4)  الإتقان في علوم القرآن (1/ 245)، ومناهل العرفان في علوم القرآن (1/ 242).
(5)  انظر: الإتقان في علوم القرآن 1/72.
(6)  للعلماء أقوال كثيرة في توجيه حديث أنس، منها: أن أنساً لم يقصد حصر عدد القراء في أربعة، بدليل أنه ذكر في رواية أخرى أبا الدرداء، فيكون الذين ذكرهم خمسة لا أربعة، ومنها أن أنساً أخبر بما بلغه وعرفه، ولم يسأل بقيةَ الصحابة إن كانوا حفظوا أم لا؟ ومنها أن هؤلاء جميعاً من الأنصار، ولم يذكر أحداً من المهاجرين، مع أن المهاجرين أقدم إسلاماً وتلقياً للقرآن، وكان فيهم كثير من الحفاظ المتقنين.
أقول: "ولا يُستبعد أن يكون المقصود بذكر أنس لهؤلاء الأربعة أو الخمسة أنهم تميزوا بأن جمعوا القرآن بقراءاته وأحرُفه التي نزل بها الوحي، وتلقوا ذلك بكماله عن الرسول صلى الله عليه وسلم". وهذا القول لم أجد من نص عليه أو أشار إليه في كتاب، ولكن كلمة (جمعوا) تعين في الدلالة عليه، كما أننا لا نجد تميزاً لهؤلاء الحفاظ على غيرهم من أمثال: ابن مسعود وسالم مولى أبي حذيفة وعليّ بن أبي طالب وأبي موسى الأشعري..".
(7)  انظر: النشر في القراءات العشر 1/6.

معلومات الموضوع

الوسوم

  • علوم القرآن
  • اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

    شاهد أيضاً

    alt

    {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ}

    ها هو شهر رمضان الفضيل قد انقضت أيامه ورحلت عنّا لياليه المباركات التي كانت مليئة …