” هنادي المدبوح “صحابية هذا العصر

الرئيسية » بصائر للأسرة والمرأة » ” هنادي المدبوح “صحابية هذا العصر
alt

قصتنا ليست كأيّ قصة، وامرأة ليست كالنساء...ولأنَّها تركت بصمة مميّزة  استحقت أن يكتب عنها  بعد  وفاتها بطريقة مميّزة.

قالت عنها الأخت منى منصور زوجة الشهيد جمال......  : "هنادي صحابية من صحابيات هذا العصر"، ووصف الشيخ حامد البيتاوي خطيب المسجد الأقصى والنائب في المجلس التشريعي الفلسطيني جنازة أم الوفاء شهادة من المؤمنين على صلاح هذه المرأة المجاهدة، ولقد كانت جنازتها رفعاً لدعوة الله  وإغاظة لأعدائه، وفعلاً لقد صدقت فيها الكلمة التي قيلت في جنازة ابن حنبل رضي الله عنه: بيننا وبينهم الجنائز" ، وقالت عنها الأسيرة المحرّرة أحلام جوهر:" قد نختصرحكاية الغالية هنادي بعبارة واحدة :أن تحيا عظيماً وأن تموت عظيماً".

وكتب لها زوجها رامي حسن عبد اللطيف كتاباً أسماه شهيدة الفجر...قصتي الفريدة مع هنادي الشهيدة ، وهذه مقتطفات ممَّا جاء به عنها وعن حياة كفاحها..

حكايتي هذه ليست إلاَّ محاولة عاثرة من زوج مقصر، لتوثيق تجربة حياة مع امرأة فريدة أنجبت ابنتيها وحيدة بعيدة عن زوجها، وصبرت على غربة واعتقال وملاحقة، منفقة وقتها في نشر العلم والدَّعوة إلى الله أينما حلت دون كلل أو ملل أو ضجر.

أطلت هنادي على الدنيا مع انطلاق الحجيج من شتى بقاع الأرض ملبّين نحو بيت الله الحرام في أواخر شهر ذي القعدة 1398ه الموافق 30-10-1978م، في نابلس ، مدينة العلم والأدب والمقاومة، وفي بيت متواضع من بيوت البلدة القديمة الصامدة... وفي المدرسة كانت هنادي تمضي بتميزها المعهود صفاً بعد بصف ، وهي في كلِّ عام في ارتقاء واضح ، وظهر نبوغها المبكر ، خصوصاً في مادة الرياضيات، وتوج هذا التميّز بالتفوّق في امتحانات الثانوية العامة، حيث حصلت على معدل 92.8% في الفرع العلمي، وقد حصلت في مادتها المفضلة الرياضيات  على 239/240 بتوفيق الله ومنته، وفي مطلع الفصل الدراسي الجامعي الأول للعام 1997 ، كانت جامعة النجاح الوطنية كبرى الجامعات الفلسطينية في الضفة المحتلة على موعد مع استقبال أميرة الكتلة الإسلامية لأعوامها القادمة، أحبَّت أن تلتحق بكلية العلوم لتكمل مشوار صداقتها مع الرِّياضيات ، وكعادتها برزت بتفوّقها الواضح في كليتها، ومنحت أكثر من شهادة تقدير لدرجاتها المميزة، وأنهت دراستها الجامعية في العام 2001، وطوت صفحة من صفحات حياتها المليئة بالعمل والدّعوة والأخوة والمحبة والعمل والإبداع والهمَّة والتطلع لإكمال الدراسات العليا ، فأصحاب العزائم لا يعرفون التوقف ولا الدَّعة، وبدأت حياتها العملية كمعلمة في مدارس عديدة في نابلس والقرى المجاورة لها ، ونالت من معاناة حواجز الإحتلال وخاصة في الشتاء القارص، وبقيت مستمرة في مسيرتها التعليمية ، كقدوة لمن حولها من المعلمات والطالبات، وكانت تنظر للتعليم بأنَّها رسالة وإتقانه واجب تسأل عنه يوم القيامة.

وفي رمضان عام 2002، بدأت فكرة الزواج من هنادي، وهي التي تكبرني بعامين ، تسيطر على قلبي وعقلي ووجداني، واستمر تفكيري عميقاً لمدَّة زادت على شهر ونصف، وبعد استخارة واستشارة لبعض الأحبة والإخوة وأصحاب الخبرة عزمت على الزواج، وكان عقد القران في 9-1-2003م على يد الأخ الشيخ حامد البيتاوي خطيب المسجد الأقصى ، وكان شعارها حديث رسول الله : ((أقلهن مهورا أكثرهن بركة))، فالله درك يا هنادي ، لقد علمتيني درساً عميقاً في الزهد من بداية الطريق! وفي عام 2004 تمَّ الزواج الميمون والعرس الإسلامي الذي حرصناعلى تطبيق الشرع واتباع السنة فيه، ولم تكن الفرحة مكتملة لدى هنادي الصَّابرة، فقد تمَّ العرس بغياب أخيها أيمن الذي كان معتقلاً في سجون الاحتلال . أمسكت بيدي وشدتني نحوها برفق،حينها أخذت أقبل جبينها الوضاء، فنظرت إليَّ مبتسمة وكأنّها ملائكة الرحمة تلقنها وتؤيدها وانطلق لسانها : "يالله .. يالله  ... ياالله..." وبد صوتها يخف رويداً رويداً حتى نادت بصوت أعلى يا لله، ثمَّ فاضت روحها الطاهرة إلى بارئها،

وبعد ذلك ومع الأيام القلائل التي عشتها معها، فقد كنت معرّضاً للاعتقال في أيّ وقت ، جاء خبر بشرى الحمل بابنتنا البكر وفاء، ولم تقرّ عيني بفرحة ولادة ابنتي وفاء ، فقد جاء اعتقالي وهي في بطن أمها في الشهر السّادس ، ومضت أيام الاعتقال وزوجتي راضية صابرة، وبعد 3 سنوات من الاعتقال جاءت اللحظات التي لاتنسى التي جمعتنا بزوجتي وابتني الغالية، واستمرت الملاحقات والاعتقالات ورزقنا بابنتنا الغالية مريم، واخترت اسمها تأسياً بأمنا مريم عليها السَّلام ، تلك العابدة الزَّاهدة التي أنزل الله لها الرِّزق من السَّماء وخرج من رحمها المقدس نبيّنا عيسى المسيح عليه السَّلام، وامتدت أيام عصيبة علينا حيث ودعتني هنادي وإخواتها الثلاثة أسرى في السجون، وكانت هنادي الأم المريبة التي غمرت ابنتيها بتربيتها الصَّالحة لتسقي بذور الحب والحنان بين أب غائب وابنتين تبحثان عن والدهما في زحمة الأيام الصعبة.

وكان لقائي بالأحبة في عام 2008م ، وبعد طول تفكير واستخارة واستشارة كان قراري الأصعب ، بالسفر إلى الخارج ،إلى الإمارات مودّعاً أحبتي مرَّة أخرى، وكان عزاؤنا أننا في الله غربتنا، وكانت أهدافنا أمام أعيننا أن نعود وقد أكملنا شهادتنا العليا نقارع بها خصوم الإسلام ونصنع للرباط والجهاد قوَّة أخرى، وجاءت هنادي والبنات بعد 3 شهور، وكان اجتماعي وعائلتي في الغربة فرحة مميزة وأجواء حب، ولكنَّها كانت أياماً تحمل في طياتها الموت، ابتدأت بجلطة قلب الوالد الحنون، ثمَّ تبع ذلك بيومين فقط الخبر الذي قصم ظهورنا جميعاً وغيّر ملامح مستقبل عائلتي الصغيرة ، ولكن لا نقول إلاّ ما يرضي ربنا حامدين ربنا راضي بحكمه وقضائه.

" الحمد لله! يبدو أننا يا رامي، لم نخلق للراحة والنعيم في الدنيا ، ويا مرحبا بقدر الله"، بهذه الكلمات النورانية التي نزلت على قلبي برداً وسلاماً ، ردَّت علي هنادي عندما أخبرتها أنَّ الآلام التي كانت تعاني منها ليست إلاَّ مرضاً خبيثاً منتشراً مستفحلا!، وكانت هنادي في حالة خطيرة، وكان المرض مستفحلاً فكان لا بد من سفرها إلى مركز متخصّص ، فتوجهنا إلى مركز الحسين للسرطان في الأردن، وبدأت رحلة العلاج الشاقة المريرة والعلاج الكيماوي ، وكانت هنادي تواجه الآلام بصبر الرِّجال العظام فقلبها يخفق بالمعالي.

كانت شديدة الحياء حريصة على الستر أثناء وجودها في المستشفى، حريصة على الذوقيات مع المرضى والممرضات والأطباء، كانت شديدة الورع  وكانت كثيرة البكاء خشية لله في خلوتها مع نفسها حريصة عل الصّدقة والإنفاق ، حريصة على قراءة الرقية الشرعية يومياً بنفسهاعلى نفسها عدَّة مرَّات.

كانت هنادي منذ أن أنهت دراستها في الثانوية العامة، وهي تحلم بأداء العمرة وزيارة أول بيت رفع لله في الأرض، وانطلقت للعمرة رغم الصعوبات والآلام التي كانت هنادي مثقلة بها، لكن فرحتها بذلك أنستها كلّ ألم أو تعب كانت تعاني منه، كانت حريصة على أن تصلي الصلوات الخمس في الحرم، كان القرآن ربيع قلبها ورفيق دربها وأنيس وحشتها عند اشتداد الخطر، تحفظ منه ما يسرج قنديل روحها وتحفظه وتعلمه وتحث على التزام مائدته والارتواء من معينه العذب ، ولا أذكر يوماً مضى عليها دون أن تقرأ شيئاً من كتاب الله.

ودخلت هنادي في غيوبة قبل وفاتها، وقبل شهر رمضان بثلاثة أيام استيقظت من غيبوبتها لتؤكّد نيتها بحرصها على صيام رمضان، وقبيل وفاتها كان شقيقها إحسان قد أتمَّ عندها ختمة القرآن، وفي اليوم الثاني من رمضان  سنة 1430ه ، 23 من آب سنة2009م ، الساعة الثالثة فجراً والله يتجلى من فوق سبع سموات إلى السما الدنيا، وها هي هنادي الغالية تتهيّأ للرَّحيل في لحظات النزع الأخير،أذن الله لهنادي أن تستيقظ مودعة لي لربع ساعة كاملة، أمسكت بيدي وشدتني نحوها برفق،حينها أخذت أقبل جبينها الوضاء، فنظرت إليَّ مبتسمة وكأنّها ملائكة الرحمة تلقنها وتؤيدها وانطلق لسانها : "يالله .. يالله  ... ياالله..." وبد صوتها يخف رويداً رويداً حتى نادت بصوت أعلى يا لله، ثمَّ فاضت روحها الطاهرة إلى بارئها، نعم ، لقد توفيت هنادي ... توفيت وهي تنادي ربها وتلهج قائلة يالله .. يالله .. وكذلك تبعث، إن شاء الله.

المرجع:
شهيدة الفجر ... قصتي الفريدة مع هنادي الشهيدة بقلم : رامي حسن عبد اللطيف

معلومات الموضوع

الوسوم

  • أنثى
  • بصمة
  • اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

    شاهد أيضاً

    alt

    إقرار أول قانون للحماية من العنف المنزلي في السعودية

    قال مسؤول في مجال حقوق الإنسان إن السعودية أقرت قانونا مهماً يهدف إلى حماية النساء …