“المعاملة بالمثل”.. مؤشر على ضعف التواصل الاجتماعي

الرئيسية » بصائر تربوية » “المعاملة بالمثل”.. مؤشر على ضعف التواصل الاجتماعي
alt

كثيرٌ من الناس يطبقون في علاقاتهم مع الآخرين مبدأ (المعاملة بالمثل)، فمن زارني أزوره، ومن هاتفني أهاتفه، وهكذا ... كلّ شيء محسوب موزون وفق قاعدة المعاملة بالمثل.

فالتجاوز عن تقصير الآخرين، واتخاذ العذر لهم، والتسامح معهم، ومواصلة الإحسان لهم، كلّ هذه المفردات غير موجودة عند بعض الناس.

"فلان لم يزرني عندما دخلت المستشفى، وها هو الآن مريض لن أفكر بزيارته، سأتظاهر بعدم سماع الخبر"!! هذا لسان حال الكثيرين ممّن سيطر عليهم شعور المعاملة بالمثل.

ومن المؤسف أنَّ تلك السياسة تطبق أحياناً في أمور سطحية، ففي مجال الزيارات والمناسبات على سبيل المثال يتم التفكير بنوع الهدية وثمنها على مقياس المعاملة بالمثل!!

في الوقت الذي ننسى فيه أنَّ الأصل في عمل الخير أو في تقديم الواجب هو أن يقوم به الإنسان لوجه الله، دون أن ينتظر ثناءً من أحد .
لا ينبغي أن يفهم التسامح على انه دعوة للاستسلام أو المسالمة للبيئة الفاسدة تحت مسمّى التكيّف الاجتماعي
الدكتور زياد مقداد أستاذ الفقه في الجامعة الإسلامية بغزة قال لــ"بصائر":" إنَّ الزيارات عادة هي إحدى الوسائل الفعالة والمهمَّة في توثيق العلاقات بين الأفراد وتعزيز أواصر الصلات، وقد حثّ الإسلام عليها.

وأضاف "أنَّ الدّين الحنيف عزّزها في جملة من القواعد، والتي تتمثل  في عدم زيارة الناس إلاَّ بموافقتهم وإفشاء السلام على أصحاب المنزل إظهاراً لحسن النية، وأن يكون القصد من الزيارة كلّ الخير بعيداً عن المعاملة بالمثل، أو لأنَّ صاحب ذلك البيت زارني وواجب عليّ ردّ ذلك".

وأوضح مقداد أنَّه يتوجّب على الناس أن يكون هدفهم من زيارة بعضهم هو صلة الرَّحم، " فالمرء يجب أن يزور أقاربه لما فيه من تعزيز للعلاقات بين الأسرة الواحدة، وتحقيق الترابط بين أفرادها، والحرص على عيادة المريض والسؤال عنه، وجعل ذلك من العبادات فزيارة المريض صدقة".

موقف القرآن
وأشار إلى أنَّ الله تعالى أمر نبيّه بالتجاوز عن جنايات المؤمنين بقوله : {فاصفح الصفح الجميل}، وقوله تعالى للآباء والأزواج بالعفو عن الأولاد : {وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم}، كما أمر نبيّه أن يخفّف عن نفسه كُفر من كَفر بقوله : {فاصفح عنهم وقل سلام}.
النصّ القرآني الكريم {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً} يمكن أن يمثل مدخلاً آخر للترفع عمَّن هم أقل وعياً وعلماً
وبيَّن مقداد أنَّ النصّ القرآني الكريم {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً} يمكن أن يمثل مدخلاً آخر للترفع عمَّن هم أقل وعياً وعلماً، موضحاً في الوقت ذاته أنَّه يجب عدم مناطحتهم والغلظة عليهم، وإنَّما الصفح عنهم والأخذ بأيديهم.

عفو الرَّسول صلَّى الله عليه وسلّم ..
وذكر أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم كان يمثل النموذج الأسمى والقدوة الحسنة في التسامح والعفو، وحسبه أنّه عندما عاد إلى مكة فاتحاً، جمع قبائل قريش من المشركين، وهم الذين آذوه وأخرجوه من مكة مهاجراً، فقال لهم: ((يا معشر قريش، ما ترون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيراً أخ كريم وابن أخ كريم، قال: لا تثريب عليكم اليوم، اذهبوا فأنتم الطلقاء، وعفا عنهم برغم ما كان منهم معه)).

وتابع مقداد بالقول:" إنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم رأى رجلاً يسمَّى هبار بن الأسود يضع على وجهه لثاماً وينطلق مسرعاً خارج مكة، حينما علم أنَّ الرَّسول دخلها، وكان هبار قد أثار ناقة السيدة زينب بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهي مهاجرة، حتى أسقطتها، وكانت يومها حاملاً، فنزفت نزفاً شديداً، وظلت هكذا حتى فارقت الحياة.
إذا كان رسولنا الكريم قدوتنا ومثلنا الأعلى، فلماذا لا يقتدي به من يتعامل بنظرية المعاملة بالمثل!!
ولكن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عندما علم أنَّ هذا الرجل هو هبار، ناداه، وقال له: عد يا هبار، فقد عفوت عنك، فأسلم الرجل يومها".

وأردف مقداد قائلا:" إذا كان رسولنا الكريم قدوتنا ومثلنا الأعلى، فلماذا لا يقتدي به من يتعامل بنظرية المعاملة بالمثل!! متسائلاً : هل تعاملهم بالمثل من باب النسيان ؟! أم هو قسوة الإنسان؟! أم سيطرة الشيطان؟!".

ليس علامة ضعف ؟!
وشدَّد على أنَّ بعض الناس يظنون أنَّ العفو والتسامح غطاء للضعف والوهن، "لكن في الحقيقة هذا العفو قد يكون ممتزجاً بقدر عظيم من الحكمة والتعقل، وتكفي الإشارة إلى أنَّ هذا لا يحدث إلاَّ إذا كان الإنسان يستشعر قدراً من المحبَّة الأصيلة لنفسه ولأسرته ولأصدقائه وللبشرية جميعها، ولا يحمل أيّة روح عدوانية تجاه الغير.

وأكَّد مقداد أنَّ الله سبحانه وتعالى أثنى على التسامح والعفو بقوله : {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة، ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم}. منوّها إلى أنَّ المتعقلين يفهمون أنَّ العفو سمة من سمات المؤمن القويّ، ودليل على نبل أخلاقه، ومن دواعي العزّ والفخار، كما أنَّها تبعث على التواد والتراحم.

ودعا مقداد إلى ضرورة ترسيخ مبدأ التسامح وجعله منهج حياة، وليس ردّ فعل لواقعة عابرة، "إنّك حين تتسامح مع المخطئ أو من يرتكب حماقة أمامك أو معك، فأنت لا تتنازل عن حقك، بل تتعالى وتترفع عن السقوط في الحماقة أو الخطأ الذي يحدث"، حسب .
عدم التسامح عند بعض الناس ومعاملتهم لغيرهم بالمثل تعود إلى الجهل وقلة الوعي الديني عندهم، وعدم معرفتهم لأجر المتسامحين والعافين عن الناس
المعاملة بالمثل تولد الحقد
من جهته قال د.درداح الشاعر الاختصاصي الاجتماعي:" إنَّ استخدام الأسلوب السلمي، واعتماد مبدأ الصفح في التعامل مع الناس هو بحدِّ ذاته تأصيل للرحمة بينهم، وإيجاد أسس قوية للتواصل بين هؤلاء البشر من أبرز سماتها المودة، والتقارب، والألفة".

ونوَّه الشاعر إلى أنَّ أساليب العنف والقسوة والاعتداء، تقتل التواصل والتراحم وتؤصّل للعنف الدائم، والكراهية، والبغض، والحقد، وسوء الظن الدائم مهما كان نوع الآخر أو جنسه أو دينه أو مذهبه أو فكره أو انتماؤه.

وأوضح أنَّ أسباب عدم التسامح عند بعض الناس ومعاملتهم لغيرهم بالمثل تعود إلى الجهل وقلة الوعي الديني عندهم، وعدم معرفتهم لأجر المتسامحين والعافين عن الناس، ووجود الأفكار النمطية والسلبية عند بعض الأشخاص؛ والمتمثلة بأن من يتسامح هو ضعيف الشخصية وغير ذلك.

وأشار الشاعر إلى أنَّه لا ينبغي أن يفهم التسامح على انه دعوة للاستسلام أو المسالمة للبيئة الفاسدة تحت مسمّى التكيّف الاجتماعي، إنَّما يجب على الشخص أن يسعى لتعديل الموقف السيّئ بالأساليب والوسائل المقبولة بعيداً عن التعصب وضيق الأفق واللجوء إلى القسوة، بل إلى الحوار وتعديل السلوك قدر المستطاع.

طرق العلاج
وأعرب الشاعر عن تمنيه بتلاشي تلك الظاهرة التي غرست داخل المجتمعات وعلى رأسها الشعوب الإسلامية، مشدّداً على ضرورة قيام الدّعاة بتوضيح سلبيات تلك الظاهرة، وبيان عواقبها وتفكيكها للمجتمعات.

وتابع بالقول:" ينبغي عليهم أيضاً بيان عقاب قاطع الرّحم، وتشجيع الناس على صلة أقاربهم وجيرانهم، وبيان عظم ثواب من يصفح ويعفو عن الناس ويتغاضى عن سيّئاتهم ويقابل أعمالهم السيئة بالحسنة، كما كان يفعل رسولنا الكريم".

وأضاف : إنَّه من أراد أن يغلب خصمه يجب عليه أن يدفع سيئته بالحسنة، لأنَّها تخمد نار الخصومة، كما أنَّه إذا قابل إساءته بمثلها فالخصومة تزداد والعداء يدوم والشحناء تستمر، مبيّناً أنَّ مقابلته بالعفو والإحسان تسوقه إلى الندم، وقد يكون صديقاً حميماً له بعد ذلك، "لأنَّ من شأن المؤمن أن يكون كريماً، فان أكرمته فقد ملكته وجعلته أخاً لك"، حسب الشاعر.
من أراد أن يغلب خصمه يجب عليه أن يدفع سيئته بالحسنة، لأنَّها تخمد نار الخصومة
وختم الشاعر حديثه بالقول:" لا شيء أهمّ من أن يكون العمل خالصاً لله وحده، وما أجمل العفو والتسامح ومواصلة البذل والإحساس بغض النظر عن موقف من نحسن إليه، أمَّا إذا كان العطاء مرهوناً بالمصلحة والمنفعة وكانت المعاملة الحسنة وفقاً لمبدأ المعاملة بالمثل، فمصير كل ذلك (الصفر) في ميزان الثواب عند الله سبحانه وتعالى، وفي التقدير والاحترام عند الغير ومنتهاه (اللاشيء) تماماً كالسَّراب".

معلومات الموضوع

الوسوم

  • المربي
  • تربية
  • اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

    شاهد أيضاً

    “بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

    كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …