قال لصديقه: يا رجل، احمد الله...ساق الله على أيام العزوبية
أجابه: لحظة
من يتكلّم يا ناس؟ هل أنا في حلم أم علم ؟
قال صديقه: لَا يا صاحبي في علم .
أجابه:هذه الطاولة تشهد يا صديقي...هنا وقبل سنة كنت تحلم بانتهاء عزوبيتك والانتقال إلى "حبس" أقصد "عش" الزوجية!
قال صديقه: أنت قلت كلمتين جوهريتين....
قاطعه: ما هما بالضبط؟؟
قال: الأولى هي (حلم) والحلم شيء بعيد عن الواقع، وليس على من (يحلم) حرج..
بادره صديقه: والثانية؟
قال: (حبس) لقد اكتشفت أني قد كنت حراً وقيدت نفسي بإرادتي حين قررت أن أتزوج!!!
قال له صديقه: هل أنهيت كلامك ؟
أجابه: لماذا تريد إسكاتي! هل تريد المغادرة...ما قصتك؟
قال له صديقه: أشعر أنَّ وراء كلامك هذا قصة.. لذا إذا كنت قد انتهيت من "الفضفضة" عن نفسك وأردت أن نتكلم بعقلانية ومنطقية فأنا على استعداد يا صديقي...
*****
قبل الزَّواج ..
شباب اليوم يفكر بالزَّواج قبل استلام "الراتب" الأوَّل من وظيفته التي لم يحصل عليها بعد!! ربّما تتعدد الأسباب لدى كل منهم، وربما يكونون مجرّد "ضحايا" لتسويق بعض الأفكار والمشاهد والمشاعر التي "تثير" بعض مكنونات النّفوس، وتبحث عن مخرج فلا تجد لها عند الشباب المحترمين سوى البحث عن "الزواج"...
قلة ذات اليد تمنع الكثير منهم عن الإقدام على الخطوة الأولى ويبقى الأمر مجرّد حلم قد يكبر إن سارت الأمور على ما يرام فيما يتعلق بالوظيفة والراتب أو وعد بالمساعدة من أب أو عم أو خال...
أو يبدأ الحلم بالاندثار تحت وطأة واقع مرير من ضغوط الحياة وعدم كفاية الراتب للمصروف الشخصي، فكيف إذا أضيفت له عائلة!!!
والحال هنا واحد من اثنين: إمَّا رفع راية الاستسلام البيضاء والانضمام طوعاً إلى شلل العزوبية المقهورة، أو العيش تحت وطأة الأمنيات والأحلام والبحث عن مخرج هنا وهناك، وقد يكون أحد هذه المخارج قرض من بنك أو زوجة تعمل أو...والخيارات كثيرة..
بعد الزواج ...
يتزوّج صديقنا الشاب، مرفهاً كان أم مديوناً حالماً بحياة "وردية" رآها قبل عام على أكثر تقدير في مسلسل كذا، أو قرأ تفاصيلها عبر رواية "فلان".. وظن أنَّ ليلة الزفاف هي خطوته الأولى نحو هذا العالم الرائع، وإذ به بعد مدَّة من الزمن تطول أو تقصر..يتنفس نفساً عميقاً..ويشهق شهقة من أسفل الصدر...ليكتشف أنَّه قد "غرّر"بنفسه ووقع في "الفخ"!!
لحظة من فضلك...
لا يتبادر إلى ذهنك بأن كاتب هذه الكلمات يحمل نظارة سوداء ينظر من خلالها إلى الزواج، وابق معنا حتى نهاية هذا المقال لترى الصورة من جميع جوانبها..
وللحديث بقية...
يذهب هذا الشاب محمّلاً بقائمة من الأغراض التي عليه شراؤها من الجمعية، وبينما ينظر إلى القائمة يترحم على اليوم الذي كان يدخل به هذه الجمعية، ليشتري علبة عصير وحبة شوكولاته ويخرج!!!
"الله يرحم تلك الأيام...ماذا فعلت بنفسي!!!"
يخرج من الجمعية...يجد في صدره ضيقاً فيمسك بهاتفه النقال ليتصل مع صديقه "الأعزب" المحظوظ: أين أنت؟
يجيبه الصديق: أهلاً بمن نسينا منذ أن دخل عالم الزواج السعيد.
يقول: قل لي أين أنت ؟ ودعك من هذا الكلام الفارغ!! زواج سعيد !! قل: مسؤوليات، طلبات ، أغراض، زيارات...
يسمعه صديقه مستغرباً ، ثم يقول: أنا في مطعم....حيث كنا نتناول العشاء معاً تفضل..
"أنا في الطريق إليك" ويغلق سماعة الهاتف...
يلتقيان...ويجري بينهما الحوار الذي بدأنا به هذا المقال...
هل نكمل؟
ليس مهماً أن نعرف ما هي تفاصيل الحكاية، وهل كان لهذا الشاب قصة مع زوجته فعلاً جعلته يضيق بالحياة الزوجية ويذهب إلى صديقه ليعيد شيئاً من ذكريات الحرية والاستقلالية..
ولكن الأهم أن نتساءل: ما الذي يجعل كثيراً من شبابنا يصابون بشيء أو بشكل من أشكال هذه الصَّدمة مع بداية مشوارهم في الزواج!!
قد لا يكون الأمر ناتجاً عن مشكلة من عدم التوافق والانسجام..وقد تكون حياة هذا الشاب مع زوجته من أبدع ما يكون، لكنَّه ما يزال متضايقاً!!!
صدمة وعدم استعداد...
حين تصور الحياة الزوجية لشبابنا اليوم على أنَّها حالة من الرومانسية المستمرة والرّحلات والمشاوير وكلمات الحب والغزل والهيام، فإنّهم يصابون بصدمة عند أول تجربة حية لتبعات الزّواج من تحمّل للمسؤولية الشخصية ومسؤولية شريك الحياة...صدمة أخرى لم يستعدوا لها، وهي أن شريك الحياة هذا الذي يحب يختلف اختلافاً كبيراً عن شريكه.. يختلف في العادات والطبائع.. يختلف في التفكير والأولويات...يختلف في التربية والخلْفيات الثقافية والأسرية ...
كل هذه الاختلافات وغيرها كثير قد تخلق جواً من عدم الراحة في بعض مناطق الاحتكاك اليومية، فإذا لم يكن "الشاب" وهو صاحب القوامة بمعناها الحقيقي على استعداد لاحتوائها وتقبلها وعلى وعي لكيفية استثمارها نحو بناء المستقبل بمهارة وإيجابية تتحوّل نقاط الاحتكاك إلى نقاط "تماس" يمكن أن تولّد شراراً إذا لم يتم اللحاق به يتحول إلى "نار"!! والنار تحرق كل ما يحيط بها دون استثناء..تحرق المشاعر والعواطف والذكريات واللحظات الجميلة والأحلام المشتركة...
ليست الحياة راحة دائمة.. وليست ضنكاً مستمراً...يستطيع الشباب إذا دخلوا إلى عالم الزَّوجية مسلحين بعدة من المهارة في الفهم والاحتواء والتقبل أن يبدؤوا حياة في قمة الجمال والرَّوعة، ويؤسسوا بيتاً تملؤه السكينة والمودة ينبت أجيالاً تتمتع بصحة نفسية عالية..لكنَّهم إذا طلبوا الزواج لذات الزواج، أو لصورة الزواج المشوهة في الإعلام على الرغم من "جمالها" المزعوم فإنّهم عند أول محك من اختلاف بسيط أو مسؤولية ثقيلة قد يقعوا فريسة لشيطان غاية مناه "التفريق" بين زوجين أياًّ كانوا...
دعوة إلى "الفهم"..
أيها الشباب..الحياة في تسارع وتشابك، والله تعالى يذكر في محكم التنزيل {لقد خلقنا الإنسان في كَبَد} أي في معاناة وتعب دائمين..ولكن مفتاح الحصول على سعادة الدنيا هو في امتلاكك لمهارة الفهم..فهم الطبيعة البشرية واختلافاتها وأثر ذلك في تعاملك مع زوجة تركت بيتاً تربت به قرابة العقدين ثمَّ جاءتك تريدها أن تكون نسخة منك وأنى لك هذا!!
وفهم أسس الحياة الزوجية وطرق نجاحها واستمرارها، وفهم الحياة وتعقيداتها ومتطلباتها...
يقال: ألا تعتقد أنَّه من الظلم أن يُقبل الإنسان على أعظم مهمَّة له في الحياة دون تدريب"..والمهمة الأعظم لك حين تطلب الزواج أن تكون "زوجاً" متفهماً لتستحق أن تكون "أباً" مربياً..
اعقد العزم وتوكل أن تحمل معك إلى بيت الزوجية شهادة تدريب واستعداد تؤهلك لبناء هذا البيت على أساس واضح متين..
تقبل الله منك.. وألف مبارك.