عندما سألت مسؤولاً في حركة «حماس» في لقاء لم يكن للنشر قبل بضعة شهور، عن أسباب «صمت» حركته عن الأحداث العاصفة التي تجري في سورية، أجابني: «أحياناً يكون الصمت أبلغ من الحديث، والتجارب علّمتنا أن الصمت في بعض الأحيان، يكون أهون الشرين، وأخف الضررين»..
ولكن سياسة «الصمت» التي التزمت بها حركة «حماس» منذ تفجّر الأزمة السورية، وأثارت إعجاب كثير من المراقبين والمتابعين السياسيين لها، بوصفها «حنكة» سياسية، أقدمت عليها حركة «حماس» في ظل ظروف سياسية معقّدة وصعبة، باعتبار أن سورية هي «الحاضنة» لقيادة «حماس» منذ أكثر من عقد من الزمان، وتحديداً منذ عام 1999م، عندما «أبعدت» من الأردن، وكانت «المظلة» السياسية لها طوال هذه الفترة.
سياسة الصمت المشار إليها، تعرّضت لـ«الاختراق» مؤخراً من قبل قيادات وازنة وكبيرة في الحركة خلال الأسابيع الأخيرة، وأثار حالة من الارتباك «الإعلامي»؛ مما دفع الحركة إلى النفي والتوضيح، والاستدراك، ما يؤكد «حكمة» ما أشرنا إليه في حديث القيادي «الحمساوي» من أنه «أحياناً يكون الصمت أبلغ من الحديث»!
رئيس الحكومة الفلسطينية في غزة إسماعيل هنية كان أول من دشّن «الاختراق» بحضوره مهرجاناً أقيم في الجامع الأزهر بالقاهرة بعد صلاة يوم الجمعة، حمل عنوان «جمعة إنقاذ الأقصى ونصرة الشعب السوري»، ما اضطره - على ما يبدو - إلى التجاوب مع هتافات عشرات الآلاف من الجماهير المحتشدة، بالدعوة إلى «نصرة الشعب السوري البطل»! وفي وقت كان هنية يواصل حديثه عن فلسطين والقدس والأقصى، كانت الجماهير تقاطعه بالهتافات ضد سورية وإيران و«حزب الله» (حلفاء «حماس» إلى وقت قريب جداً على الأقل)!.. بعد ذلك نُسبت إلى نائب رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» د.موسى أبو مرزوق تصريحات جاء فيها: «إن حركة «حماس» غادرت سورية احتجاجاً على الحملة الوحشية التي يشنها النظام السوري ضد معارضيه، وأن «حماس» لم يعد لها وجود من الناحية العملية في سورية، مشيراً إلى أن مشعل ومساعديه غادروا إلى الدوحة للإقامة بدلاً من دمشق».. وعلى الرغم من نفي أبي مرزوق لتصريحاته بالقول: «ليس صحيحاً أني تحدثت عن مغادرة قيادات «حماس» لسورية احتجاجاً على الأوضاع الأمنية هناك، أبداً لم يصدر عني أي شيء من هذا القبيل»، متابعاً: «لم نغلق مكاتبنا في دمشق، وإن كنا غير موجودين في الساحة السورية بسبب ارتباطات تتصل بنشاطنا السياسي نقوم بها في أماكن مختلفة في العالم، هذه هي الأسباب المباشرة لوجودنا خارج سورية»، مجدداً موقف «حماس» القاضي بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي من الدول العربية، قائلاً: «نحن لا نتدخل في الشأن الداخلي لأي من الدول العربية، ونحاول أن نجنّب الفلسطينيين التدخل في أي شأن عربي حفاظاً على حيادهم وأمنهم».
حالة "الارتباك" التي أبرزها خروج "حماس" من حالة "الصمت" في الشأن السوري، لا تعكس الاختلاف في الموقف السياسي، وإنما تعكس الاختلاف في طبيعة التعامل الإعلامي مع الموقف.
ولكن تزامن تصريحات أبي مرزوق مع تصريحات زميله القيادي في حركة «حماس» في قطاع غزة د. صلاح البردويل، التي أكد فيها خروج الحركة من سورية «لتسهيل مهمة وشؤون الحركة..»، موجّهاً نقداً لاذعاً وغير مسبوق للنظام السوري بقوله: «لا يمكن لـ«حماس» أن تقف ساكتة أمام نزيف الدم اليومي الجاري في سورية من دون أن تقدم موقفاً».. كل ذلك، يشير بشكل واضح إلى حالة «الارتباك» التي أبرزها الخروج من حالة «الصمت»، وهي حالة لا تعكس الاختلاف في الموقف السياسي، وإنما تعكس الاختلاف في طبيعة التعامل الإعلامي مع الموقف.
وبعيداً عن التصريحات والتصريحات المضادة أو النافية لها، ما حقيقة موقف «حماس» من الثورة السورية؟ وهل اتخذت «حماس» قراراً بـالخروج من سورية؟.. أسئلة تطرح نفسها في ظل التضارب والتناقض، ليس في التصريحات فحسب، بل في المعلومات المتسرّبة من دمشق وغزة ورام الله والقاهرة والدوحة!
«المجتمع» التقت مصادر مطلعة، ومقرّبة من حركة «حماس»، ووثيقة الصلة بها، تحدثت بصراحة ودون تحفّظ عن «الثورة السورية»، وموقف «حماس» منها، والإجراءات التي اتخذتها بهذا الصدد.
كان مشعل يتجنّب الخوض مع المسؤولين السوريين السياسيين والأمنيين في أي شأن له علاقة بالوضع الداخلي، التزاماً بسياسة حركته في عدم التدخل بالشؤون الداخلية من ناحية، ولمعرفته بـ«الحساسية العالية» لدى المسؤولين السوريين من إثارة أي موضوع له علاقة بسياساتهم الداخلية..
لقاء «مشعل» مع «الأسد» بدأت حكاية «حماس» مع الثورة السورية، بلقاء رئيس مكتبها السياسي «خالد مشعل» مع الرئيس السوري «بشار الأسد»، بعد أيام قليلة فقط من إطاحة الثورة المصرية بالرئيس «حسني مبارك» في فبراير 2011م.. جاء هذا اللقاء، الذي تم استئنافه في اليوم التالي، بناء على طلب «مشعل» الذي رأى أن الوقت بات مناسباً لقيام الرئيس السوري بإصلاحات سياسية داخلية تجنّب سورية «ثورة» يمكن أن تشتعل في أي وقت، خصوصاً وأن «مشعل» يعيش في سورية منذ أكثر من عشرة أعوام، كان خلالها نشطاً في التواصل مع جميع فئات وشرائح الشعب السوري، ويغشى مناسباتهم الاجتماعية المختلفة، ويحرص على حضورها، وبالتالي فإنه كان يلمس مدى «الاحتقان» الذي يعيشه السوريون، نتيجة الاستبداد الأمني، والظلم الاجتماعي. ولكن «مشعل» كان يتجنّب الخوض مع المسؤولين السوريين السياسيين والأمنيين في أي شأن له علاقة بالوضع الداخلي، التزاماً بسياسة حركته في عدم التدخل بالشؤون الداخلية من ناحية، ولمعرفته بـ«الحساسية العالية» لدى المسؤولين السوريين من إثارة أي موضوع له علاقة بسياساتهم الداخلية..
«مشعل» في لقائه مع «الأسد» على مدى يومين، تحدّث بلباقة ولياقة دبلوماسيتين عن ضرورة الالتفات إلى «الداخل السوري»، مشيراً إلى حاجة سورية إلى سياسة داخلية ناجحة كما هي سياستها الخارجية.. تقبَّل الرئيس «بشار الأسد» ملاحظات «مشعل»، أو هكذا أبدى لـ«مشعل»، مؤكداً أنه مع «الإصلاح التدريجي»، الذي لا يُحدث خللاً في المجتمع.
شرارة الثورة:
لم تمض أسابيع قليلة على اللقاء، حتى حدث ما توقعه «مشعل» وآخرون، ولكن المفاجأة كانت في المكان في جنوب سورية، وتحديداً في محافظة «درعا»، التي عرفت بولائها للنظام، حيث انطلقت من هناك شرارة الثورة، وهنا تحرّك «مشعل»، وأجرى لقاءات مع كبار المسؤولين السوريين، بدءاً من نائب رئيس الجمهورية فاروق الشرع، ووزير الخارجية وليد المعلم، ومستشارة الرئيس للشؤون السياسية والإعلامية بثينة شعبان، ونائب وزير الدفاع العماد آصف شوكت، ومدير دائرة المخابرات العامة اللواء علي المملوك..
كان مضمون هذه اللقاءات، هو ضرورة التحرّك العملي والجاد لـ «احتواء» الموقف، من خلال «معالجات» صحيحة، تتجاوز الشكل إلى المضمون، والاستفادة من هذه الأحداث لطرح جدول مبرمج وزمني لإصلاحات حقيقية.
لقاءات «مشعل» المذكورة قوبلت بارتياح وترحيب من المسؤولين، الذين التقاهم «مشعل»، وبدا وكأنه جزء لا يتجزَّأ من القيادة السورية، فلم يتم التحسّس من اقتراحاته كما كان الأمر سابقاً، ولم يتم التعامل معها على أنها «تدخل في الشؤون الداخلية»، وذلك أن الظرف لا يحتمل «المكابرة»، فضلاً عن الثقة الكبيرة التي يحظى بها «مشعل» لدى المسؤولين السوريين عموماً.
ركّز «مشعل» على ضرورة أن يظهر الرئيس على الرأي العام، ويُلقي خطاباً يحدث تحولاً وتغيراً في مسار الأحداث.. كان الرئيس «متردداً» في الظهور، خشية أن يستحضر في أذهان السوريين، صورة خطابات الرئيسين المخلوعين «زين العابدين بن علي»، و«حسني مبارك»، ولكن الرئيس قرر أخيراً الظهور وسط أجواء متفائلة، أن يكون خطاباً إيجابياً يعلن فيه إصلاحات حقيقية..
التزمت "حماس" حينما اشتعلت الثورة السورية، سياسة «الصمت»، وعدم التعليق العلني والإعلامي على ما يجري، والاكتفاء بالقول: إنها ملتزمة بسياستها في عدم التدخل في الشؤون الداخلية..
وكانت المفاجأة، أن خطاب الرئيس جاء معاكساً لكل التوقعات، ومحبطاً لكل المتفائلين، وكان من بينهم «خالد مشعل»، الذي تسمّر أمام الشاشة، منتظراً أن يجد مقترحاته في ثنايا هذا الخطاب، ولكنه لم يجد شيئاً مما قاله على الإطلاق! بل على العكس، كان خطاباً «متعجرفاً»، و«فوقياً»، ومستفزاً لكل من شاهده واستمع له!
القشة التي قصمت ظهر البعير كان الخطاب هو «القشة التي قصمت ظهر البعير»، فقد اشتعلت الثورة، وانتقلت من «درعا» إلى مدن أخرى، منتشرة انتشار «النار في الهشيم»، وهنا تداولت قيادة «حماس» فيما يمكن أن تفعله، وما الموقف الذي عليها أن تتخذه؟.. بعد نقاشات واسعة ومعمّقة، استفادت فيه قيادة الحركة من كل خبراتها، استخلصت الموقف التالي: التزام سياسة «الصمت»، وعدم التعليق العلني والإعلامي على ما يجري، والاكتفاء بالقول: إنها ملتزمة بسياستها في عدم التدخل في الشؤون الداخلية..
هذا الموقف لم يعجب «النظام»، وخصوصاً «بشار الأسد» الذي يرى أن سورية آوت واحتضنت «حماس» وقيادتها على مدار عشرة أعوام على الأقل، وأنها تعرّضت لضغوط شديدة بسبب هذا الاحتضان، وأنها وفّرت دعماً سياسياً وإعلامياً ولوجستيا لها، وأن على «حماس» أن تقف موقفاً «وفياً» للنظام!.. وفي المقابل، فإن قطاعات من المعارضة، كانت تطالب «حماس» بموقف واضح، تعلن فيه تأييدها للثورة السورية، بل وطالبهم بعضها بـ«الخروج» من سورية، حتى تنزع عن النظام «الورقة» التي يشهرها في وجه خصومها دائماً، بأنها داعمة للمقاومة الفلسطينية.
قيادة «حماس» لم تستجب للضغوط من الجانبين، وكان «مشعل» يتابع هذا الملف شخصياً، ويحذّر قيادات الحركة في الداخل والخارج من «الانزلاق» في أي «كمين» إعلامي، نظراً لحساسية الموقف ودقته وخطورته، فأي تأييد صريح وضمني للنظام، يعني «الانتحار السياسي»، وأي إدانة صريحة أو ضمنية للنظام، تعني إدخال «حماس» في مأزق مع النظام..
حافظت «حماس» على موقفها طوال الشهور السبعة الأولى من اشتعال الثورة، فلم «تنزلق» إلى موقف التأييد لأي من طرفي الصراع، وكأن هذا بالنسبة لها «أهون الشرين، وأخف الضررين». غضب الرئيس كان الرئيس «بشار الأسد» غاضباً من «مشعل»، وكان يبلغ زوّاره الذين يستفسرون عن موقف «مشعل» و«حماس»، بأنه «عاتب» على «مشعل»، لأنه امتنع عن التجاوب مع طلبه إصدار بيان يرد فيه على الشيخ يوسف القرضاوي، الذي «قارن حصار درعا بحصار غزة»..
الرئيس امتنع عن لقاء «مشعل»، على الرغم من وساطات عديدة قام بها أصدقاء للطرفين لـ«ردم» الهوة، و«جسر» الفجوة، ولكن الرئيس المعروف بـ«عناده» رفض كل المحاولات، مصراً على ضرورة أن يصدر «مشعل» موقفاً واضحاً من «المؤامرة» التي تتعرّض لها سورية!
اللواء علي المملوك الذي يحتفظ بعلاقة وثيقة مع «مشعل»، ويحظى بثقة الرئيس «بشار الأسد»، حاول إقناع «مشعل» بضرورة الإعلان عن موقف داعم للنظام، مشيراً إلى أن هذا هو طلب شخصي من الرئيس نفسه..
«مشعل» الذي كان يرأس فريق عمل منذ اشتعال الثورة السورية لمتابعة الموقف وتقييمه، عاد لأعضاء هذا الفريق، الذين لم يتحمّس أكثريتهم للتجاوب مع هذا الطلب. مع استمرار الأحداث، وإدراك النظام أن «الثورة» تتصاعد، ولا أفق لوقفها، أخذت الضغوط تتزايد على «خالد مشعل»، بضرورة تقديم أي موقف يساعد النظام، وهنا جاء الاقتراح من «الحلفاء» الإيرانيين، الذي وصف بأنه اقتراح «خبيث» و«ماكر»، حيث اقترحوا بأن يتم ترتيب لقاء مع الرئيس «الأسد»، يحضره الأمناء العامون للفصائل الفلسطينية، إضافة إلى الأمين العام لـ«حزب الله» السيد «حسن نصرالله»، ويتم تغطيته إعلامياً.. هذا الاقتراح لقي موافقة من الرئيس «الأسد»، الذي رأى فيه «مخرجاً» لرفضه المتكرّر لقاء «مشعل»، فضلاً عن قيمة «الرسالة» التي يمكن أن تتمخض عنه.
الاقتراح الإيراني قوبل بـ«برود» من «مشعل» وقيادة «حماس»، إذ إنه يعني بالمضمون السياسي إعلان «مبايعة» ضمنية من المقاومة الفلسطينية واللبنانية للرئيس «الأسد»، كما أنه «يخلط» و «يدمج» بين المقاومتين!..
تحفّظ «مشعل» في البداية على آلية اللقاء، وليس مبدأه، إذ إنه لا ضرورة للقاء جماعي بهذه الطريقة، ولأن المطلوب في رأيه «المضمون»، وليس الصورة.
وجرت على مدار شهرين حوارات ومفاوضات لـ«ترتيب اللقاء»، الذي تعثّر في البداية لأسباب فنية، ولكنه بعد ذلك، تعثّر لأسباب سياسية، حيث «استعجل» السوريون عقده، وأخذ الإيرانيون يضغطون لتحقيق ذلك، ولكن «مشعل» وجد أن التوقيت ليس مناسباً على الإطلاق، خصوصاً وأن الموعد حدد بعد خطاب الرئيس الأخير، الذي كان أطول خطاباته، حيث استغرق نحو 99 دقيقة!.. وهو الخطاب الذي هاجم فيه «الأسد» الجامعة العربية، واصفاً أعضاءها بـ«المستعربين»، وإعلانه استمرار مكافحة «العصابات الإرهابية المسلحة»؛ ما يعني استمرار الحل العسكري، إضافة إلى تزايد وتيرة التصعيد العسكري - الأمني، وتزايد أعداد القتلى والجرحى.
وجد «مشعل» أن أي لقاء مع الرئيس سيثير متاعب جمّة لحركته، التي تسير على «حبل دقيق ومشدود»، وعلى الرغم من تنازل الرئيس «الأسد» عن صيغة اللقاء الجماعي، لمصلحة لقاء مع «مشعل» وحده، فإن «مشعل» وجد أن أي صيغة للقاء مع «الأسد»، سيكون لها تداعيات سلبية على الحركة
في ظل هذه الأجواء، وجد «مشعل» أن أي لقاء مع الرئيس سيثير متاعب جمّة لحركته، التي تسير على «حبل دقيق ومشدود»، وعلى الرغم من تنازل الرئيس «الأسد» عن صيغة اللقاء الجماعي، لمصلحة لقاء مع «مشعل» وحده، فإن «مشعل» وجد أن أي صيغة للقاء مع «الأسد»، سيكون لها تداعيات سلبية على الحركة، وأن الأفضل هو تأجيل اللقاء إلى وقت تكون فيه الظروف مناسبة ومواتية، بالطبع، كان صعباً على «مشعل» أن يعتذر عن اللقاء مع الرئيس نفسه، لما يسببه هذا الاعتذار من حرج شديد، ولكن «مشعل» وبجرأة كبيرة، أبلغ المملوك - الذي كان مكلَّفاً بمتابعة ملف اللقاء - اعتذاره بلباقة، واعداً أن يتم ذلك بعد تحسن الظروف، وبعد عودته من رحلة طويلة سيقوم بها.
الخروج الأخير!
غادر «مشعل» دمشق إلى القاهرة، وكانت تلك المغادرة هي «الخروج» الأخير له، حيث قررت قيادة «حماس» ألا يعود لا هو ولا قيادات «حماس» الأخرى المقيمة في دمشق..
جاء هذا القرار تتويجاً لنقاشات معمَّقة وطويلة، وعلى مدى عدة شهور في أوساط الهيئات القيادية، فلم تعد سورية مكاناً مناسباً لممارسة «حماس» نشاطاتها، وتواصلها مع الداخل، ولم تعد مكاناً وملاذاً آمناً لقياداتها، كما كان عليه الأمر سابقاً.
كما أن حركة الدخول والخروج من وإلى سورية فقدت «سلاستها»، وأصبحت صعبة للغاية، يضاف إلى ذلك كله، المجازر الوحشية التي يقوم بها النظام السوري أصبحت تشكل حرجاً أخلاقياً ومعنوياً شديداً لقيادة "حماس" وهذا من أهم الدوافع التي عملت على اتخاذ "حماس" لهذا القرار أن «المجازر الوحشية» التي وقعت في حمص وإدلب وحماة وغيرها من المدن السورية، أصبحت تشكل حرجاً أخلاقياً ومعنوياً شديداً لقيادة «حماس»، التي باتت المجازر والجرائم تقع على مقربة منها، دون أن تحرّك ساكناً، ولعلّ ذلك كان من أهم الدوافع التي عملت على اتخاذ «حماس» هذا القرار الخطير المهم، إلى جانب العامل المتعلّق بالضغوط التي بدأ يمارسها النظام لدفع «حماس» نحو اتخاذ مواقف تأييد للنظام السوري، وهو ما تجنّبته قيادة «حماس» طوال عام الأزمة.
ولكن اتخاذ «حماس» قرارها بـ«الخروج» من سورية لم يغيّر من سياسة «حماس» الإعلامية، التي رأت أن الحكمة تقتضي التزام «الصمت» وعدم الدخول في مواجهات ومناكفات إعلامية، مع الأجهزة الإعلامية الرسمية للنظام، أو الأجهزة الإعلامية المستقلة، التي تدور في فلك النظام. خرجت «حماس» من سورية بعد مرور أكثر من عقد من الزمان على وجود قياداتها فيها، ولكنه جاء «خروجاً» هادئاً وتدريجياً دون صخب، وهو ما عدَّه مراقبون وسياسيون حكمة وحنكة من قيادة عجنتها وصقلتها الأزمات والمحن.