الحرية .. نبض الثورات العربية

الرئيسية » خواطر تربوية » الحرية .. نبض الثورات العربية
alt
ليس غريباً أن نرى الملايين من أبناء الشعوب العربية، تصحوا من سباتها، وتخرج على سجّانيها وسرّاق حريتها وحقوقها، لتطالب باسترداد ما سلب منها على مدار عقود طويلة، وتُسقط كلّ من يحول دون نيلها والتمتع بها. لذا كانت مطالبهم بالحرية الوقود الأساسي المحرك لهذه الملايين على اختلاف أماكنها وجغرافيّتها، في مشاهد متكررة من حيث الشكل والمضمون.

فالحرية بالنسبة لهؤلاء، تعتبر أساساً لإنسانيتهم وكرامتهم، خصوصاً بعد أن عاشت الشعوب العربية لعقود طويلة كعيشة البهائم، تَأكل وتَشرب، ثم تُقتل وتُجلد، وتُحبس وتُنفى، دون ذنب أو جريمة سوى معارضتها وإنكارها أو عدم رضاها عن تصرفات السلطة.

وبناء على ذلك فقد ملّت الشعوب حالة الاستبداد والقتل، ومصادرة الحريات، تحت ادعاءات عديدة بعيدة عن الواقع، أو استغلال لظروف معينة، مما أدى إلى إزهاق أرواح مئات الآلاف من الشهداء، ناهيك عن المعتقلين والمعذّبين وغيرهم من الضحايا، و مصادرة حرياتهم لحساب فئات معينة، تتنعّم بمقدرات شعوبها وتتحكم بها، ثم تدّعي بعد ذلك أنها تقدّم لها كل ما يحقق التطور والرقي، وتطلب من شعوبها شكرها والوقوف إلى جانبها ضد كل من يظهر عيوبها ويكشف سوءاتها.

إن الثورات العربية المباركة أضافت مفردات جديدة على التاريخ العربي الحديث، كمراقبة السلطة ومحاسبتها، وإسقاطها وتغييرها، ورفض أي أمر يخل بمصالح الأمة وسعيها للتقدم والعزّة. لكن المفردة الأهم هي إعادة صياغة مفهوم الحرّية، بما يتوافق مع روحها وفلسفتها الحقيقية، وخلافاً لما عايشته الشعوب طيلة سنوات وعقود، فهي أكدّت على أنها كل متكامل لا تقبل التقسيم ولا التجزئة، وأنها لا بد وأن تكون حرّة في جميع صورها وأنواعها، فهي لا تقبل التملّك، وترفض أن يمسك أحد بزمامها،
المتأمّل في حالة الثورات العربية، يتأكد بأن الحرية لا تُوهب ولا تُهدى، بل تُنتزع انتزاعاً من فم الاستبداد، ويتم الحصول عليها بالتضحية والصبر على ما يقوم به الطغاة من ممارسات لحماية سلطتهم وصونها عن الزوال. يفرج عن بعضها متى يشاء، ويهدرها ويلغيها بأي حجة كانت من تلك الحجج التي سوّقتها الأنظمة حيث سئمت الآذان من سماعها وترديدها، إضافة لما سبق، فالحرية التي يطالبون بها، هي حرية دائمة، لا تقبل التوقيت، بحيث ننعم بها خلال فترة محدودة، ثم نحرم منها بعدها.

إن المتأمّل في حالة الثورات العربية، يتأكد بأن الحرية لا تُوهب ولا تُهدى، بل تُنتزع انتزاعاً من فم الاستبداد، ويتم الحصول عليها بالتضحية والصبر على ما يقوم به الطغاة من ممارسات لحماية سلطتهم وصونها عن الزوال. فحرية الشعوب عدو الاستبداد الأول؛ لأن الاستبداد والديكتاتورية، لا يستمران إلا بقتل الحرية ووأدها ، وتغييب من يطالب بها، ومن يناصرها ويسير على خطاها. ومن هنا كانت الحرية أساس العزة والتمكين، فلا يمكن أن تكون الشعوب حرّة أبية، وعزيزة منيعة، وهي تهاب من سجّانها، يمنحها الفتات من حقوقها وحريّاتها، ثم يطلب منها شكره والتسبيح بحمده.

لقد غاب عن الأنظمة العربية أن لكل فعل رد فعل، وأن لكل استبداد ثورة شعبية، تطيح به وتجعله عبرة للآخرين على مرّ التاريخ. الأمر الذي جعلهم يتنكرون لأبسط الحقوق التي تطالب بها شعوبهم، وهو ما زاد شعوبهم إصراراً وثباتاً على نيلها بغض النظر عن ثمنها الباهظ، وطريقها الشاقة العصيبة. فالشعوب من حقها أن تنعم بكافة صور الحرية، وأن تتمتع بحقوقها السياسية والاقتصادية وغيرها، كسائر الشعوب والأمم الأخرى، وهي ليست أقل منهم شأناً، ولا أدنى منهم مرتبة، ومع ذلك  فإن وقوف السلطة الحاكمة ضد حقوقهم،  أوصلهم إلى نتيجة نهائية مفادها، أن حريتهم المسلوبة، لا يمكن أن تعود إلا بالوقوف والمواجهة، ولا يمكن أن تنال بالوعود، والآمال، وزوال حكومة، أو قدوم أخرى.

إن الثورات العربية لم تكن على شخص معين، أو فئة معينة، بقدر ما هي على الاستبداد ومن يمثله، أياً كانت جنسيته، أو فكره، وانتماؤه، وهي بهذا تخرج عن طور المؤامرة الذي وضعها فيه أعداؤها، ووصفها به منتقدوها من رجالات السلطة ومن عاونهم.
إن الثورات العربية لم تكن على شخص معين، أو فئة معينة، بقدر ما هي على الاستبداد ومن يمثله، أياً كانت جنسيته، أو فكره، وانتماؤه، وهي بهذا تخرج عن طور المؤامرة الذي وضعها فيه أعداؤها، ووصفها به منتقدوها من رجالات السلطة ومن عاونهم. فهي ثورة خرجت من رحم المعاناة، ومن أقبية السجون، وتحت الضرب والإهانة، وسلب الحقوق كافّة، لتنزع بكل قوة أركان الظلم ومقوماته، حتى تبزغ شمس الحرية والتطور والنمو. وهي ستكون البداية لتطور شامل، في جميع المناحي والمجالات، وبنفس الوقت، ستكون مقدمة لتحقيق مكانة سياسية للدول العربية، مما ينعكس إيجاباً على كافة القضايا ويزيل الكثير من المشاكل التي عانت منها الشعوب طيلة عهود الظالمين الغابرة.

 

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتب فلسطيني، حاصل على الدكتوراه في الفقه وأصوله، متخصص في موضوع السياسة الشرعية.

شاهد أيضاً

ماذا لو علمت أنه رمضان الأخير!! (2-2)

إن الصحابة والتابعين - رضوان الله عليهم أجمعين - أدركوا فضل الصوم خاصة وفضل شهر …