وصلت الحرب الحالية ضد المشروع الإسلامي في بلدان الربيع العربي وفي غيرها إلى مرحلة خطيرة، تستهدف صيرورات، بل وحياة المشروع ككل، بعد التقدّم الكبير الذي حقّقته الصَّحوة الإسلاميَّة بمختلف ألوان طيفها الفكري والسياسي، والذي صار خطرًا كبيرًا على عروش الاستبداد وقوى الاستكبار الاستعماريَّة العالميَّة.
ولقد بدت البغضاء من أفواههم بوضوح، وما تخفي صدورهم أكبر لو كنّا نعلم، سواء في مصر أم في تونس، أو حتى في بلدان أوروبا الغربيَّة؛ حيث بدأت الصَّحوة الإسلامية في إحداث الكثير من التأثيرات على هذه المجتمعات، وهو ما بدا في الكثير من المظاهر، وخصوصًا في تحولات الرأي العام هناك إزاء القضيَّة الفلسطينيَّة بحيث وصل الأمر إلى درجة إصدار القضاء في بعض البلدان الأوروبية لقرارات ملاحقة دوليَّة في حق قادة سياسيين وعسكريين إسرائيليين على خلفية الجرائم التي تُرتَكب في فلسطين.
ومن بريطانيا؛ حيث تمَّ اعتقال الشيخ رائد صلاح قبل أشهر، وتشديد إجراءات وقوانين الهجرة، إلى الدانمارك؛ حيث شهد هذا البلد الأوروبي تجمعًا دوليًّا مناهضًا للإسلام في الأيام الأخيرة، وصولاً إلى فرنسا، التي منعت صراحة دخول رموز وأئمة كبار، على رأسهم الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، من دخول أراضيها لحضور المؤتمر السنوي لاتحاد المنظمات الإسلاميَّة في فرنسا.
كل هذا يُكوِّن فيما بينها صورة تترابط أطرافها من خلال النظر إلى ما يجري في مصر وتونس من قوى تدافع مضادة للمشروع الإسلامي الآخذ في التنامي في كل المسارات والمستويات، السياسيَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة.
تتحالف كل القوى المناهضة للمشروع الإسلامي الآن لمواجهته
وتتحالف كلّ القوى المناهضة للمشروع الإسلامي فيما بينها حاليًا في مواجهته، بما فيها قوى كان بينها خصومة فكريَّة وسياسيَّة طويلة، مثل قوى اليسار والليبراليين في مصر وتونس، وبلدانٍ عربيَّة أخرى، والذين تحالفوا مع بعضهم البعض ومع غُلاة العلمانيين في مواجهة تيارات الصحوة الإسلاميَّة، بالتعاون مع قوى تقليديَّة تابعة للأنظمة القديمة المخلوعة.
وتحظى قوى الممانعة والتدافع المضاد هذه بدعم كبير من الخارج، ومن وسائل الإعلام المحسوبة على الأنظمة القديمة أو الحالية في البلدان التي لم تشهد ربيعًا ثوريًّا شعبيًّا، وتروج- ما استطاعت- لمجموعة من الأكاذيب المرسومة بدقة شديدة إما لتشويه الصورة، أو للترويج لمزاعم باطلة بأنَّ الإسلاميين هم استنساخ للأنظمة القديمة، مع اختلاف الإطار، وإن لم تتبدل الصورة.
الغرب يدعم ويدفع:
هذه الحالة تجد دعمًا كبيرًا من جانب الغرب، الذي يدعم بالسياسة والمال والإعلام أطروحات الليبراليين والعلمانيين ومعارضي التيار الإسلامي بشكل عام.
ولو اطلعنا على نموذج لذلك، وهو جدل الجمعيَّة التأسيسيَّة التي شكلها البرلمان المصري بمجلسَيْه، الشعب والشورى مؤخرًا، والتي سوف تكتب الدستور المصري الجديد، وما يروج له دعاة الليبراليَّة والعلمانيَّة في بلادنا من الإسلاميين قد استحوذوا على الجمعيَّة لأنفسهم، فإنَّه بغضِّ النظر عن تهافت حجج هؤلاء، فإنَّ الإعلام الغربي يروّج وبقوّة لهذه المزاعم.
فصحيفة الليبراسيون (Liberation) الفرنسية، نشرت افتتاحية بتاريخ 31 مارس، بعنوان "الإسلاميون سيقومون بصياغة الدستور"، ردَّدت الصحيفة ما يُقال في بعض وسائل الإعلام في مصر من أنَّ الإخوان المسلمين والسلفيين يسيطرون على الجمعيَّة التأسيسيَّة، مشيرة الصحيفة على وجه الخصوص إلى أن رئيس الجمعيَّة هو نفسه رئيس مجلس الشعب الدكتور محمد سعد الكتاتني "الذي ينتمي إلى جماعة الإخوان"، بحسب تعليق الصحيفة.
وبالتدبر في صياغات الكلام والجُمَل أيضًا المستخدمة من جانب الصحيفة الفرنسيَّة، سوف نجد التأييد والترويج الواضحَيْن لما يطرحه التيار العلماني والليبراليين، وتصويره على أنَّه خطاب الأغلبيَّة، أو على الأقل خطاب شريحة كبيرة من المجتمع.
وهو أولاً طرح مشترك كثيرًا ما نقرؤه في مصر وتونس وفي غيرهما عند الحديث عن خريطة توزيع القوى السياسيَّة والاجتماعيَّة في بلدان عالمنا العربي والإسلامي، وثانيًا كلام يجافي الحقائق التي أفرزتها صناديق الانتخابات والاستفتاءات التي أوضحت تمكُّن مشروع الصحوة في المجتمعات العربيَّة.
فالصَّحيفة أشارت إلى أنَّ "الليبراليين والعلمانيين قرَّروا الانسحاب من الجمعيَّة فور الإعلان عن تشكيلها"، وقالت إنهم يرون أن هذه الجمعية "لا تمثل كافة طوائف المجتمع المصري".
وتشير الصحيفة إلى أنَّه في ظل هذا المناخ الذى يتسم بالتوتر والخلاف، سعى المجلس العسكرى الحاكم فى البلاد إلى القيام بدور الحكم ما بين الطرفَيْن، إلاَّ أنَّه- كما تقول الجريدة- "اختار بصورة علنية معسكره؛ حيث أكَّد (رئيس المجلس) المشير طنطاوي على أنَّ الدستور القادم للبلاد يجب أن يمثل كلّ طوائف المجتمع، كما التقى بالعديد من الأحزاب السياسية بهدف إيجاد مخرج للأزمة".
وتقول الجريدة الفرنسية: إنَّ جماعة الإخوان "لا تبالي بالانتقادات الموجهة إليها"، وأنَّها "لا تخشى حدوث أية مواجهة، اعتمادًا منها على قوة شرعية الانتخابات الماضية".
قبل ذلك بيوم واحد، وفي يوم 30 مارس نشرت صحيفة (The Christian Monitor) الكريستيان ساينس مونيتور الأمريكيَّة، تقريرًا تحت عنوان : "الليبراليون في مصر ينسحبون تاركين الإسلاميين يضعون الدستور"، كتبت كريستين تشيك تقول: "بدأت في مصر العمليَّة التي من المفترض أن تصبح أحد أهم إنجازات الثورة في مصر (كتابة دستور جديد للبلاد) وسط جدل حول كثافة التمثيل الإسلامي في الجمعيَّة التأسيسيَّة التي تم اختيارها لصياغة الدستور".
وذكرت الكاتبة أنَّ الأعضاء المستقيلين قد اشتكوا من أنَّ حزب الحرية والعدالة المنبثق عن جماعة الإخوان المسلمين وحزب النور السلفي عملا على التسريع بعملية اختيار أعضاء الجمعيَّة للدفع بمرشحيهم، ممَّا أسفر عن هيمنة إسلاميَّة على الجمعيَّة وعدم التمثيل الكافي للمجموعات التي تمثل أقليَّة والأيديولوجيات السياسية الأخرى.
اللافت أنَّ الكاتبة اعتبرت أنَّ ذلك الوضع- سيطرة الإسلاميين- هو الوجه المضاد لمصر ديمقراطيَّة، فترى الكاتبة أنَّ الدستور سوف يحدّد إلى أيّ مدى ستصبح مصر دولة ديمقراطيَّة، وذلك من خلال وضع الخطوط العريضة للتوازن بين سلطات الرئاسة والبرلمان.
وتشير الكاتبة أيضًا إلى أنَّه إذا مضت العملية قُدُمًا دون أن تتوصل جماعة الإخوان المسلمين إلى أيّ حل وسط، فإنها من الممكن أن تؤدّي إلى وضع دستور يرفضه الكثير من المصريين، مما يسفر عن عدم استقرار في البلاد!
هذه هي الصورة على الجانب الآخر، فماذا عنَّا نحن في الصحوة الإسلاميَّة؟!.. أقل ما يجب في هذه المرحلة هو تحصين الجبهة الداخليَّة، وهو ما لن يتأتى إلا من خلال توحيد الكلمة والموقف في الصف الإسلامي، أيًّا ما كان الاتجاه الفكري، وأيًّا ما كان المشروع السياسي.