المعرفة في فكر الإمام البنا (1-5)

الرئيسية » بصائر تربوية » المعرفة في فكر الإمام البنا (1-5)

هي أركان عشرة طالب الإمام البنا المجاهدين من الإخوان أن يحفظوها ، وليس الحفظ في تسميعها عن ظهر غيب فقط ، وإنما الحفظ في العمل بها وفهمها ونشرها، وهذا هو سر مخاطبة المجاهدين من العاملين في الصف ، وهي في مجملها إعادة ترسيخ لمفاهيم إسلامية اندرست لعوامل مختلفة ، فأراد الإمام الاضطلاع بإحيائها عن طريق غرسها وفهمها وحملها والعمل بها والقيام بنشرها ، وبما تتطلبه هذه المراحل من تحمل لأعباء ومشقات ، وأداء لتكاليف جسام ، وتقديم لجهود مضنية .

يقول الإمام في ذلك : ( فهذه رسالتي إلى الإخوان المجاهدين من ( الإخوان المسلمون ) ، الذين آمنوا بسموِّ دعوتهم ، وقدسية فكرتهم ، وعزموا صادقين على أن يعيشوا بها ، أو يموتوا في سبيلها ، إلى هؤلاء (الإخوان) فقط أوجه هذه الكلمات ، وهي ليست دروسًا تحفظ؛ ولكنها تعليمات تنفَّذ ، فإلى العمل أيها الإخوان الصادقون : ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ ( التوبة: 105) ، ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ ( الأنعام : 153).

أما غير هؤلاء.. فلهم دروس ومحاضرات ، وكتب ومقالات ،ومظاهر وإداريات ، ولكلٍّ وجهةٌ هو مولِّيها فاستبقوا الخيرات ، وكلاً وعد الله الحسنى ) .

وقد كثرت شروح العلماء الأجلاء للأركان ، وستتواصل الشروح ، ربما لسر مكنون فيها، حيث إنها حصيلة أعمال وخلاصة جهاد ،فبالفعل جاءت أركاناً لتحقيق أهداف الدعوة ، في أول ميادينها : ميدان المفاهيم ، وأحسب أن الأركان العشرة تدور حول خمسة مفاهيم ، أراد الإمام أنتحملها الطليعة المجاهدة ، في أولي أعمالها لإرساء المشروع الإسلامي وتحقيق الحرية المنشودة ، ولن تتحرر أوطاننا المحتلة مدنياً أو عسكرياً إلا بقطع هذه الأشواط العشرة أو الخطوات العملية التنفيذية العشرة ، وأولها هذه المفاهيم الخمسة : ( المعرفة والتنفيذ والبذل والاستمرار والحماية ) ،والممثلة في البيعة على أركانها العشرة : ( الفهم والإخلاص والعمل والجهاد والتضحية والطاعة والثبات والتجرد والأخوة والثقة ) .

فما مفهوم المعرفة عند الإمام البنا ؟

المعرفة ليست نظريات تلقن أو متون تحفظ ، وإنما هي فهم وإخلاص ، يسيران معاً إن حدث خلل في أحدهما فالتأثير فوري على الآخر ، وذلك لأن كلاً منهما يعرف بآثاره ، وينتشر بعمقه ، ويؤثر في الآخرين على حسب تمكنه في القلوب والأرواح ، ووفق هذه المفهوم تكون الدافعية للعمل والجهاد ، ولذلك أراد الإمام أن يجمع الأمة على فهم شامل وسطي متوازن فتتوحد قوتها

الفكرية، ودعاها إلى الإخلاص بعد توحدها الفكري لتتوحد قوتها النفسية الإيمانية المعنوية ، وخلاصة الوحدتين : السير في صراط مستقيم والدعوة إلى الله، فيعمل لهدف وجهاد صحيح .

وتقوم المعرفة على ركنين من الأركان العشرة بالترتيب الذي أورده الإمام :

أولاً : ركن الفهم :

وفق الأصول العشرين ، والتي أجملها في قوله : ( أن توقن بأن فكرتنا إسلامية صميمة ، وأن تفهم الإسلام كما نفهمه ، في حدود هذه الأصول العشرين الموجزة كل الإيجاز ) ، فالعبرة بجودة الفقه ، وصحة الفهم ، وسلامة الإدراك ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد ) ،ويقول صلى الله عليه وسلم : ( نضر الله امرءاً سمع منا حديثاً ، فحفظه حتى يبلغه غيره ، فرب حامل فقه , إلى من هو افقه منه ، ورب حامل فقه ليس بفقيه ) ، وفي ذلك يقول الإمام ابن القيم : " صحة الفهم ، ووحسن القصد من أعظم نعم الله على عبده ، بل ما أعطي عبد عطاءً بعد الإسلام أفضل ولا أجل منهما ،هما ساقا الإسلام ، وقيامه عليهما ، وبهما يأمن العبد طريق المغضوب عليهم ،الذين فسد قصدهم ، وطريق الضالين الذين فسدت فهومهم ، ويصير من المنعم عليهم الذين حسنت أفهامهم ، ومقاصدهم ، وهم أهل الصراط المستقيم في كل صلاة، وصحة الفهم نور يقذفه الله في قلب العبد ، يميز به بين الصحيح والفاسد ،والحق والباطل ، والهدي والضلال ، والغي والرشاد " أعلام الموقعين.

والمتأمل في الأصول العشرين يجد أن الإمام البنا جعل الأصول قسمين :

قسم يضم العشرة الأوائل بالترتيب وهي بمثابة التأسيس ، الذي تجتمع عليه الأمة ،بداية من شمول الإسلام لكل مظاهر الحياة حتى يصل بفاهمها إلى أسمي عقائد الإسلام ، وقد تفهم مصدر التلقي الصحيح فيتمسك به ، ومصادر التلقي الخاطئ فيحذرها ، مروراً بتعريفات دقيقة للمنكر وسبل محاربته ، والمصلحة ودور العاطفة والاجتهاد والتقليد والخلاف وقيمة الوقت ، ومن هنا يمتلك العقيدة السليمة الدافعة .

ثم القسم الثاني الذي يضم العشرة الثانية : وهي بمثابة التنقية، لهذه العقيدة السليمة ، مبيناً حكم البدعة والمقابر والتوسل والعرف وعمل القلب وإعمال العقل والنظر الشرعي وقضية التكفير .

ثانياً : ركن الإخلاص :

يقول عنه الإمام البنا : ( وأريد بالإخلاص : أن يقصد الأخ المسلم بقوله وعمله وجهاده كله وجه الله ، وابتغاء مرضاته وحسن مثوبته من غير نظر إلى مغنم أو مظهر أو جاه أو لقب أو تقدم أو تأخر، وبذلك يكون جندي فكرة وعقيدة ، لا جندي غرض ومنفعة ، ﴿قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ ( الأنعام:162 ) ، وبذلك يفهم الأخ المسلم معنى هتافه الدائم (الله غايتنا) و(الله أكبر ولله الحمد).

وكمال المعرفة كمفهوم ليس بترديد شعارات لا روح فيها ، إنما تبعث فيها الحياة،حينما تنقلب من كلمات تقال ، إلى قناعة وتبني وعمل وجهاد ، ابتغاء وجه الله ومرضاته طلباً للأجر والثواب، وعلامة النجاح في ذلك ، أن يكون من يرددها ( جندي فكرة وعقيدة ) ، لا ( جندي غرض ومنفعة ) ، وهكذا يكون الإخلاص غذاءً للفهم ، والفهم علامة على الإخلاص .

بهذه المعرفة الشاملة العميقة يكون الفرد مؤهلاً للعمل ، وحمل أعباء هذه الدعوة ، بعيداً عن السطحية أو الضعف ، وهما ما تعاني منهما بعض الحركات ، فأراد الإمام أن تتوحد الأمَّة ، على ثقافة الإسلام الجامع ، ومعرفة الدين القيم ، للانطلاق في عمل صالح وجهاد حقيقي ، لترسيخ مفهوم التنفيذ عند حملة الرِّسالة .

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …