في سابقة هي الأولى في تاريخ القضية الفلسطينية، شارك يوم الجمعة الماضية وفد برلماني مصري يضم 24 نائباً في مسيرة القدس العالمية في قطاع غزة احتفالاً بالذكرى 36 ليوم الأرض .
أعلن الوفد البرلماني الذي قوبل بترحيب وهتاف من قبل نحو 100 ألف مشارك في المسيرة في القرب من بيت حانون عن كامل تأييده ودعمه للقضية الفلسطينية ، حيث أكَّد الدكتور محمد السعيد إدريس رئيس الوفد من أعلى منصة قادة الفصائل الفلسطينية وفي القلب منها قادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) كامل التأييد الشعبي المصري للقضية الفلسطينية، مؤكّداً أنَّ القضية الفلسطينية لم تغب يوماً عن ثورة الخامس والعشرين من يناير، وقال: كنا في ميدان التحرير نسعى لإسقاط الطاغية حسني مبارك وفي عقلنا وقلبنا التقدّم لحمل راية الأمَّة لاستعادة الأقصى وتحرير الأرض.
وأضاف: كنا نهتف الشعب يريد تحرير فلسطين، وهتف إدريس وسط الجموع الفلسطينية : " ما أخذ بالقوَّة لا يسترد إلاَّ بالقوة"، ولا مكان لدينا لمعاهدات كامب ديفيد ووادي عربة، وأضاف مخاطباً الجموع الفلسطينية : إذا كانت مصر قد غابت عنكم إلاَّ أننا أسقطنا الطاغية المستبد الذي انحرف ببوصلة الأمن القومي العربي، ثمَّ قال في نبرة قوية : سوف نحاكمه على ما فرَّط فيه من ثوابت الأمَّة ، ومصر ستعود كريمة عزيزة لشعبها، وقال مخاطباً الحكام العرب: شرعيتكم من فلسطين ووحدة الأمَّة وعزّتها من هنا من غزَّة .
وسط هذه الأجواء كنت مرافقاً للوفد البرلماني، لم أكن بجسدي فقط، بل بكل مشاعري ووجداني، فهذه المرَّة الأولى التي تطأ فيها قدماي أرض العزَّة والكرامة غزة المقاومة والشموخ ، حاولت مراراً على مدى سنوات الحصار المفروض على غزة دخول القطاع ضمن وفود شعبية تارة، ومع وفود برلمانية تارة أخرى، إلاَّ إنّنا كنّا نمنع مرَّة قبل دخول شبه سيناء، ومرة أخرى فوق كوبري السَّلام، وإذا استطعنا أن نخترق كل الحواجز الأمنية للوصول إلى غزَّة، فكان آخر ما نستطيع أن نصله هو رفح المصرية، وعلى المعبر تتحطم آمالنا بدخول أرض العزّة .
هذه الزّيارة التي بدأت يوم الأربعاء الماضي، وانتهت مساء يوم الجمعة حملت العديد من الدّلالات التي تعكس صراع الإرادات والتحوّل الكبير المرتقب في القضية الفلسطينية، على مستوى الجانبين الفلسطيني والمصري.
التطورات المصرية ..
على المستوى المصري، عكست الزيارة العديد من المستجدات الإيجابية في دعم القضية الفلسطينية؛ إذ أصبح التعامل الأمني المصري مع الملف – على الأقل ما الشعب المصري – عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير مختلفاً ، فكم من مرَّة حاولت وفود برلمانية دخول غزّة للتضامن مع شعبها إلاَّ أنَّها كانت تمنع ، وكانت تحجز مواد الإغاثة التي كانت برفقتهم، إلاَّ أنَّ الأمر اختلف هذه المرَّة، فقد استقبلت الوفد البرلماني في صالة كبار الزوّار بالمعبر، بل وتمكّن النواب من القيام بدورهم الرّقابي بالتفتيش على معبر رفح والسّماع لأقوال المسؤولين في المعبر بعد سماع المشكلات والمعاناة التي يعاني منها المسافرون عبر المعبر، وخلص الوفد إلى حزمة من المشكلات سوف يطلبون من السلطة التنفيذية القضاء عليها.
والأهم من كلِّ ذلك وبعد الوقوف على أبعاد مشكلة نقص السولار واستمرار أزمة الحصار على غزة، فإنَّ الوفد البرلماني شارك في مسيرة القدس العالمية في غزّة ووقفوا على المنصة وسط آلاف الفلسطينيين في رسالة قوّية إلى فلسطين والعدو الصهيوني وإلى الحكومة المصرية:
أمَّا رسالة فلسطين، فقد أعلنها الوفد بكلِّ قوَّة أنَّ النوّاب الذين يمثلون كل الأطياف السياسية المصرية قد أتوا عن بكرة أبيهم لدعم القضية الفلسطينية شعبياً ورسمياً،
أمَّا رسالة فلسطين، فقد أعلنها الوفد بكلِّ قوَّة أنَّ النوّاب الذين يمثلون كل الأطياف السياسية المصرية قد أتوا عن بكرة أبيهم لدعم القضية الفلسطينية شعبياً ورسمياً، وأنَّهم لم يتخلوا يوماً من الأيام خاصة بعد زوال نظام طالما استغل من قبل الأمريكان والصهاينة لكسر شوكة الإرادة الفلسطينية بالحصار تارة وبمباركة الحرب الصهيونية الغاشمة على غزة
أمَّا الرِّسالة التالية، فكانت للعدو الصهيوني، وقد شعرت ذلك بكلِّ قوَّة وأنا أقف برفقة النواب أعلى منصة المسيرة في بيت حانون وظهر يبتعد نحو 200 متر من بنادق قوات الاحتلال، فأدركت حينها أنَّ في ذلك رسالة قوية، بأننا لا نخشى بنادقكم، وأنَّ ظهورنا ستكون من الآن فصاعداً درعاً لحماية أبناء الشعب الفلسطيني، وأنَّ الشعب المصري الذي اختار هؤلاء النواب بات هو الظهير القوى للقضية، وكان في ذلك رسالة قويّة أيضاً إلى الحكومة المصرية الحالية، وإلى الحكومة التي ستأتي عقب انتخاب رئيس جديد مفادها أننا كنواب في البرلمان المصري نعبّر عن إرادة المصريين الحقيقة، لن نسمح لكم الخنوع للإدارة الامريكية، والمشاركة في الحصار الظالم المفروض على قطاع غزة .
التطورات الفلسطينية ..
أمَّا على الجانب الفلسطيني، فقد كانت هناك مجموعة من الملاحظات، فطالما سمعت عن جرأة وشجاعة أبناء غزة الذين تصدوا في حرب الفرقان لثالث أقوى قوة عسكرية في العالم، استطاعت عام 1967 أن تحتل أراضي 5 دول عربية في 6 ساعات فقط إلاَّ أنني لم أكن أتخيّل هذا الصمود قوة الارادة التي شاهدتها على وجوه الأطفال وفي تصرفات الكبار، لاحظت وأنا أقف على المنصة أن هناك حالة من الهرج والمرج بالقرب من أقرب نقطة في بيت حانون مع قوات الاحتلال، فقالوا لي: إنَّ الشرطة الفلسطينية تحاول منع الصبية الفلسطينيين من الاحتكاك بالصهاينة؛ حيث رجال بمعنى الكلمة في سن 14 و 15 عاماً تدفعهم الغير والمبادرة والشجاعة للنيل من جنود الاحتلال الذين كانوا يتراصون بشكل مستفز والرعب يسيطر عليها، فلمست جرأة داخل صدور عارية تواجه آلة الحرب والتدمير الصهيونية دون خوف أو فزع أو هلع، فأدركت حينها أنَّ أصحاب هذه الإرادة لا يمكن أن يهزموا، وسينالون حقوقهم كاملة في يوم من الأيام .
معاناة أهل القطاع تقذمت أمام غايتهم الكبرى وهي تحرير بيت المقدس
وأدركت أيضاً أنَّ هذا الشعب البالغ تعداده 1800 ألف مواطن يقطنون القطاع، والذي يعاني من مشكلة ندرة السولار وانقطاع الكهرباء تحدّى كلّ هذه المعاناة حتى لا يتخلّى عن مسيرة القدس العالمية ، فلم ينغمس في همومه الحياتية التي عانيت منها شخصياً على مدى الأيام الثلاثة التي قضيتها، وأدركت أنَّ هناك هدفاً أسمى وأغلى من رغد العيش ألا وهو تخليص بيت المقدس والمسجد الأقصى من دنس الاحتلال، فلم ينغمس كمئات الالاف من العرب والمسلمين في الملذات وفي البحث عنها، بل سار على الأقدام لتوقف الكثير من السيارات لندرة الوقود حتى وصل على مكان المسيرة .
شعرت وأنا في طريقي إلى المسيرة داخل حافلة مكيفة ويسير حولي الآلاف من الأخوات والشباب والرِّجال والأطفال أيضاً بفارق كبير بيني وبين هؤلاء ، حرص إخواننا المنظمون على ألاّ نتكبّد عناء السير إلى هذه المسيرة واصطحبونا حتى أقرب نقطة لا يمكن بعد التحرك إلا سيراً على الأقدام، شعرت أنني كمصري ضمن شعب من عشرات الشعوب العربية كم أننا مقصرون في حق هؤلاء المرابطين، ننعم نحن في ملذات العيش، ونبحث عن سبل الرَّاحة، ونغض الطرف عن أهل غزة المرابطين في وجه العدو الصهيوني .
رسالة للصهاينة ..
رغم أنَّ حدث مشاركة وفد برلماني مصري في مسيرة القدس ليس بالأمر الجلل إلاَّ أن إخواننا في غزَّة وعلى رأسهم أبو العبد إسماعيل هنية رئيس الوزراء الفلسطيني، قد اعتبروا هذه الزيارة والمشاركة في المسيرة بالنسبة لهم عملاً عظيماً، حيث حمل رسالة رمزية واضحة للعدو الصهيوني بأنَّ الحكومة القادمة في مصر، والتي ستتشكل من الأغلبية البرلمانية لن تكون سابق حكومات النظام البائد، فملف القضية الفلسطينية سوف يكون على رأس أولوياتها، وأنها لن تكون ظهيراً للصهاينة، فالمعادلة قد تغيَّرت تماماً الآن، بل ستكون الدّرع الحامي للقضية الفلسطينية التي حمل أهل فلسطين وحدهم راية الدّفاع عنها طوال العقود الماضية.