الحاج محمود إبراهيم الصمادي / موقع مؤسسة فلسطين للثقافة
لم يكنْ الحاج أمين الحسيني زعيماً لفلسطين فقط، بل كان زعيماً عربياً وإسلامياً، لم يألُ جهداً في مناصرة الشعوب المستضعفة، لا بالكلام فقط، وإنّما بالمال والنفس والوقت، لقد كان بحق مجاهداً لا يخشى إلا الله، فقد جاهد في فلسطين وخزّن الأسلحة في القدس استعداداً للمعركة المرتقبة وبعد أنْ تمّ اكتشاف أمره تخفّى وهرب إلى لبنان ومنه إلى سورية والعراق للمشاركة في الثورة التي أعلنها رئيس الوزراء العراقي رشيد عالي الكيلاني ضدّ بريطانيا، فساهم فيها مساهمة كبيرة وقد أعلن تشرشل جائزة مقدارها 25 ألف جنيهاً ذهبياً لمن يأتي بالمفتي حياً أو ميتاً.
وقاتل في البوسنة والهرسك بعد أنْ أسّس للمسلمين هناك فرقتيْن عسكريتين لمواجهة الصرب ومجازرهم وقد أصدر الجنرال تيتو بعد انتهاء الحرب وسيطرته على يوغسلافيا حكماً غيابياً بإعدام المفتي.
لم يُجِدْ اللعب السياسية كثيراً لأنّه كان يعرف في قرارة نفسه تفسير قوله تعالى: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } (البقرة،120).
وقبل هذا كلّه ساهم في نصرة الثورة السورية الكبرى عام 1925 وكان له فيها موقف عظيم فلنستمع إلى هذا الموقف:
يدلي الأستاذ زهير مارديني في كتابه "فلسطين والحاج أمين الحسيني" بشهادة تاريخية بحق الحاج أمين تدل على عروبته وإسلاميته يقول في ص60:
"في الخامس عشر من تشرين الأول 1924 في الساعة الثالثة صباحاً طرق طارق باب سماحته، لقد جاء هذا المجهول من جبل الدروز بعد أنْ قطع على قدميْه الطرق الجبلية الوعرة القائمة بين السويداء والقدس ولقد عرفه سماحته رغم تخفّيه كان الرجل "رشيد بك طليع" أحد كبار أصدقاء الملك فيصل الأول ملك العراق، كان رائداً في الجيش العثماني وما أنْ قامت الثورة العربية حتى التحق بها.....
عندما لمح الاستغراب الذي أحدثته زيارته المفاجئة على وجه المفتي الأكبر قال له شارحاً له مهمته: "ستقوم الثورة في سورية خلال أيام ولقد كلفتني القيادة الاتصال بك كي أحيطك بذلك علماً فتقوم نحوها بالواجب، إنّ سلطان باشا الأطرش والدكتور شهبندر يرجوان منك أنْ تساهم بدفعة أولى قدرها ألف ليرة ذهبية".
قال له الحاج أمين:
- ستأخذها في الصباح!
رد عليه رشيد:
- ولكنني لا أستطيع الانتظار حتى ذلك الوقت. فالزمن يلحّ ويجب أنْ أعود في الحال ولا تنسَ أنّي ملاحق من قبل الإنكليز".
عندئذ أيقظ المفتي الأكبر حارسه وأرسله في الحال إلى مدير البنك العثماني ومعه كتاب يطلب فيه منه أنْ يسلم حامله المبلغ دون تأخير. وسلّمها إلى رشيد طليع وأرسل حرساً ثلاثة من خيرة أعوانه فرافقوه حتى السويداء.
وما إنْ سافر رشيد طليع حتى قام المفتي الأكبر بجولة بحجّة تفتيش مكاتب الإفتاء في فلسطين كي يدعو الشعب إلى المشاركة في الثورة فترك كثيرٌ من أصدقائه وظائفهم وعائلاتهم كي يقاتلوا في سورية ولم يدعْ المفتي حيلة يقدّم بها المساعدات المالية والسلاح إلا ولجأ إليها".
هذه الحادثة حصلت عام 1924 وكان المفتي عمره سبعاً وعشرين عاماً، أيْ في عزّ الشباب وكان في منصب الإفتاء منذ ثلاث سنوات، لذلك ودَّع السياسة وأهلها وحمل راية الجهاد بالرغم من منصبه الكبير وبرغم سنّه الصغير لأنّه كان يعرف النوايا السيئة التي تُحاك ضد فلسطين والعالم الإسلامي، لم يعرْ الحسابات السياسية أدنى اهتمام ولم يهادنْ أو يتذرع كما يفعل الكثيرون اليوم من أجل منصبٍ أو جاه أو مال، ضحّى بكل شيء وعاش في المنافي شريداً طريداً بعيداً عن الأقصى والقدس وفلسطين وملاحق في أغلب بلدان العالم حتى من دول ذوي القربى.
{youtube}Tg1MROCU194{/youtube}