جامع الزيتونة .. ماضٍ عريق ومستقبل واعد

الرئيسية » بصائر من واقعنا » جامع الزيتونة .. ماضٍ عريق ومستقبل واعد
alt

افتتح في العاصمة التونسية  يوم الأربعاء 4 أبريل (نيسان) باب التسجيل للدراسة في جامع الزيتونة بمدينة  العتيقة، بعد إغلاق متعمّد لتغييب دوره في  تعليم وتربية الجيل المسلم، ليس في تونس فحسب، وإنّما في الشمال الإفريقي وعموم الأقطار العربية والإسلامية، وقد كانت أبواب الهيئة العلمية للجامع مغلقة بأمر قضائي في عهد الرئيس الأسبق بورقيبة، والرئيس الهارب زين العابدين بن علي.
وبعد فوز حركة النهضة الإسلامية في الانتخابات التشريعية، وتشكيلها الحكومة التونسية، أسدل الستار عن سنوات القمع وتكميم الأفواه وحصار الصَّوت الإسلامي المعتدل الذي يحمي الحقوق الوطنية ويحافظ على ثوابت  الدَّولة التي تشكّل  تعاليم الإسلام واللغة العربية الأساس في بنائها والحفاظ على وجودها، ومن المعالم التي شيّدت للحفاظ على الهوية العربية والإسلامية في تونس في وجه الاستعمار الفرنسي ومعاول التغريب كان جامع الزيتونة الذي سيعود من جديد ليضطلع بدوره في تعليم الشباب العلوم الشرعية المختلفة والفكر النيّر الرّصين، وتربيتهم على الخلق الفاضل.
ووسط حضور أهالي مدينة العتيقة التي يقع فيها جامع الزيتونة، تمَّ فتح الأقفال  التي صفّدت بها  أبواب الهيئة العلمية للجامع بإذن قضائي أنهى إغلاق هذه المؤسسة التعليمية والإرشادية، وفي أوّل أيّام التّسجيل، حضر العشرات من المتعطشين للعلم والمعرفة من الشبان والفتيات التونسيين للالتحاق بمقاعد للدراسة في أقدم جامعة عريقة، لينهلوا من معينها علوم الشريعة واللغة العربية، من العقيدة والفقه والتفسير والأخلاق والمنطق والسِّيرة النّبويّة وغيرها.

تاريخ عريق ..

هو جامعة وجامع، ويعدُّ أقدم جامع في تونس بعد المسجد الجامع في القيروان، وثاني الجوامع التي بنيت في إفريقية بعد جامع عقبة بن نافع في القيروان، يرجّح المؤرخون أنَّ من أمر ببنائه هو حسان بن النّعمان عام 79 هـ، وقام عبيد الله بن الحبحاب بإتمام عمارته في 116 هـ/ 736م. ويعدُّ كذلك أوّل جامعة في العالم الإسلامي؛ حيث بدأت دروسها قبل 1300 سنة.

منارة معمارية ..
alt
يتميّز جامع الزيتونة بالإضافة إلى الدَّور الرِّيادي الذي يقوم به منذ عقود في تعليم  العلوم الشرعية والعربية، بجمالية المعمار والبناء فيه، إذ تظهر الهندسة الأموية تحاكي الهندسة التي بني عليها جامع القيروان، وتتمثل أهم هذه العناصر في بيت صلاة على شكل مربع غير منتظم وسبع بلاطات مسكبة معمّدة تحتوي على 15متراً مربعاً، وهي مغطّاة بسقوف منبسطة. وقد اعتمد أساساً على الحجارة في بناء جامع الزيتونة مع استعمال الطوب في بعض الأماكن.
وتتميّز قبّة محرابه بزخرفة كامل المساحة الظاهرة في الطوابق الثلاثة بزخارف بالغة في الدقة تعدُّ النموذج الفريد الموجود من نوعه في العمارة الإسلامية في عصورها الأولى.

دور ومكانة ..

لم يكن جامع الزيتونة مكاناً للصلاّة والعبادة والدعاء والذّكر فحسب، وإنَّما كان منارة للعلم والمعرفة والتربية والتعليم، حيث تقام  في أركانه وزواياه  عشرات الحلقات العلمية المتخصصة في علوم الشريعة كافة، ويجتمع الطلاب من مختلف الجنسيات والأعمار متحلقين حول الأئمة والعلماء والمشايخ للاستزادة من علوم الدين  مقاصد الشريعة.
وبمرور الزَّمن أخذ التدريس في جامع الزيتونة يتخذ شكلاً نظامياً حتّى غدا في القرن الثامن للهجرة عصر (ابن خلدون) بمثابة المؤسسة الجامعية التي لها قوانينها وتقاليدها ومناهجها وإجازاتها، ولعب الجامع دورًا رائداً في نشر الثقافة العربية الإسلامية في بلاد المغرب العربي، وأصبحت تشدّ إليها الرِّحال من مختلف أنحاء المغرب العربي طلبا للعلم أو للاستزادة منه.

علماءُ الزيتونة ..

من أبرز رموز هذه جامع الزيتونة علي ابن زياد مؤسسها، وأسد بن الفرات، والإمام سحنون صاحب المدوّنة في الفقه المالكي، وتخرّج منه آلاف العلماء والمصلحين الذين عملوا على إصلاح أمّة الإسلام والنهوض بها، إذ لم تكتف جامعة الزيتونة بأن تكون منارة تشع بعلمها وفكرها في العالم وتساهم في مسيرة الإبداع والتقدّم وتقوم على العلم الصّحيح، وإنما كانت إلى ذلك قاعدة للتحرّر والتحرير من خلال إعداد العلماء والقادة، وترسيخ الوعي بالهوية العربية الإسلامية؛ ففيها تخرج المؤرخ ابن خلدون وابن عرفة، وإبراهيم الرياحي، وسالم بوحاجب، ومحمد النخلي، ومحمد الطاهر بن عاشور صاحب تفسير ((التحرير والتنوير))، ومحمد الخضر حسين، شيخ جامع الأزهر، والمصلح عبد العزيز الثعالبي، وشاعر تونس أبو القاسم الشابي، والطاهر الحداد، ورائد الإصلاح في الجزائر العلاَّمة ابن باديس وغيرهم.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

من عوامل ثبات أهل غزة

قال تعالى: {مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم …