صفات متعددة للمربي المتميز الناجح الذي يفهم ويستوعب عمله، ومن الصفات أن يكون أبا أو عالمًا أو شيخًا أو صديقًا أو زميلاً، فهو يتنوع باختلاف طبيعة المرحلة التي يعمل فيها على تربية المربَّى
وهناك صفات كثيرة للمربي وأهمها: الصدق، الأمانة، العلم، الصلاح، الحكمة، والعدل.
1- الصدق: معناه مطابقة الخبر للواقع في الأقوال، والأفعال، وهو زينة الكلام وأشرف الفضائل والمزايا الخلقية أن يكون الإنسان باطنه موافقًا لظاهره بحيث إذا عمل عملاً يكون موافقًا لما في قلبه.
وقد حذر النبي– صلى الله عليه وعلى آله وسلم- المرأة المسلمة التي نادت ولدها لتعطيه، فسألها: "ماذا أردت أن تعطيه؟" قالت: "أردت أن أعطيه تمرًا"، فقال: "لو لم تعطيه شيئًا كُتبت عليكِ كذبة". ومن مظاهر الصدق ألا يكذب المربي مهما كان السبب، لأن المربي إذا كان صادقاً اقتدى به المربَّى، وإن كان كاذباً ولو مرة واحدة أصبح عمله ونصحه هباء، وعليه الوفاء بالوعد الذي وعده للمربَّي، فإن لم يستطع فليعتذر إليه.
2- الأمانة: وتتضمن كل الأوامر والنواهي التي شملها الشرع في العبادات والمعاملات، ومن مظاهر الأمانة أن يكون المربي حريصًا على أداء العبادات، آمرًا بها أولاده، ملتزمًا بالشرع في شكله الظاهر وفي الباطن، فيكون قدوة في بيته ومجتمعه، متحليًّا بالأمانة، يسلكُ في حياته سلوكًا حسنًا وخُلُقاً فاضلاً مع القريب والبعيد في كل حال وفي كل مكان؛ لأن هذا الخُلُق منبعه الحرص على حمل الأمانة بمعناها الشامل.
3- العلم: عُدَّةُ المربي في عملية التربية، فلا بد أن يكون لديه قدر من العلم الشرعي، إضافة إلى فقه الواقع المعاصر. والعلم الشرعي: هو علم الكتاب والسنّة، ولا يطلب من المربي سوى القدر الواجب على كل مكلف أن يتعلمه، وقد حدده العلماء بأنه القدر الذي يتوقف عليه معرفة عبادة يريد فعلها، أو معاملة يريد القيام بها، فإنه في هذا الحال يجب أن يَعرف كيف يتعبد الله بهذه العبادة وكيف يقوم بهذه المعامل.
وإذا كان المربي جاهلاً بالشرع فإن المربَّون ينشئون على البدع والخرافات، وقد يصل الأمر إلى الشرك بالله.
وبالنظر في أحوال الناس نجد أن جل الأخطاء العَقَدية والتعبدية إنما ورثوها عن آبائهم وأمهاتهم، ويَظَلُّون عليها إلى أن يقيّض الله لهم من يعلمهم الخير ويربيهم عليه، كالعلماء والدعاة والصالحين أو يموتون على جهلهم.
والمربي الجاهل بالشرع يحول بين أبنائه وبين الحق بجهله؛ وقد يعاديه لمخالفته إياه، كمن يكره لولده كثرة النوافل أو ترك المعاصي أو الأمر بالمعروف أو طلب العلم أو غير ذلك.
ويحتاج المربي أن يتعلم أساليب التربية الإسلامية ويدرس عالم الطفولة؛ لأن لكل مرحلة قدرات واستعدادات نفسية وجسدية، وعلى حسب تلك القدرات يختار المربي وسائل زرع العقيدة والقيم وحماية الفطرة السليمة، ولذا نجد اختلاف الوسائل التربوية بين الأولاد إذا اختلفت أعمارهم، بل إن الاتفاق في العمر لا يعني تطابق الوسائل التربوية؛ إذ يختلف باختلاف الطبائع.
وعلى المربي أن يعرف ما في عصره من مذاهب هدَّامة وتيارات فكرية منحرفة، فيعرف ما ينتشر بين الشباب والمراهقين من المخالفات الشرعية التي تَفدُ إلينا؛ ليكون أقدر على مواجهتها وتربية الأبناء على الآداب الشَرعية.
4- الصلاح: إن لصلاح المربي أثر بالغ في نشأة الأطفال على الخير والهداية، وقد قال سبحانه: (وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا) (الكهف: من الآية 82)، وتشمل بركة عبادته لهم في الدنيا والآخرة، بشفاعته فيهم، ورفع درجتهم إلى درجته في الجنة لتقر عينه كما جاء في القرآن ووردت به السنة.
5- الحكمة: وهي وضع كل شيء في موضعه، وتحكيم العقل وضبط الانفعال، ولا يكفي أن يكون قادرًا على ضبط الانفعال واتباع الأساليب التربوية الناجحة فحسب، بل لا بد من استقرار المنهج التربوي المتبع؛ لأن التناقض سيعرض المربَّى لمشكلات نفسية، وعلى هذا ينبغي التعاون على الأسلوب التربوي المناسب.
6- العدل: كان السلف خير أسوة في العدل بين أولادهم، حتى كانوا يستحبون التسوية بينهم في القُبَل، وعاتب النبي- صلى الله عليه وسلم- رجلاً أخذ الصبي وقبَّله ووضعه على حجره ولما جاءت بنته أجلسها إلى جانبه، فقال له: "ألا سوَّيت بينهما"، وفي رواية "فما عدلت بينهما".
والعدل مطلوبٌ في المعاملة والعقوبة والمكافأة، ولا يجوز تمييز أحد على أحد في المعاملة، ولا يعني العدل تطابق أساليب المعاملة، بل يتميز الصغير والطفل العاجز أو المريض، وذلك لحاجتهما إلى العناية.
ويظهر هذا الخلق العظيم منه صلى الله عليه وسلم في أبهى صورة ، عندما يطلب ممن ظن أنه أخطأ في حقه، أن يستوفي حقه ، بالقود منه ، فعن أبي سعيد الخدري قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم شيئًا، أقبل رجل فأكب عليه، فطعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرجون كان معه، فخرج الرجل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تعال فاستقد"، قال: بل قد عفوت يا رسول الله".