العزلة هي إيثار حياة التفرد على حياة الجماعة، وذلك بأن يكتفي العامل بإقامة الإسلام في نفسه، غير مبال بالآخرين، وبما هم فيه من ضياع وهلكة، أو أن يقيم الإسلام في نفسه، ويسعى جاهدًا لإقامته في الناس، ولكن بجهود فردية بعيدة عن التعاون والتآزر من بقية العاملين في الميدان، وهذا ما لا يجوز وخاصة بعد الثورة المصرية المجيدة التي يجب بعدها العمل بفعالية واجتهاد.
أسباب العزلة:
1- الوقوف عند بعض النصوص الشرعية المرغبة في العزلة، مع الغفلة عن موقعها من النصوص الأخرى الداعية إلى حياة الجماعة، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: "يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شغف الجبال، ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن"، وكقوله في حديث حذيفة بن اليمان: ".. فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة، حتى يدركك الموت، وأنت على ذلك".
والعامل الذي يقف عند النصوص المرغبة في العزلة ناسيًا أو متناسيًا صلتها بالنصوص الأخرى الداعية إلى مخاطبة الجماعة، والعيش في رحابها، يُبتلى أو يُصاب لا محالة بآفة العزلة أو التفرد.
2- الوقوف عند ظاهرة العزلة التي أثرت عن بعض السلف مع الغفلة عن الظروف التي دعت إلى ذلك، مثل أبو ذر، وابن عمر، ومعهما جمع من الصحابة يعتزلون جماعة المسلمين، ويعيشون وحدهم لما وقعت الفتنة، وقد كان الباعث لهم على ذلك، صيانة أيديهم أن تغمس في دماء زاكية، طهرها الله، ولا يُعرف مَن المصيب ومَن غير المصيب.
وهذا هو الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة، يقضي أخريات أيام حياته في عزلة بعيدًا عن الناس، وقد كان عذره، تجنب مصادمة السلطات حقنًا لدماء المسلمين.
3- الغفلة عن طبيعة تكاليف مخالطة الجماعة والعيش بين الناس إذ إن طبيعة هذه التكاليف كثيرة وضخمة وتستوعب حياة الإنسان من أول يوم إلى آخر يوم، وقد لا تنتهي، وغالبًا ما تكون على خلاف ما تهوى الأنفس، وما لم يكن العامل منتبهًا إلى ذلك، فإنه يعمل نفسه من
التزكية والتربية، والمجاهدة وتسيطر عليه الأهواء والشهوات، وبمرور الأيام يضعف ويعجز عن القيام بهذه التكاليف، وحينئذٍ يبحث عن مخرج أو ملجأ فلا يجد سوى العزلة أو التفرد.
4- التذرع بأن مخالطة الناس تشغل عن التفرغ للعبادة مع الغفلة عن المفهوم الصحيح للعبادة من صلاة إلى صيام إلى قراءة القرآن إلى ذكر إلى دعاء إلى استغفار إلى تفكر... إلخ، مع الغفلة عن المفهوم الصحيح للعبادة.
على أن مخالطة الناس لا تمنع أن يكون للمسلم أوقات يخلو فيها بنفسه ليؤدي واجبًا، أو يتقرب إلى الله بنفل أو يحفظ علمًا، أو يحقق مسألة، أو يتلو قرآنًا، أو يذكر ويتفكر، أو يحاسب نفسه، وذلك هو معنى قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "خذوا حظكم من العزلة".
5- صحبته نفر من المسلمين منهجهم العزلة وسيرتهم التفرد، نظرًا لأن المرء شديد التأثر بقرينه، لاسيما إذا كان هذا القرين ذا شخصية مؤثرة وممن يقتدي أو يتأسى به.
يقول صلى الله عليه وسلم: "الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل".
آثار العزلة:
1- جهلهم بأبعاد ومعالم شخصيتهم؛ لأن الإنسان- مهما يكن ذكاؤه، ومهما تكن فطنته- لا يمكنه وحده أن يعرف أبعاد ومعالم شخصيته معرفة دقيقة من أثرة وأنانية أو إيثار، وتعاون، إلا إذا عاش بين الناس وخالطهم، بل لا بد من آخرين يعينونه على ذلك، ولعل هذا الأثر هو المفهوم من قوله صلى الله عليه وسلم "المؤمن مرآة المؤمن... ".
2- حرمانهم من المعين الذي يمكن أن يأخذ بأيديهم ويساعدهم على إصلاح عيوبهم، ذلك أن الإنسان قد يُهدى إلى عيوبه، وحين يختار العزلة أو التفرد يحرم هذا المعين، ويبقى طوال حياته غارقًا في المعاصي والسيئات.
3- قلة رصيدهم من الخبرات والتجارب التي تعينهم على مواجهة كل ما يعترض طريقهم من صعاب وعقبات، ذلك أن العمل لدين الله طريق مليئة بالأشواك محفوفة بالمخاطر، والمسلم الحصيف الذكي هو الذي تكون لديه الخبرة أو التجربة التي تمكنه من التغلب على هذه المخاطر من خلال العيش مع الناس ومخالطتهم.
طرق الوقاية من العزلة:
1- الفهم التام للعلاقة أو الصلة القائمة بين النصوص الشرعية المرغبة في العزلة والأخرى الداعية إلى مخالطة الناس ولزوم الجماعة.
2- الفهم التام للظروف أو الأسباب التي دعت بعض السلف إلى العزلة أو التفرد.
3- الإلمام الدقيق بمنهج الإسلام في التوفيق بين الفردية والجماعية.
4- مجاهدة النفس وأخذها دوما بالشدة والحزم.
5- فهم الدور الواجب على المسلم حين ينتشر الشر ويعم الفساد.
6- اللجوء التام إلى الله عز وجل والاستعانة الصادقة به، فإن من يستعين بالله يعينه الله.
7- التخلص من صحبة مَن كان منهجهم العزلة وسيرتهم التفرد مع ملازمة صف العاملين.
8- الوقوف على حقيقة المنهج الذي سلكه رسول الله صلى الله عليه وسلم في تشييد صرح ودولة الإسلام الأولى فإن ذلك يعين على التخلص من العزلة، ويحمل على الانحياز للجماعة اقتداء وتأسيًا به صلى الله عليه وسلم.
9- إدراك أن أعداء الله من الكافرين والمنافقين يتعاونون فيما بينهم ويعملون لضرب الإسلام مجتمعين لا متفرقين في شكل أحلاف عسكرية: (حلف وارسو - حلف الأطلنطي)، وفي شكل أسواق تجارية: (السوق الأوروبية المشتركة)، وفي شكل برلمانات وهيئات سياسية: (البرلمان الأوروبي)، وفي شكل اتحادات جمهورية وولاياته (جمهوريات الاتحاد السوفيتي، والولايات المتحدة الأمريكية).