مساء السابع عشر من نيسان- ابريل عام 2004م ككل مساء أدّى المصلّون صلاة العشاء في مساجدهم، لكن ليس ككل مساء خرجوا في مسيرات عشوائية بعد الصلاة متجهين نحو مشفى الشفاء بغزة، ونحو بيت القائد الشهيد، لقد ارتفعت أصواتهم بالبكاء حزناً، وبالهتاف غضباً على رحيله، إنَّه الطبيب الثائر، صقر فلسطين، عبد العزيز الرنتيسي الذي اغتالته يد الإجرام الصهيوني حين قصفت سيارته بالصواريخ، ليرتقي بذلك لربّه، خاتماً خاتمة مسك حياته الدنيا التي قضاها في خدمة الجهاد والمقاومة، مدافعا ومنافحاً عن أرض فلسطين المغتصبة.
المولد والنشأة:
وُلِد عبد العزيز علي عبد الحفيظ الرنتيسي عام 1947م في قرية يبنا، وانتقل مع أسرته صغيراً إلى غزة عام 1948م، ثمَّ التحق بالمدرسة واضطر للعمل صغيراً من أجل إعانة أسرته، وكان أن وفقه الله حتى تخرج من كلية الطب بجامعة الإسكندرية عام 1972م، ونال منها لاحقاً درجة الماجستير في طب الأطفال.
العمل المهني:
عمِل طبيباً مقيماً في مستشفى ناصر في خانيونس، ثمَّ عمل في إدارة المجمّع الإسلامي، وفي الجمعية الطبية العربية بقطاع غزة والهلال الأحمر الفلسطيني، كما عمِل في الجامعة الإسلامية في غزة منذ افتتاحها عام 1978م محاضراً ومدرساً.
من اعتقال لآخر:
إنَّه الطبيب الثائر، صقر فلسطين، عبد العزيز الرنتيسي الذي اغتالته يد الإجرام الصهيوني حين قصفت سيارته بالصواريخ، ليرتقي بذلك لربّه، خاتماً خاتمة مسك حياته الدنيا التي قضاها في خدمة الجهاد والمقاومة
كان الدكتور الرنتيسي أحد مؤسّسي حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في غزة عام 1987م، وكان أول من اعتُقل من قادة الحركة بعد إشعال الانتفاضة الفلسطينية الأولى، و بعد شهر من الإفراج عنه تم اعتقاله ليبقى محتجزاً في سجون الاحتلال مدة عامين ونصف العام، حيث وجّهت له تهمة المشاركة في تأسيس و قيادة حماس وصياغة المنشور الأول للانتفاضة، أطلق سراحه في أيلول 1990م، لكن الاحتلال عاود اعتقاله بعد مائة يوم فقط، حيث اعتقل إدارياً لمدة عامٍ كامل .
خرج من السجن ليباشر دوره في قيادة حماس، وأخذ يدافع بقوة عن ثوابت الشعب الفلسطيني وعن مواقف الحركة الخالدة، ويشجّع على النهوض من جديد، لكن ذلك لم يرق للسلطة الفلسطينية التي قامت باعتقاله تحت ضغط من الاحتلال كما قال له بعض المسؤولين الأمنيين في السلطة الفلسطينية، وأفرج عنه بعد 15 شهراً بسبب وفاة والدته وهو في المعتقلات الفلسطينية.
لكنَّه استغل مدَّة اعتقاله، حيث أتمَّ حفظ كتاب الله في المعتقل عام 1990م، بينما كان في زنزانة واحدة مع الشيخ المجاهد أحمد ياسين، وله قصائد شعرية تعبّر عن انغراس الوطن والشعب الفلسطيني في أعماق فؤاده، وهو كاتب مقالة سياسية تنشرها له عشرات الصحف .
في 1992م أبعد مع 416 مجاهد من نشطاء وكوادر حركتي حماس والجهاد الإسلامي إلى جنوب لبنان، حيث برز كناطقٍ رسمي باسم المبعدين الذين رابطوا في مخيم العودة في منطقة مرج الزهور، لإرغام سلطات الاحتلال على إعادتهم، وكان لهم ما أرادوا؛ حيث نجحوا في كسر إرادة الاحتلال، ورغبته في إبعادهم وعادوا للوطن.
وبعد يومين على اغتيال الزعيم الروحي لحركة حماس الشيخ ياسين في 22 آذار- مارس عام 2004م، اختير الدكتور الرنتيسي زعيماً للحركة في قطاع غزة خلفاً للشيخ.
يد الغدر تمتد للشهيد:
في العاشر من حزيران – يونيو عام 2003م نجا الدكتور عبد العزيز من محاولة اغتيال فاشلة نفّذتها قوات الاحتلال الصهيوني، عن طريق هجومٍ شنته طائرات مروحية صهيونية على سيارته، حيث استشهد أحد مرافقيه وعدد من المارة بينهم طفلة .
ولكن روح القائد المجاهد تاقت إلى بارئها، و أحبت جواره، فكان أن ارتقى إلى ربه شهيداً مساء السابع عشر من نيسان- إبريل مع اثنين من مرافقيه بعد أن قصفت سيارتهم طائرات الأباتشي الصهيونية في مدينة غزة، ليكون استشهاده خاتمة مسك لحياته التي قضاها حافلة بالجهاد في سبيل الله، من أجل تحرير فلسطين، تقبّل الله الشهيد القائد ورزقه الفردوس الأعلى.