حاكميَّة الحق وضرورته في سعي الإنسان

الرئيسية » بصائر الفكر » حاكميَّة الحق وضرورته في سعي الإنسان
alt

"الحق" هو أحد أهم المفاهيم والمصطلحات التي عُنِيَت بها العلوم الاجتماعيَّة والسياسيَّة، وكذلك الفقهيَّة، ويختلف تعريف "الحق" باختلاف النظرة إليه، ما بين علماء الاجتماع والسياسة وبين علماء الأصول والفقه، ولكنَّه وبشكل عام  يعدُّ أحدَ أهم المفاهيم المحورية التي تدور حولها الكثير من المفاهيم الأخرى ذات الأهميَّة الكُلِّيَّة الكبرى في حياة الإنسان في هذه الدنيا، على مختلف المستويات الحضاريَّة والفكريَّة والفلسفيَّة والدينيَّة.

والحق هو أحد أسماء الله الحسنى، فهو عزَّ وجل الحق في ذاته وصفاته، أي أنه واجب الوجود، كامل الصفات والنعوت، ووجوده من لوازم ذاته، ولا وجود لشيء من الأشياء إلاَّ به، فهو الذي لم يزل، ولا يزال، بالجلال والجمال والكمال موصوفًا.

والله هو الحق، فلم يزل ولا يزال بالإحسان معروفًا، فقوله حق، وفعله حق، ولقاؤه حق، ورسله حق، وكتبه حق، ودينه هو الحق، وعبادته وحده لا شريك له، هي الحق، وكل شيء ينسب إليه.. يقول الله عز وجل في كتابه العزيز، في سورة "الحج": ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (62)﴾.
يعرف علماء الأصول والفقه  الحق على أنَّه "هو ما منحه الشرع للناس كافة على السواء، وألزم كلاً منهم باحترامه وعدم الاعتداء على ما هو لغيره"

وفي اللغة يعني "الحق" المُكْنَة لشيء ما، أو القوَّة، أو القدرة على فعل شيء ما، وفي الاصطلاح الشرعي، حقَّ اللهُ الأمر حقًّا، أي أثبته وأوجبه، ويعرفه علماء الأصول والفقه على أنَّه "هو ما منحه الشرع للناس كافة على السواء، وألزم كلاً منهم باحترامه وعدم الاعتداء على ما هو لغيره"، وهو أيضًا "هو الشيء الثابت لله أو للإنسان على الغير بالشرع".

وأركان الحق في المفهوم الشرعي، هي:

- صاحب الحق، وهو من ثبت له الحق وهو الله سبحانه وتعالى، أو الإنسان، مع الفارق في صاحب الحق وحقه في الحالتَيْن.

- مَن عليه الحق، وهو المَدين بالحق، فالمُكلَّف مدين لله بأداء الفروض الواجبه عليه من صلاة وصيام وزكاة وحج وغير ذلك، والمشترى مدين بالثمن للبائع، وهكذا

- مصدر الحق، وهو في كلِّ الأحوال الشارع الحكيم، فالله هو الذى عيَّن حقوقه وحقوق عباده في شريعته، والتي تنزَّلت في القران الكريم، أو جاءت في صحيح السنة النبوية الشريفة، وهو ما يُعرَف بحاكميَّة الشريعة، فلا حق من دون أصل شرعي.

- محل الحق، وهو المصلحة الثابتة، والمصلحة الثابتة لله، هي الفروض من صلاة وصيام وزكاة وحج وجهاد.
الحق "هو قدرة إرادية يعترف بها القانون للشخص ويكفل حمايتها من أجل تحقيق مصلحة معينة".

وانطلاقًا من التعريف الشرعي السَّابق؛ عرَّف القانونيون والحقوقيون الحق انطلاقًا من إرادة التكليف والمصلحة، فرأى بعضهم من أنصار تغليب الإرادة أنَّ الحق "هو قدرة إرادية يعترف بها القانون للشخص ويكفل حمايتها من أجل تحقيق مصلحة معينة".

بينما يُغلِّب البعض الآخر في نظرته للحق الجانب الخاص بالمصحلة، ويقولون: إنَّه لو توقف الأمر على الإرادة، ما كان لغير ذوي الأهليَّة- على سبيل المثال- أيَّة حقوق، ويعرفون الحق في هذا الإطار، على أنه "مصلحة يحميها القانون مخولاً لصاحبها سلطة القيام بالأعمال اللازمة لتحقيق هذه المصلحة".

وللحق مجموعة من الخصائص، وفق مفهومه في الفكر الإسلامي ولدى القانونيين والحقوقيين؛ ومن بينها: أنَّه ثابت ومحدَّد ومطابق للواقع، وكذلك هو واجب وصحيح وصادق، وبالتالي فهو لازم.

ومن ذلك، تعريف حقوق الإنسان، فحقوق الإنسان، هي الحقوق والحريات المستحقة لكل شخص لمجرد كونه إنسانًا، حتى لو كان ناقص الأهليَّة أو لا يتمتع بإرادة مستقلة.

ويستند مفهوم حقوق الإنسان، الأساسيَّة، والسياسيَّة والاجتماعيَّة، على الإقرار بما لجميع أفراد الأسرة البشريَّة من قيمة وكرامة أصيلة، وأهم حقوق الإنسان، وهي المعروفة بحقوق الإنسان الأساسيَّة، الحياة والكرامة الإنسانيَّة والحريَّة، وخصوصًا الحريَّة في التعبير والانتقال وأداء الشعائر الدينيَّة.

ولقد أقرَّ الإسلام حقوق الإنسان كاملةً غير منقوصة، وألزم بها الناس جميعًا، وفي مقدمها الحق الحياة ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [سورة "المائدة"- من الآية "32"].. وحق في الحريَّة، بما في ذلك حريَّة الدين والعقيدة.. ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ [سورة "البقرة"- من الآية "256"].

وغير ذلك سائر حقوق الإنسان، بما فيها ما أقرته الثورة الفرنسيَّة والدساتير الحديثة ومواثيق وعهود حقوق الإنسان، مثل الحق في الملكيَّة، والحق في التعليم، وحق تكوين الأسرة، وحق العمل، وحق التعبير عن الرأي، وبما في ذلك الحقوق السياسيَّة، مثل الحق في الانتخاب، لتكون المجالس العامة والمحليَّة.

ومن بين أبرز المصطلحات أو الجوانب التي يتربط بها مفهوم الحق في حياة الإنسان في هذه الدنيا، هو مفهوم الواجب، أي الأمر اللازم على الإنسان القيام به، فلا حقوق من دون واجبات، كما إنه لا مسئوليَّة من دون سلطات، فلا يمكن للإنسان أن يطالب بحقوقه وفق المفهوم الشرعي والقانوني، من دون أن يقوم بما عليه من واجبات تجاه نفسه وتجاه الآخرين من حوله، وصولاً إلى مستوى المجتمع والدولة والحاكم.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
"باحث مصري في شئون التنمية السياسية والاجتماعية، حاصل على بكالوريوس في العلوم السياسية والإدارة العامة من جامعة القاهرة عام 1997م، كاتب في موقع "بصائر"، عمل سكرتيرًا لتحرير مجلة "القدس" الشهرية، التي كانت تصدر عن "مركز الإعلام العربي" بالقاهرة، وعضو هيئة تحرير دورية "حصاد الفكر" المُحَكَّمة، له العديد من الإصدارات، من بينها كتب: "أمتنا بين مرحلتين"، و"دولة على المنحدر"، و"الدولة في العمران في الإسلام"، وإيران وصراع الأصوليات في الشرق الأوسط"، وأخيرًا صدر له كتاب "أسس الحضارة والعمران في القرآن الكريم"، وله تحت الطبع كتاب بعنوان "الدولة في العالم العربي.. أزمات الداخل وعواصف الخارج".

شاهد أيضاً

إلى أي مدى خُلق الإنسان حرًّا؟

الحرية بين الإطلاق والمحدودية هل ثَمة وجود لحرية مطلقة بين البشر أصلًا؟ إنّ الحر حرية …