إن الاقتداء بسيد الخلق ليس شعارا يتردد أو نداءً يُنشد, لكنه أمر من الملك سبحانه للأمة (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) (21) الأحزاب ..
وحينما نُقلب النظر في مواقف وأحداث من سيرته العطرة ندرك كم تخلفت البشرية وهي تدعي التقدم حينما تأست بغيره.. وكم أصبح البون شاسعا بين مواقف المسلمين اليوم ومواقف سيد الخلق
حين نرى كيف استطاع صلى الله عليه وسلم تحويل عداوة الأعداء والخصوم الى محبة, وكيف تتسع الخصومة وتتزايد لمسلمي اليوم من خصومهم,وكيف يصف بعض المسلمين مخالفيهم (من المسلمين !) بأسوأ النعوت والأوصاف, ومن هذا وغيره يتضح لنا بجلاء دون أي التباس كم أصبح شعار (الرسول قدوتنا) شعارا دون تطبيق !
غنائم اليوم والأمس
حجب النبي صلى الله عليه وسلم غنائم غزوة حنين عن (أنصاره) وهم أحب الناس وأقربهم اليه, وأكثرهم عطاءً وبذلا واستحقاقا ليُعطيها لغيرهم من المسلمين الجدد¸ ولذلك, واقتداءً بخلق النبي (صلى الله عليه وسلم) تمنينا أن نرى الإسلاميين (في حاضرنا) من أعضاء مجلس الشعب وهم يوزعون (غنائم) الجمعية التأسيسية (إن صح التعبير) فحجبوها بالكلية عن أنفسهم ( وأنصارهم), واختاروا من مسلمي المجتمع من الأزهر والجمعية الشرعية وأنصار السنة وغيرهم بما يضمن وجود مادة الشريعة (التي ارتضاها المجتمع بأسره) ثم اختاروا من أخيار الناس من فقهاء القانون والدستور (وهم كُثر) ثم من بقية طوائف المجتمع حتى من أشد خصومهم, فرطبوا قلوبهم وطيبوا خاطرهم, ووالله لو فعلوها لاستطاعوا تحويل بعض خصومهم الى أحبة, أو على الأقل لجعلوهم على الحياد, وهذا ليس اجتهادا أو ضربا من خيال, لكنه قول الملك الذي خلق ويعلم طبائع خلقه, فهو القائل سبحانه: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ).(34) فصلت.
عدو مُنصف !
حينما صدع النبي (صلى الله عليه وسلم) بدعوة الحق تطاول بعض خصومه عليه ووصفوه بأنه ساحر ومجنون
حينما صدع النبي (صلى الله عليه وسلم) بدعوة الحق تطاول بعض خصومه عليه ووصفوه بأنه ساحر ومجنون, وغير ذلك, لكن بعض مظاهر الانصاف من أشد الخصوم لم تغب من المشهد, ففي قصة بطلها الأول أكبر ملوك الأرض (هرقل ملك الروم) وبطلها الثاني واحد من أكبر أعداء النبي (صلى الله عليه وسلم) هو أبو سفيان بن حرب,الأول ملك نصراني,والثاني قائد وثني..استدعى الملك أبا سفيان ليسأله عن النبي (صلى الله عليه وسلم) فدار بينهما حوار لم يستطع أبو سفيان أن يتجاوز فيه الحقيقة في وصف النبي (صلى الله عليه وسلم) مما جعل هرقل في نهاية الحوار أن يقول: فإن كان ما تقول حقا فسيملك موضع قدمي هاتين, فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه, ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه.
كيف استطاعت اخلاق النبي (صلى الله عليه وسلم) أن تجبر أشد الخصوم والأعداء على قول الحق؟ وكيف نرى خصوم الإسلاميين (اليوم) ينعتونهم بأسوأ النعوت, نعم لن يرضى كل الناس, وسيظل الصراع بين الحق والباطل الى قيام الساعة,لكننا أيضا بحاجة الى تفتيش في الذات, لعلنا نصل الى مراجعة ما تحقق تقليل الخصوم أو تحييد بعضهم..
يمنع .. ويمنح !
لم يتغير خلق النبي (صلى الله عليه وسلم) قبل البعثة وبعدها, إن كان في وقت الضعف أو في زمن التمكين, فقد ارتضاه الناس حكما يقضي في نزاعهم حول من يكون له شرف وضع الحجر الأسود في مكانه في الكعبة, فبسط ردائه ليضع فيه الحجر, ووزع اطراف ثوبه على ممثلي القبائل, وأتصور أن بعضهم كان أجدر (ربما) وأحق من الأخر, لكنه حقق مبدأ (المشاركة) بامتياز دون إقصاء لأحد.
وعندما دخل مكة فاتحا وأصبحت مقاليد الأمور في يده, نجده يعطي لأبي سفيان من الفخر ما يحقق به ترضيته متجاهلا ما كان من عداوته, ونجده يحجب مفتاح البيت عن عمه العباس وعن على بن أبي طالب وغيرهما من المهاجرين والأنصار, وهم أصحاب السبق والفضل والجدارة والاستحقاق ليعطيه لمن منعه يوما من دخول الكعبة,فقد رُوي أن العباس قال للنبي (صلى الله عليه وسلم) : يا نبي الله،اجمع لنا الحجابة والسقاية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أين عثمان بن طلحة, واعطاه مفتاح الكعبة ( وأي شرف هذا),ورفض أن يجمع للعباس بين منصبين أو مهمتين..
إسلاميون زاهدون لكنهم مؤثرون !
كم كان رائعا من الدعوة السلفية أن لا تقدم مرشحا للرئاسة, وكم كان مذهلا أن يجلسون في خيمتهم ويأتي اليهم مرشحو الرئاسة يخطبون ودهم, فيعرضون على المرشحين مطالبهم ليحظوا بتأييدهم, وعندما ذهب قادة الإخوان اليهم كان من المتصور أن تكون الجماعة بتاريخها الطويل مطلوبة لا طالبة !