كان أحمد ذو السبعة أعوام جالساً في إحدى زوايا الغرفة وعيناه مشدودتان نحو شاشة صغيرة، تمضي ببريق متنوع من الألوان البراقة المتحرّكة، ويداه تمسكان بإحكام على جهاز صغير ترتجف أصابعهما من كلِّ رجفة من رجفاته، وتتحرَّك بعصبية على أزرار بألوان وأحجام مختلفة كلّما سكن، وآذان صاغية لأصوات وصرخات وطرقات إلكترونية تخفت حيناً وتعلو أحياناً أخرى لتستولي على من أمامها، فلا يرى ولا يسمع ولا يعي ممَّا حوله إلاَّ هي.
وبطبيعة الحال كانت تلك اللعبة تسمى "القاتل الأول" حيث يزيد رصيد اللاعب من النقاط كلما تزايد عدد قتلاه.
وهنا تعلم أحمد أنَّ القتل شيء مقبول وممتع، ممَّا أثر على علاقته مع إخوانه وزملائه؛ حيث أصبح عنيفاً في التعامل معهم، فما هو خطر ألعاب الفيديو أو ما تعرف بــ"بلاي ستيشن" على الأطفال؟ وما هو البديل عنها؟
كلكم راع ومسؤول عن رعيته
عميد كلية أصول الدين في الجامعة الإسلامية بغزة الدكتور نسيم ياسين قال لـ"بصائر":" إنَّ أطفالنا أمانة في أعناقنا، ويتوجب علينا الاهتمام بهم، وتوجيههم إلى كل ما هو صواب، وذلك اقتداءً بقول رسولنا الكريم "صلَّى الله عليه وسلّم" : ((كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته))، مضيفاً إلى ذلك ما ورد في الحديث الشريف : ((علموا أولادكم الرماية والسباحة وركوب الخيل)).
وأضاف ياسين أنَّ ألعاب "البلاي ستيشن" أو ما تعرف بالألعاب الالكترونية لم تعد حكرًا على الصّغار، بل صارت هوس الكثير من الشباب وتعدى ذلك للكبار، معتبراً أنَّ الرابح الوحيد في هذا المجال هو الشركات الأمريكية واليابانية المنتجة والمسوقة لتلك الألعاب والبرامج.
الجانب الصحي
وأكَّد ياسين على أنَّ هذه الألعاب تؤثر سلبًا على صحة الأطفال، إذ يصاب الطفل بضعف النظر نتيجة تعرضه لمجالات الأشعة الكهرومغناطيسية قصيرة التردد المنبعثة من شاشات الكمبيوتر التي يجلس أمامها ساعات طويلة أثناء ممارسته اللعب، بالإضافة إلى آلام الرقبة وخاصة الناحية اليسرى منها إذا كان الطفل يستخدم اليد اليمنى، وفي الجانب الأيمن إذا كان أعسر.
وأردف قائلاً:" كذلك من أضرارها الإصابة بسوء التغذية، فالطفل لا يشارك أسرته في وجبات الغذاء والعشاء فيتعوَّد الأكل غير الصحي في أوقات غير مناسبة للجسم، مضيفاً أنَّ ألعاب الكمبيوتر لها أضرار كبيرة على عقلية الطفل، فقد يتعرَّض إلى إعاقة عقلية واجتماعية إذا أصبح مدمنًا عليها".
وأشار إلى أنَّ الطفل الذي يعتاد النمط السريع في التكنولوجيا وألعاب الكمبيوتر قد يواجه صعوبة كبيرة في الاعتياد على الحياة اليومية الطبيعية التي تكون فيها درجة السرعة أقل بكثير ممَّا يعرض الطفل إلى نمط الوحدة والفراغ النفسي سواء في المدرسة أو في المنزل.
وتساءل ياسين "هل هذه الألعاب تخدم الجانب التعبدي لدى الأطفال؟ وهل تحافظ على صحتهم؟ والإجابة برأيي لا، لأنَّ هذه الألعاب تقتصر على دور واحد فقط، وهو إضاعة الوقت، وضياع عمر الطفل دون فائدة".
سلوك الطفل
ونوَّه ياسين إلى أنَّ هذه الألعاب لها تأثير سلبي أكثر ممَّا هو ايجابي؛ لأنَّها تقوم بقطع علاقات الطفل مع الآخرين، وتصنع منه شخص عدواني، لأنَّ أكثرها تعتمد على ألعاب المصارعة والقتال بين الأشخاص، وبالتالي تعمل على زرع حب التملك لديهم، ويصبح إنساناً منعزلاً عن الآخرين، و"انطوائياً" لا يخدم إلاَّ نفسه.
وذكر ياسين أنَّها تصنع طفلاً عنيفًا؛ وذلك لما تحويه من مشاهد عنف يرتبط بها الطفل، ويبقى أسلوب تصرّفه في مواجهة المشاكل التي تصادفه يغلب عليه العنف، كما أنَّها تصنع طفلاً أنانيًا لا يفكّر في شيء سوى إشباع حاجته من هذه اللعبة.
وبيَّن أنَّه كثيرًا ما تثار المشكلات بين الإخوة الأشقاء حول من يلعب؟ على عكس الألعاب الشعبية الجماعية التي يدعو فيها الطفل صديقه للعب معه، كما أنَّها قد تعلم الأطفال أمور النصب والاحتيال، فالطفل يحتال على والديه ليقتنص منهما ما يحتاج إليه من أموال للإنفاق على هذه اللعبة.
وعن مدى قدرة تلك الألعاب في جعل الطفل منعزلا وغير اجتماعي، قال ياسين:" إنَّ الجلوس في حدِّ ذاته أمام الكمبيوتر لا يصنع طفلاً غير اجتماعي لأنَّه يتعامل مع جهاز، والجهاز لا يصنع المواقف الاجتماعية والوجدانية، إنَّما هذا الجلوس للتسلية فقط وتنمية الخيال إذا اختير البث المناسب، موضحاً أنَّ الذي يصنع طفلاً غير اجتماعي هو الوسط الذي يعيش فيه الطفل، والتنشئة الاجتماعية.
وأضاف أنَّ المطلوب هو المزج بين التنشئة الاجتماعية الإسلامية الصَّحيحة وبين تنمية الخيال الواقعي لما يشاهده الأطفال"، على حدِّ تعبيره.
الترويح عن النفس
ولفت ياسين إلى أنَّ الترويح عن النفس لا يوجد فيه ضرر، إن كان لوقت محدَّد، وأنَّه لا يمكن محاربة صالات الألعاب بشكل مطلق.
وأوضح أنَّه يمكن الاستفادة من تلك الألعاب بصناعة شيء مفيد للأطفال، عن طريق وضع بعض الألعاب التي تهدف إلى التعاون مع الآخرين وليس حب الذات. منوّهاً إلى أن الطفل يحتاج إلى فترات تسلية وراحة، وأنَّه يجب عدم حرمانهم من حقوقهم في الرعاية والاهتمام.الأسرة التي تتحمّل كافة المسؤولية في تربية أطفالها، وكذلك المدرسة، لان الطفل يقضي نصف نهاره في المدرسة، لذلك يجب العمل سوية على صقل مواهب الطفل وتنميتها وعدم حصرها على جانب واحد.
الفائدة من الألعاب الالكترونية
ومن جانبه، قال مدير عام الوعظ والإرشاد بوزارة الأوقاف بغزة الدكتور يوسف فرحات:" إنَّ الأمر مرهون بداية بمدى المعرفة بالفوائد التي تعود من وراء هذه الألعاب، فإذا كان الهدف منها هو إضاعة وقت الطفل فهي بالتأكيد ستكون ذات جانب سلبي، وإذا كان الهدف منها هو المعرفة وعمل العلاقات، والترويح عن النفس فلا بأس منها".
وبيَّن أنَّ ألعاب الفيديو والكومبيوتر سلاح ذو حدين، فكما أنَّ فيها سلبيات فإنَّها لا تخلو من الإيجابيات لو كان للألعاب الإلكترونية ضوابط رقابية يحرص على تنفيذها بموجب تراخيص نظامية وبإشراف تربوي لكان لها بعض الإيجابيات، بحيث يستطيع الطفل أن يقضي فيها جزءًا من وقت فراغه دون خوف أو قلق عليه، فيمارس ألعابًا شيّقة كالألعاب الرياضية، وألعاب الذاكرة وتنشيط الفكر، وألعاب التفكير الإبداعي.
ونوَّه فرحات إلى أنَّ الألعاب الإلكترونية لها جوانب إيجابية في تنمية مهارات الدقة والمتابعة والتركيز، وأنَّ أساس المشكلة يتمثل في عدم وجود خطة واضحة ومحدّدة لكيفية شغل أوقات فراغ أطفالنا، ممَّا يحمل الأسرة العبء الأكبر في تلافي أضرار هذه الألعاب.
البدائل
وبخصوص البدائل المتاحة، قال فرحات:" إنَّ الطفل في مراحله العمرية يحتاج إلى تنمية مداركه، ومن هذه المدارك تنمية خياله بالأشياء الموضوعية والواقعية، وعلينا أن نوفق بين وسائل الإعلام المرئية وبين وسائل الترفيه الأخرى مثل الألعاب التي تنمي الخيال والإدراك كالمكعبات وألعاب الرياضة الخفيفة مثل تنس الطاولة، وكرة القدم والسباحة، وعدم الاعتماد على العاب الكمبيوتر بشكل خاص".
رسالة للأسرة
ووجَّه فرحات رسالة إلى الأسرة التي تتحمّل كافة المسؤولية في تربية أطفالها، وكذلك المدرسة، لان الطفل يقضي نصف نهاره في المدرسة، لذلك يجب العمل سوية على صقل مواهب الطفل وتنميتها وعدم حصرها على جانب واحد.
وأضاف أنَّه يجب على الوالدين أن يختاروا ما يكون مناسبًا للطفل في عمره، ولا يحتوي على ما يخل بدينه وصحته النفسية، كما أنه لابد من تحديد زمن معين للعب لا يزيد عن ساعة في اليوم، ثمَّ يقضي باقي الوقت في ممارسة الأنشطة اليومية، وألا يكون اللعب بها إلاَّ بعد الانتهاء من الواجبات المدرسية، ولا يكون خلال وجبات الطعام اليومية.
وشدَّد على دور الآباء في عملية التربية, مؤكداً على ضرورة أن يكونوا حازمين على أولادهم، ويعودوهم منذ الصغر على التفكير الايجابي المنطقي، وإقناعهم أن مثل هذه الألعاب لا تجلب إلاَّ مضيعة الوقت وتلهي عن العبادات، وأنَّ الله أمرنا بالتفكير في ملكوت السموات والأرض، ولم يخلقنا من أجل اللعب.
طرق العلاج
ونوَّه إلى أنَّه يمكن إيجاد البديل لتلك الألعاب الالكترونية عن طريق ترجمة ألعاب وبرامج تربوية هادفة، مثل ما قامت به قناة المجد الفضائية للأطفال بترجمة الرسوم المتحركة وإضافة كلمات إسلامية تربوية عليها، ممَّا يمثل عينة جيدة ومحفزة بدلاً من الألعاب الالكترونية، حسب فرحات.
وأضاف أنَّه يمكن برمجة ألعاب خاصة من قبل دعاة وتربويين تدور حول المناسك، والصَّلاة والوضوء وغير ذلك.
وأكَّد فرحات على أنَّه يجب التخلي عن سياسة (الانسحاب) من قبل الدعاة والتربويين وكل المهتمين بهذا الشأن، وأن يدخلوا المجمعات التجارية ليقوّموا العوج فيها، عن طريق إبداء ملاحظاتهم وشكاواهم إلى المسؤولين بالحكمة والموعظة والحسنة.
وبالنسبة لدور أولياء الأمور، قال فرحات:" يجب عليهم أن يكلفوا أنفسهم بفحص ومراجعة ما يشتريه الأبناء والأماكن التي يذهبون إليها، وتنبيههم لخطرها، ومنعهم من استخدامها وإبلاغ المسؤولين بأيّ مخالفات في أيّ مجال ليتم تداركها ومحاصرتها".