تزايدت وطأة الحرب التي يشنّها دعاة العلمانيَّة والليبراليون ومن نحا نحوهم في عالمنا العربي، ضد المشروع الإسلامي الذي صعد بقوَّة مع ربيع الثورات العربية، ولا نجد أمامنا في التعبير عن هذه الحالة أبلغ من قول الله تعالى: "أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ" [سورة "المائدة"].
ويتعلق الأمر وصُلب الخلاف والنزاع بالمنهاج والشِّرعة التي يسعى طرفَيْ المعادلة أو الخصومة السياسيَّة في مجتمعاتنا العربية في الوقت الراهن، إلى فرضها، ما بين منهاج العلمانية والليبرالية الغربية، وبين شريعة الله عزّ وجل التي يسعى أصحاب المشروع الصحوي إلى تطبيقها، كأحد أهم الرسائل التي لأجلها خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان.
والجاهلية المطلقة هي الجاهلية، وإن كانت الجاهلية قد انتهت ببعثة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلا أن هناك جاهلية حديثة لكنها مقيدة ببلد أو بجماعة أو بفرد أو بحكم ما كالجاهلية الغربية بأحكامها، ومن يريد التحاكم إلى الطاغوت من أبناء هذه الأمة.
يتذرع أصحاب الاتجاه المعادي للمشروع الإسلامي بأمر مهم، بأنَّ المشروع الإسلامي سيؤدّون إلى تخلف البلاد والعباد، والعودة بالأوطان العربية والإسلامية إلى العصور الوسطى،
ويتذرع أصحاب هذا الاتجاه المعادي للمشروع الإسلامي بأمر مهم في منحاهم هذا، بأنَّ المشروع الإسلامي وأصحابه سوف يؤدّون إلى تخلف البلاد والعباد، والعودة بالأوطان العربية والإسلامية إلى العصور الوسطى، متناسين في ذلك أمرًا شديد الأهميَّة، وهو أن الإسلام قامت على كتفَيْه إمبراطورية سادت العالم لأكثر من ألف عام، أسس خلالها لقاعدة تقدم علمي وحضاري، قامت على أساسها دعائم الحضارة الغربية الحالية التي ينقلون عنها.
وفي حقيقة الأمر، لا تتعلق معارضة مشروع الصحوة والنهضة الإسلامية بمشروع بديل في عالمنا العربي والإسلامي، يقدّمه هؤلاء، ينطلق من الفكرة الليبراليَّة والتطبيق العلماني لنظرية الدولة المدنيَّة في الغرب، بقدر ما هم ينطلقون من رؤية معادية للمشروع الصحوي بسبب أنه أتى لكي يُديل من دولة الظلم والفساد التي أقامتها بعض مراكز القوى في بلداننا العربيَّة والإسلاميَّة، والتي رأت أن الإسلاميين أتوا لكي يحاربوا مكتسباتهم السياسيَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة التي كونوها عبر عقود طويلة من الفساد والإفساد.
تتعلق إذن المعركة بالحرب الأبديَّة بين الحق والباطل، وبين الخير والشر، والذي بدأ منذ خلق الله عز وجل لآدم عليه السلام، ومن قبله الشيطان الرجيم الذي هو أصل الضلالة والشر.. "وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ" [سورة "النساء"- من الآية "60"].
وفي تفسيره لآية سورة "المائدة"، يقول الحافظ بن كثير رحمه الله: إنَّ المعنى العام للآية، أنَّه من خالف شرع الله سبحانه وتعالى، فهو جاهل مهما كان عالمًا، لاسيما مثل هذه الحالة؛ لأنه خالفه عن عمد وقصد، ويكفيه جهالة أنه لم يوقِّر الله عزَّ وجل، ولو كان عالمًا بالله ومعظّمًا وموقّرًا له، ومعظّمًا لحرماته ولكتابه؛ ما خالف شرع الله وأحل محله هوىً أو شهوةً أو شرعًا آخر.
وهذا الصراع الآني الذي نراه في عصرنا الحالي ليس جديدًا كما قلنا، فهو دائم منذ خلق آدم وحتى يوم الحشر، وفي الإطار فإن دعوة أصحاب المشروع الإسلامي التي هي المعادل السلبي للطغاة والمفسدين وعبد الطاغوت، هي دعوة كل أصحاب الحق عبر التاريخ، في مواجهة الظلم والاستبداد.. يقول الله تعالى: "وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ" [سورة النحل:36"].
فهي دعوة واحدة، قال: ويقول ابن كثير في تفسيره للآية الثامنة والأربعين من سورة "المائدة" "لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا" : إنَّ فيها إخباراً عن الأمم المختلفة الأديان، باعتبار ما بعث الله به سبحانه وتعالى رسله الكرام من الشرائع المختلفة في الأحكام، المتفقة في التوحيد.
فهي إذن حرب دائمة، زاد من وطأتها ثورة المعلومات والاتصالات والإعلام الحديثة التي تحياها الإنسانية في الوقت الراهن، وهو ما جعل من أساليب الغزو الفكري أكثر فاعلية عن ذي قبل، وزادت هذه الوسائط من عِظَم الجبهة التي تواجه فيها الشريعة الإيمانيَّة، شريعة الجاهليَّة، في كل مكان في العالم تقريبًا.
ولا يظنَّنْ أحدٌ أنَّ دعاة الليبراليَّة والعلمانيَّة من أعداء المشروع الصحوي، بما أنَّهم ينتمون لمدرسة العلم المادي؛ فإنَّهم قد يكونون على بينة من أمرهم، فالجاهليَّة تعني الاحتكام للطاغوت، وترك شريعة الله عز وجل، وإنْ كانت الجاهليَّة بمعناها الشائع قد انتهت ببعثة الرسول الكريم محمد "صلَّى اللهُ عليه وسلَّم"، إلاَّ أنَّ هناك جاهليَّات حديثة، تريد التحاكم إلى الطاغوت، والأخذ بغير ما أنزل الله عزّ وجل.
هناك جاهليَّات حديثة، تريد التحاكم إلى الطاغوت، والأخذ بغير ما أنزل الله عزّ وجل
.إنَّ مواجهة هذه الحرب الشعواء لن يتم بوسائل السياسة والإعلام وحدها، فالعدو حاذق يتفنن في هذه المجالات، وإنما من خلال الدعوة والتربية بالأساس؛ حيث الواجب على المسلمين تعميق جذور الدعوة والإيمان، وتطويع أدوات الخصم في ضربه ودحض حجته، تبيانًا للخير، وإحقاقًا للحق، وإزهاقًا للباطل، وهي كلها حتميات للصراع والمواجهة بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان.
ونختم بعبارة للعلامة الدكتور سَفَر الحوالي في إحدى محاضراته، قال فيها في معرض تناوله لقضيَّة الصراع بين الحق والباطل: "وكما قال تبارك وتعالى: "ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنْ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (18)" [سورة "الجاثية"] فنحن عندنا شريعة الجاهلية وهي شريعة الذين لا يعلمون، وهم الجاهليون الجاهلون بأمر الله ودينه الحق، وإن علموا ظاهرًا من الحياة الدنيا فلا يضر ذلك كونهم جاهلين".