واجب على من أقبل على العمل أن يقبل عليه بهمة وحرص، وأن يبذل جهده في التمسك به وحمله بأمانة وإن تلقى الأمر بكسل وبرود برهان على موت الهمة ودناءة النفس، إن الضعيف مضطهد، وإن القيام بشعائر الدين على صورة من الترهل والهزال؛ دليل على عدم المحبة والاقتناع.
إن الصلاة المقبولة تحتاج إلى قوة في حضور القلب وخشوعه، واستحضار النية، ومحاربة الوسوسة وواردات النفس، وإن التلاوة الصحيحة تحتاج إلى قوة من حيث حسن التدبر وجميل التأثر ومدافعة الشرود، وإن الدعوة إلى الله تحتاج إلى قوة في جمال العرض، وبلاغة الوعظ، والإبداع في الخطاب، والصدق في النصيحة: (وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً).
القوي يصمد في الأزمات ويثبت في المصائب، ويدافع عن مبادئه وينتصر لدينه، والضعيف يغلب عند أقل الحوادث، وينهار في ميدان الكفاح
إن المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف؛ لأن المؤمن القوي قوة للدين، وهيبة للملة، فعطاؤه أكثر، ونفعه أوفر، الكلمة القوية تهز القلب، وتهش لها النفس، وتؤتي أكلها من الاستجابة والمتابعة، وإن الحجة القوية تدفع الباطل وتدحض الشبهة، وإن الكتاب القوي يكسب الخلود والذيوع، والانتشار.
القوي يصمد في الأزمات ويثبت في المصائب، ويدافع عن مبادئه وينتصر لدينه، والضعيف يغلب عند أقل الحوادث، وينهار في ميدان الكفاح، فيؤتى الإسلام من قبله، ويدخل العدو من بوابته.
شبهة لا تردها قوة يقين تصبح كفراً، وإلحاد لا يردعه إيمان يصير ديناً للمنحرفين، وشهوة لا يدمغها قوة صبر تحول العبد إلى بهيمة وكسل.
ماذا ينفعنا مؤمن ضعيف كسول خامل؟ وماذا يجدي علينا جيل بائس محطم غارق في الشهوات؟ وهل يصنع النصر على أيدي جبناء أغبياء، وهل يصاغ النجاح بأماني كاذبة، ووعود خائبة، وظنون خداعة.
إن صلاة الفجر لا تدرك إلا بعزيمة ونشاط، وإلا انهزمت النفس تحت مطارق النوم والراحة؛ ولذلك صح أنه صلى الله عليه وسلم إذا سمع الصارخ وثب للصلاة ليلاً، بلفظ وثب لتعي مدلولها وسرها.
لقد استعاذ عليه الصلاة والسلام من العجز والكسل ، فالعجز في الإرادة، والكسل في الحركة، وهما مصدر كل فشل وإخفاق، إن الله ثبط المنافقين لأنهم لو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة، ونصر الله المجاهدين؛ لأنهم صبروا وثبتوا وتقدموا، وهذه سنة مطردة: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا).
نريد عالماً ربانياً قوياً؛ لأن الضعيف يغلبه الوهم وينتصر عليه الظن، ولا يؤدي الأمانة كما هي، ونريد فقيهاً قوياً لأن الضعيف لا تمييز عنده، ولا برهان لديه، ولا فرقان يحمله.
يقول عمر بن الخطاب فاروق الإسلام: ( اللهم إني أعوذ بك من جلد الفاجر وعجز الثقة)، ففاجر مصابر وتقي منهار مصيبة؛ لأن الفاجر الفاتك النشيط شيطان مريد، والتقي الخامل العاجز المقصر؛ جبان رعديد، والإسلام يريد رجلاً قوياً حازماً بصيراً:
لا يدرك المجــــد إلا سيــد فطن
لما يشق علــى السادات فعـــالُ
لا خامل جهلت كفــاه مـا بذلــت
ولا جبـــان بغير السيف سـألُ
لولا المشقــــة ساد الناس كلهم
الجــود يفقــر والإقدام قتـّـالُ
نريد عالماً ربانياً قوياً؛ لأن الضعيف يغلبه الوهم وينتصر عليه الظن، ولا يؤدي الأمانة كما هي، ونريد فقيهاً قوياً لأن الضعيف لا تمييز عنده، ولا برهان لديه، ولا فرقان يحمله.
ونريد مجاهداً قوياً؛ لأن الضعيف مسحوق مخذول يؤتى الإسلام من قبله، فإذا اجتمع في العبد قوة وأمانة وتقوى وعزيمة ومراقبة وصرامة فهو الرجل حقاً: (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) .