تنافس الكثير من الآباء والأمهات في اختيار وتسمية أبنائهم بأسماء جديدة وغريبة، لا تتصل بلغتنا ولا بثقافاتنا، وخاصة أسماء الإناث التي غلبت عليها الميوعة المتكلفة والعبثية، كما اندفع الكثير من الآباء إلى اختراع أسماء عجيبة لا وقار فيها، وبلا دلالة مطلقاً، ولا يهمهم من ذلك إلاَّ مواكبة الموضة، كما يقولون.
فخلت معظم أسماء المواليد الجدد من المعاني العربية الأصيلة، وأسماء الصحابة والرُّسل عليهم صلوات الله وسلامه، ومن المخجل في الأمر أنَّ التقليد الأعمى الذي بات يهدِّد المجتمع الإسلامي، لم يعد يقتصر على تسمية الأبناء بأسماء أجنبية فحسب، ولكنَّه امتد ليشمل أسماء الممثلين والممثلات في المسلسلات وخاصة التركية منها، والتي اجتاحت أغلب بيوت المجتمعات الإسلامية.
الابتعاد عن أصولنا الإسلامية
الدكتور درداح الشاعر المختص في علم الاجتماع قال لـ" بصائر" :إنَّ تسمية الأبناء بالأسماء الغربية والتركية، شيء غير مبرّر، لأنّنا بذلك نبتعد تماماً عن أصولنا وتاريخنا الإسلامي، فتسمية الأبناء نابعة من عراقة الإسلام وجماله، فالإسلام جميل وكل ما فيه يبعث على السرور والارتياح، حتى في الأسماء".
وأضاف الشاعر أنَّ العرب يتأثرون كثيراً بغيرهم، فعندما انخرطوا بالأتراك أثناء احتلال الدولة العثمانية، قاموا بتسمية أبنائهم بأسمائهم من باب العلاقة الطيبة، وهذا كان بداية تغير العرب نحو غيرهم، أمَّا عن التأثر بالأسماء الأجنبية، فهذا إعجاب المهزوم بالمنتصر، وما نسمّيها "بعقدة الأجنبي" فانتشرت الأسماء الأجنبية نظراً لهذه العقدة.
وبيَّن الشاعر أنَّ توجّه المسلمين لمثل هذه الأسماء كان بداية مع الأسماء الروسية والفرنسية، وعندما لم يجد المسلمون فائدة ترجى من هذا التقليد، عادوا إلى أصالتهم، لنشهد أخيراً تسمية واسعة لأسماء الصحابة والرسل، مثل" محمَّد وعبد الله وعبد الرَّحمن ويعقوب.. وغيرها.
حق الأبناء في التسمية الطيبة
وأردف بالقول : "إنَّ من حق الأبناء على الآباء تسميتهم بأطيب الأسماء وأحبّها إلى الله، لأنَّ في الاسم وقع جميل على صاحبه، مستدلاً على ذلك بالرجل الذي جاء إلى الرَّسول"صلّى الله عليه وسلّم" وقال له : أبي سماني" جعلا" ولم يعلمني شيء من القرآن، فذهب الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام إلى والده، وقال له : ((لقد عققت ولدك قبل أن يعقك)). هكذا فعل الرسول صلى الله عليه وسلم في الأسماء التي تقبح من صاحبها".
للإنسان من اسمه نصيب
وذكر الشاعر قول الإمام سيد قطب "إنَّ للإنسان نصيباً من اسمه"، فللاسم وقع جميل على صاحبه، فيتصرّف الشخص بموجب اسمه، كأن يكون اسمه كريماً، فنجده يفضل الكرم ويتحلّى به، أو غيرها من الأسماء ..
وحدَّد الشاعر شروط التسمية للأبناء وهي؛ أن يكون الاسم عربياً أصيلاً، وأن يوافق الأصول الإسلامية، وأن يكون حسن المعنى، ويدل الاسم المذكر على مذكر أو صفة يناسبها التذكير، مثل: (مهند) وأن يدل الاسم المؤنث على مؤنث أو صفة يناسبها التأنيث مثل بَتُوْل)، وأن يكون الاسم مقبولاً في أعراف البيئة المحلية، بالإضافة إلى أن يكون مألوفاً ومعروفاً، مع عدم التسمية بأسماء الكفار والملاحدة، وأن يكون جميلاً وطيّباً ويبعث بالارتياح على النفس.
تغيير ثقافة المسلم
وأكَّد أنَّ للمسلسلات أثراً كبيراً في تغيير ثقافة المسلم، لأنَّ الثقافات تتغيَّر تدريجياً مع مرور الوقت عليها، إلاَّ إذا حافظ المسلم عليها ورعاها، لافتاً إلى أنَّه من الملاحظ في فلسطين وجود انخراط كبير وراء المسلسلات التركية والإعجاب بأسماء ممثليها، التي أثرت على الآباء وأحبّوها، فجعلوها على رأس القائمة في تسمية أبنائهم.
ونبَّه الشاعر إلى أنَّ الآباء مسؤولون مسؤولية كاملة عن تسمية أبنائهم، فإمَّا أن يؤجروا أو يحاسبوا عليها . مؤكّداً على أنَّ دور الدولة في تغيير الأسماء كبير ومهم، ويمكن عمل قانون معمّم، يمنع فيه تسمية الأبناء أسماء خارجة عن المألوف. مشيراً إلى العلماء ودورهم في تنبيه الأمَّة في التمسك بعاداتهم وموروثاتهم الإسلامية.ضرورة الحذر من فوضى الأسماء وعدم الاغترار بدلالة الاسم ما لم توافقه دلالة المحتوى . مبيّناً أنَّ هذه الفوضى تدعونا للتركيز على المحتوى والنظر في الجوهر.
للأمَّة الإسلامية سمت خاص بها
من جانبه، أكَّد الدكتور سالم سلامة رئيس رابطة علماء فلسطين على أنَّ الأمة الإسلامية لها سمات وصفات خاصة تتحلى بها . مبيّناً أنَّ الأسماء جزء مهم من هذا السَّمت، فكان العرب في الجاهلية يسمّون أبنائهم صخراً، وسبعاً، وغيرها من الأسماء التي تحاكي بيئاتهم، ولكن عندما جاء الإسلام، انتقى هذه الأسماء، وصنّفها من حيث الخبيث والطيب.
ونوَّه سلامة إلى أنَّ رسولنا الكريم حرَّم علينا التسمية ببعض الأسماء، التي تعد مصدر إزعاج لصاحبها، كما حرج على عدم التكني بكنيته، حتى لا يقوم أحد بشتم الآخر فيظن أنه قام بشتم الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فكان أحب الأسماء إليه هو "الحارث" الذي يعمل بجدية وحرص، مشيراً إلى أن أحب الأسماء إلى الله هي ما حمدت وعبدت.
وبيَّن أن الأسماء غير العربية ما هي إلاَّ نتاج من تأثير الثقافات التي غزت بلادنا في الآونة الأخيرة، وعمليات التغريب التي وصلت إلينا، وحاولت محاربة الإسلام بكلِّ صوره، حتى في أسمائنا الإسلامية.
وتابع بالقول:" إنَّ فوضى الأسماء لها جذور تاريخية يرجع بعضها إلى عهد النبي صلَّى الله عليه وسلّم؛ فعندما بنى المنافقون مبنىً يجتمعون فيه للضِرار وكيد المسلمين أطلقوا عليه اسم (مسجد)، وطلبوا من النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن يصلّي فيه لإكسابه الصفة الشرعية ؛ لكن الله جل شأنه فضح مخططهم وبين نوع هذا البناء والمقصود منه، فقال تعالى : {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}.( التوبة :107).
وأوضح أنَّ الآية الكريمة تدل على ضرورة الحذر من فوضى الأسماء وعدم الاغترار بدلالة الاسم ما لم توافقه دلالة المحتوى . مبيّناً أنَّ هذه الفوضى تدعونا للتركيز على المحتوى والنظر في الجوهر.
من أحبَّ قوماً حُشر معهم
وحذَّر سلامة المسلمين بقوله:" من أحب قوماً حشر معهم، فإذا كان تسمية الأبناء حبّاً في شخص كافر، فسوف يحاسب حساباً عسيراً، وسيكون مع من أحب في الدنيا، كمن يسمي ابنه "كاسرو" و"جون"، فهذه تفاهة واضحة داهمت المجتمعات الإسلامية".
وقال سلامة:" إنَّ الإنسان في العالم الآخر سوف يدعى باسم أمه ستراً عليه، وعندما يموت الإنسان سيبقى ينادى باسمه ويطلب الرَّحمة له من خلال اسمه، لذلك فمن باب أولى انتقاء الاسم الذي يعود على الإنسان الخير في الدنيا والآخرة".
التقرّب إلى الله
وذكر سلامة أنَّه من باب التقرّب إلى الله هو طلب كل ما يحبّه من أفعال الخير، فتسمية المولود بأحب الأسماء إلى الله فيه تقرّب زلفى إلى الله، والابتعاد عن الفتن والشبهات، مبينا أن هناك أسماء قد تكون غريبة لكن معناها عربي، كاسم ميار "ضوء القمر"، فهذا ليس من الأسماء الأصيلة، فيجب البحث في معاني الأسماء قبل اختيارها، على حدّ تعبيره.
وختم سلامة حديثه بأنَّه يجب عقد محاضرات بهذا الموضوع، لأنَّ درجة خطورته لا تقل عن قتل النفس، فكلاهم قتل للبشرية المسلمة.