بقلم : د. حسين حسين شحاتة
سوف نناقش هذه التساؤلات بمعايير المرجعية والواقعية والموضوعية والقابلية للتطبيق حتى يزداد أنصار هذه المشروع يقينًا مع يقينهم، وحتى يتبين لغير أنصاره الرؤية واضحة شفافة ويكونوا على بصيرة من الحق والعدل والقدرة على إبداء الرأي.
*- الفروق الجوهرية بين مشروع النهضة الاقتصادية وبين غيره من المشروعات:
هناك نقاط تشابه بين أهداف البرامج الاقتصادية جميعًا، منها على سبيل المثال ما يلي:
- الميثاق الاجتماعي للبرنامج الاقتصادي.
- تحقيق الأمن كأساس للتنمية الاقتصادية.
- علاج مشكلة الفقر والجهل والمرض وما ينبثق عنها من مشكلات.
ولكن هناك بعض نقاط يتميز بها المحور الاقتصادي لمشروع النهضة، منها على سبيل المثال ما يلي:
- الحرية الاقتصادية المنضبطة بتحقيق مقاصد الشريعة الإسلامية وهي: حفظ الدين وحفظ النفس وحفظ العقل وحفظ العرض وحفظ المال، بعكس البرنامج الاقتصادي الرأسمالي الليبرالي الذي يركز على تحقيق أقصى ثروة ممكنة حتى ولو كانت مخالفة للمقاصد الشرعية وفقًا لمبدأ: "الغاية تبرر الوسيلة" وكان ذلك من أسباب الأزمة المالية العالمية.
- الاهتمام بالإنسان من منظور القيم والأخلاق؛ لأنه مناط التنمية الاقتصادية والاجتماعية فلا تنمية حقيقية بدون قيم إيمانية وأخلاق فاضلة، ويجب أن تكفل الدولة لهذا الإنسان الحاجات الأصلية المعيشية.
- الجمع بين الأصالة والمعاصرة، ويقصد بذلك أصالة الثوابت النابعة من قيم ومثل وعادات وتقاليد المجتمع المصري، وتعني المعاصرة استخدام جميع الأساليب والسبل والطرق والأدوات الحديثة المعينة في التطبيق متى ما كانت متفقة مع الثوابت وفقًا للقاعدة الشرعية "الأصل في الأشياء الحل إلاّ ما حرم بنص من الكتاب والسنة والإجماع"، والقاعدة الشرعية: "مشروعية الغاية ومشروعية الوسيلة".
- التوازن بين مصالح الأجيال الحاضرة والمقبلة، فلا يجوز تحميل الأجيال القادمة بأعباء ليست طرفًا فيها مثل أعباء القروض وفوائدها الربوية، بل يجب أن نبني لهم المستقبل من خلال الإستراتيجيات كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تتركهم عالة...." الحديث، وقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلة إن استطاع أن يغرسها فليغرسها.." الحديث.
- الالتزام بفقه الأولويات في مجال الإنتاج والاستهلاك والاستثمار والتي تتمثل في الضروريات لمن هم دون حد الكفاف، والحاجيات لمن هم دون حد الكفاية، ولا يجوز الانتقال إلى الكماليات إلاّ بعد توفير الضروريات والحاجيات للناس جميعًا بصرف النظر عن عقيدتهم وأيديولوجيتهم.
- التعاون والتضامن بين أطياف المجتمع لتحقيق المصالح العليا للوطن، وترجيح المصلحة العامة على المصلحة الخاصة إن تعارضتا، وأساس ذلك قول الله تبارك وتعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى) (المائدة :2) ولا يجوز تهميش أو التقليل من دور أي طيف في تحقيق النهضة، فالكل مسئول والكل سوف ينعم بالخير.
*- مرجعية مشروع النهضة الاقتصادية:
كما أن للبرنامج الاقتصادي اليساري مرجعية وهي المفاهيم والمبادئ الاشتراكية أو الماركسية أو ما في حكمها والتي تقوم على ملكية الدولة لمعظم عوامل الإنتاج.
وكما أن للبرنامج الاقتصادي الرأسمالي مرجعية وهي المفاهيم والمبادئ الرأسمالية التي تقوم على نظام السوق الحر.. كذلك الأمر فإن لبرنامج الاقتصادي الإسلامي لمشروع النهضة مرجعية؛ وهي المفاهيم والمبادئ الإسلامية المستنبطة من أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية والتي تقوم على الآتي:
• الحرية الاقتصادية المنضبطة بمقاصد الشريعة الإسلامية.
• حفظ حقوق العامل المعنوية والمادية.
• حفظ المال وتنميته بالحق والعدل.
• التوازن بين الملكية الخاصة والملكية العامة.
• الاستغلال الرشيد للموارد الطبيعية.
• توفير الحاجات الأصلية للإنسان من خلال توفير فرصة العمل والدعم الحكومي.
• أداء الحقوق المشروعة في المال، مثل الزكاة والصدقات، حسب ما ورد بالأديان السماوية.
• أداء الحقوق المشروعة للوطن من خلال نظام الضرائب والرسوم العادلة.
• تطبيق نظام عادل للدعم؛ بحيث يصل إلى مستحقيه بالحق.
• تطبيق نظم فعالة للرقابة تقوم على مبدأ العدالة والمساواة.
*- مقومات تطبيق المحور الاقتصادي لمشروع النهضة:
حتى يمكن تطبيق المحور الاقتصادى لمشروع النهضة يجب أن تتوافر فيه معايير: الواقعية والموضوعية والإمكانية والشمولية والاستدامة، وليس هذا هو المقام لمناقشة هذه المعايير بالتفصيل، ولكن ما يجب التركيز عليه وبما يتسق مع هذه الدراسة هو:
قومات التطبيق، ويرى فقهاء وعلماء وخبراء الاقتصاد الإسلامي أنه حتى يطبق هذا المشروع يجب أن توفير المقومات الآتية (سواء بالتتابع أو بالتوازي حسب الأحوال):
• مقوم تحقيق الأمن، فلا اقتصاد بلا أمن، وهذا لن يتحقق كاملاً إلا بتوفير الحاجات الأصلية للطبقة الفقيرة التي هي دون حد الكفاف وحد للكفاية، ولذلك يجب التركيز على المشروعات الاقتصادية ذات العلاقة بالضروريات وبالحاجيات.
• مقوم تطهير البنيات والمؤسسات المالية والاقتصادية وما في حكمها من الفساد؛ حيث لا جدوى من تنمية اقتصادية قائمة على أساس فاسد.
• مقوم تنقية القوانين القائمة مما يعوق تحقيق التنمية الاقتصادية الفعالة والتي كانت سببًا في التخلف والاحتكار والغش والسرقة والتكسب من الوظيفة وبالتوازي إصدار قوانين تتواءم مع مشروع النهضة.
• مقوم بناء المؤسسات الاقتصادية الجديدة اللازمة لدعم مشروع النهضة ومنها على سبيل المثال:
- مؤسسات الأسواق المالية.
- مؤسسات (صناديق) الزكاة والصدقات والوقف الخيري.
- مؤسسات التكافل والعمل الخيري.
- المؤسسات المالية الإسلامية.
- مؤسسات الدعم العيني النقدي.
- ونحو ذلك.
• مقومات إعادة تأهيل وتدريب ورفع كفاءة العنصر البشري العامل بالمؤسسات الاقتصادية والمالية وغيرها بما يتناسب مع مشروع النهضة الاقتصادية من خلال إعادة النظر في المقررات الجامعية والتدريبية.
• مقوم دور الإعلام الحيادي الذي يبين الإيجابيات فيدعمها، ويرى السليبات فيقدم النصيحة والتوجيه والإرشاد بالحكمة والموعظة الحسنة، وليس بمنهج تصيد الأخطاء والتشهير والتجريح وتثبيط الهمم.
• مقومات أخرى تتفق من المقومات السابقة أو يراها البعض لازمة لذلك.
وأختم هذه الدراسة بقول الله عز وجل : "يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ" (التوبة: 32).. "يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ" (الصف: 8).
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
--------
* الأستاذ بجامعة الأزهر والخبير الاستشاري في المعاملات المالية الشرعية والمشرف على موقع دار المشورة للاقتصاد الإسلامي