سنشدّ عَضُدَك بأخيك

الرئيسية » بصائر تربوية » سنشدّ عَضُدَك بأخيك
alt

اسمه الزبير بن العوّام .. صحابي جليل، سمَّاه رسول الله صلَّى الله وسلّم بقوله: ((إنَّ لكلِّ نبيٍّ حواريّاً وحواريّ الزُّبير)). وذلك عندما انتدب النَّاس، فانتدب الزبير ثلاث مرَّات، والحواري هو الناصر والخاصة من الأصحاب، والصحابة رضي الله عنهم كلّهم كانوا أنصاراً لرسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم بلا ريب، ولكنَّ الزبير رضي الله عنه كان له اختصاص بالنصرة وزيادة فيها، ولا سيّما في يوم الأحزاب.

فالأنبياء والرّسل الكرام وحملة الرّسالات والدَّعوات بحاجة دائماً إلى المعين والنَّاصر والمؤازر، فرسالة تبليغ دين الله ونشره بين النَّاس، والدعوة إلى الله سبحانه وتربية الجيل وتأسيس المجتمع المسلم، ودولة الحكم الرّاشد تكليف ضخم شاق متعدّد الجوانب والتبعات؛ يحتاج صاحبه إلى زاد ضخم من التجارب والإدراك والمعرفة والتذوق في واقع الحياة العملي، إلى جانب هبة الله اللدنية، ووحيه وتوجيهه للقلب والضمير، كما يقول سيّد في ظلاله.
فمن الصِّفات الأساسية  للقيادة تقديرها للذَّات، ولمتطلبات المهمَّة، وتكاملها مع الغير، وتوظيف الطاقات من حولها دون أن تجد في النفس مضاضة في ذلك
فمن الصِّفات الأساسية  للقيادة تقديرها للذَّات، ولمتطلبات المهمَّة، وتكاملها مع الغير، وتوظيف الطاقات من حولها دون أن تجد في النفس مضاضة في ذلك، فقد يوجد في الجماعة أو الرّعية صاحب فكرة متّقدة، أو اقتراح جديد، أو خبر مهم، أو عقل نيّر، أو أفق واسع،  أو نظرة ثاقبة ..

ومن صفاتها أيضاً أنها تملك تمتلك الشجاعة الأدبية مع الذات قبل أن تمتلكها مع الغير، لذلك فليس بينها وبين النظر للحق ستار كاذب أو سراب خادع، فهي لا تركن إلى فكرتها، ولا تتقوقع على إملاء العقل، ولا تتعصب لرأيها...

إنَّ الشخصية القيادية شخصية غير مغرورة، تؤمن بأنَّ منح الله سبحانه موزّعة بين العباد، فتراها تبحث بين أفراد الرّعية عن أصحاب التخصص فتشاورها، وأصحاب الفنون المختلفة لتلتمس منهم المشورة والنصيحة، وتصغي بكلِّ قلب مفتوح وأذن واعية لكلِّ كلمة هادية ونصيحة مؤثرة ومشورة صادقة وخبر عاجل ونبأ يقين ..

ومن النماذج الفريدة التي قدّمها لنا كتاب الله الكريم، نموذج نبيُّ الله موسى وأخيه هارون عليهما السَّلام، وذلك أنَّ رسالة موسى بالذات قد تكون أضخم تكليف تلقاه بشر عدا رسالة محمَّد صلى الله عليه وسلم؛ فهو مرسل إلى فرعون الطاغية المتجبر، أعتى ملوك الأرض في زمانه، وأقدمهم عرشاً، وأثبتهم ملكاً، وأعرقهم حضارة، وأشدهم تعبداً للخلق واستعلاء في الأرض.
إنَّ الشخصية القيادية شخصية غير مغرورة، تؤمن بأنَّ منح الله سبحانه موزّعة بين العباد، فتراها تبحث بين أفراد الرّعية عن أصحاب التخصص فتشاورها، وأصحاب الفنون المختلفة لتلتمس منهم المشورة والنصيحة..
فلم يجد موسى عليه السّلام والحالة كذلك، إلاَّ أن يلجأ إلى مولاه سبحانه طالباً منه المعونة والمساندة، فقال: {وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا}. (طه :29-35). وقال :{ {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ}. (القصص).

قوله تعالى: {اشْدُدْ بِهِ أَزْرِى}، أي: قوِّني به. والأزر: القوَّة، وآزره: أي قوَّاه.
وقوله تعالى: {رِدْءاً} ، أي: معيناً، لأن الرِّدْءَ اسم لكلِّ ما يُعان به، ويقال: ردأته أي أعنته.
وقوله أي: سنقويك به. وذلك لأن العضد هو قوام اليد، وبشدتها تشتد اليد، قال طرفة:
أبني لبيني لستمو بيد ... إلا يداً ليست لها عضد

معنى تصديق الأخ ..

قال الزمخشري : (فإن قلت: تصديق أخيه، ما الفائدة فيه ؟ قلت : ليس الغرض بتصديقه أن يقول له : صدقت، أو يقول للناس : صدق موسى، وإنَّما هو أن يلخص بلسانه الحق ويبسط القول فيه ويجادل به الكفار، كما يفعل الرجل المنطيق ذو العارضة، فذلك جار مجرى التصديق المفيد، كما يصدق القول بالبرهان . ألا ترى إلى قوله : { وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ} وفضل الفصاحة إنما يحتاج إليه لذلك. أو يصل جناح كلامه بالبيان حتى يصدقه الذي يخاف تكذيبه، فأسند التصديق إلى هارون لأنَّه السبب فيه إسناداً مجازياً).

استجابة وتطمين ..
قال الزمخشري : (فإن قلت: تصديق أخيه، ما الفائدة فيه ؟ قلت : ليس الغرض بتصديقه أن يقول له : صدقت، أو يقول للناس : صدق موسى، وإنَّما هو أن يلخص بلسانه الحق ويبسط القول فيه ويجادل به الكفار
وبعد الدعاء والسؤال من موسى عليه السَّلام، تأتي الاستجابة والتَّطمين من عند الله تبارك وتعالى، فقال سبحانه:{قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى}. وقال تعالى:{ قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ}. (القصص:35).

لقد استجاب ربه رجاءه؛ وشدّ عضده بأخيه . وزاده على ما رجاه البشارة والتطمين : {وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا} . . فهما لن يذهبا مجرّدين إلى فرعون الجبار، إنَّما يذهبان إليه مزوّدين بسلطان لا يقف له في الأرض سلطان؛ ولا تنالهما معه كف طاغية ولا جبَّار : { فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا} . . وحولكما من سلطان الله سياج ، ولكما منه حصن وملاذ .

ولا تقف البشارة عند هذا الحد، ولكنَّها الغلبة للحق. الغلبة لآيات الله التي يجابهان بها الطغاة، فإذا هي وحدها السلاح والقوة، وأداة النصر والغلبة: {بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ} .

وقوله تعالى: { قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ } أي : سنقويك به ونعينك . قال الشهاب : والشّد التقوية، والعضد من اليد معروف؛ فهو إمَّا كناية تلويحية عن تقويته، لأن اليد تشد بشدة العضد ، والجملة تشتد بشدة اليد ، ولا مانع من الحقيقة كما توهم . أو استعارة تمثيلية . شبّه حال موسى في تقويته بأخيه عليهما السلام ، بحال اليد في تقويتها بيد شديدة { وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً } أي : غلبة ومهابة في قلوبهم أو حجة : { فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا } أي: بإيذاء ، فضلاً عن القتل : { بِآياتِنَا } متعلق بمحذوف أي : اذهبا بآياتنا . أو بنجعل أي : نسلطكما بها أو بمعنى : لا يصلون أي : تمتنعون منهم بها. أو قسم ، جوابه لا يصلون مقدر . أو صلة للغالبون في قوله : { أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ } وتقدمه ، إما للفاصلة أو للحصر . أي : الغالبون عليهم، وإن غلبوكم وغلبوا العالمين قبلكم .
جاء في فقه هذه الآية: إنَّ التعاون ركن من أركان الهداية الاجتماعية، فالله سبحانه وتعالى يوجب على الناس أن يعين بعضهم بعضاً في كل عمل من أعمال البر التي تنفع الناس أفراداً وأقواماً في دينهم ودنياهم ، وكل عمل من أعمال التقوى التي يدفعون بها المفاسد والمضار عن أنفسهم ). وعن أبي موسى رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلم: ((المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً ، ثم شبك بين أصابعه)). (متفق عليه).

المراجع:
تفسير الكشاف – محمود بن عمر الزمخشري
في ظلال القرآن – سيّد قطب
تفسير المنار – محمد رشيد رضا
مجلة البيان – المنتدى الإسلامي

معلومات الموضوع

الوسوم

  • النصرة
  • اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

    شاهد أيضاً

    “بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

    كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …