بين الحساب والعَرْض

الرئيسية » بصائر التوحيد » بين الحساب والعَرْض
alt

من صفات عباد الله المؤمنين التي ذكرها المولى تبارك وتعالى في كتابه الكريم أنَّهم {يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ}.
فهُم يحذرون سوء الحساب في الدار الآخرة، ويخافون المناقشة في الحساب، ويحاسبون أنفسهم قبل أن يحاسبوا؛ لأنَّ الحساب يشمل كل صغير وكبير، ومن خاف الحساب أقبل على الطاعة، وتجنّب المعصية.

فالإيمان بالحساب يوم القيامة واجب، قال الله تعالى: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} (الانشقاق:8)، ويقول تعالى عن المؤمن: {إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ}  (الحاقة:20)، وكذلك الكافر يقول: {يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ}  (الحاقة:25-26)، ويقول تعالى: {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا}.  (الإسراء:14)، ويخبر الله عن سرعة الحساب فيقول: {وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} (البقرة:202)، فالحساب على الأعمال حق .

من صفات عباد الله المؤمنين التي ذكرها المولى تبارك وتعالى في كتابه الكريم أنَّهم {يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ}.
والله سبحانه وتعالى هو الذي يتولّى الحساب بنفسه بدون واسطة؛ عن عدي بن حاتم أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلّم قال:  ((ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربُّه يوم القيامة، ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه، فلا يرى إلا ما قدّم من عمله، وينظر أشـأم منه، فلا يرى إلاَّ ما قدّم، وينظر بين يديه، فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة)). (رواه البخاري).

وذكر اللّه تعالى أحوال الناس وانقسامهم إلى فريقين يوم القيامة:

الفريق الأوّل: المؤمنون الموصوفون بقوله: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ} وهم المؤمنون، فإنه يحاسب حساباً سهلاً، بأن تعرض عليه سيئاته، ثمَّ يغفرها اللّه، ويتجاوز عنها، من غير أن يناقشه الحساب، فذلك الحساب اليسير. أخذاً بمفهوم الحديث الذي الشيخان عن عائشة رضي اللّه عنها قالت: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:  ((من نوقش الحساب عذّب، قالت، فقلت: أفليس اللّه تعالى قال: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً}. قال: ليس ذاك بالحساب، ولكن ذلك العرض، ومن نوقش الحساب يوم القيامة عذّب)).

الفريق الثاني: الكافرون الموصوفون بقوله: { وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ}، أي من وراء ظهره، حيث تثنى يديه من خلفه، ويعطى كتابه بها، وتكون يمينه مغلولة إلى عنقه، فإذا قرأ كتابه، نادى: يا ثبوراه، أي بالهلاك والخسار، ثمَّ يدخل جهنَّم، ويصلى حرَّ نارها وشدتها.

وسئل صلَّى الله عليه وسلّم: ما معنى قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: { فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً } . قال:  ((إنما ذلك العرض)). رواه مسلم .
تقول عائشة أم المؤمنين : يا رسول الله، ما معنى قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: { فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً }. (الانشقاق:8). قال:  ((إنما ذلكِ العرض)).
فبيّن الرّسول عليه الصَّلاة والسَّلام أنَّ الحساب اليسير هو العرض، أي حساب العرض لا حساب المناقشة.

مناقشة الحساب ..

يخبرنا الرسول عليه الصَّلاة والسَّلام أنَّ كلَّ من يناقش الحساب فقد استحق العذاب، وذلك في الحديث:  ((من نُوقش الحساب عذّب)) وفي رواية:((من نُوقش الحساب هلك)). (رواه البخاري).  وذلك أنَّ مناقشة الحساب مع ترك المسامحة يؤدِّي إلى الهلكة، لأنَّ الإنسان مهما صنع من الحسنات فإنَّه مقصّر، ومهما أتى من أعمال البر فإنَّها ناقصة، بجناب نعم الله عزَّ وجل وآلائه التي لا تعدّ ولا تحصى.
التقصير بغالب في العباد فمن استقصى عليه ولم يسامح هلك ودخل النار، ولكن الله تعالى يعفو ويغفر ما دون الشرك لمن يشاء
قال العيني في ((عمدة القاري)) : (ونوقش من المناقشة وهو الاستقصاء والتفتيش في المحاسبة والمطالبة بالجليل والحقير وترك المسامحة فيه). وقال ابن حجر في (الفتح) : (يقال: اِنْتَقَشْتُ مِنْهُ حَقِّي أَيْ اِسْتَقْصَيْته) . وقال المناوي في (فيض القدير): (والمراد هنا المبالغة في الاستيفاء، والمعنى وتحرير الحساب يفضي إلى استحقاق العذاب؛ لأنَّ حسنات العبد موقوفة على القبول وإن لم تقع الرَّحمة المقتضية للقبول لا تحصل النجاة).
وقال الزمخشري: ((من نوقش الحساب) أي: عُوسر فيه واستقصى، فلم يسامح بشيء من نقش الشوكة؛ وهو استخراجها كلها، ومنه انتقشت منه جميع حقي).

وقوله صلَّى الله عليه وسلّم : ((عذِّب)) أو ((هلك))، قال الإمام النووي : (قوله (عذب) له معنيان أحدهما نفس المناقشة وعرض الذنوب والتوقيف عليها وهو التعذيب لما فيه من التوبيخ والثاني: أنه مفض إلى العذاب بالنار ويؤيده في الرِّواية الأخرى (هلك) مكان (عذب) وهذا الثاني هو الصَّحيح ومعناه أنَّ التقصير بغالب في العباد فمن استقصى عليه ولم يسامح هلك ودخل النار، ولكن الله تعالى يعفو ويغفر ما دون الشرك لمن يشاء).
إنَّ الحساب على الأعمال والأقوال لا يختص بأهل الإيمان فحسب، بل يكون لأهل الإيمان وأهل الكفر، إلاَّ أنَّ أهل الإيمان حسابهم يسير
العرض والحساب اليسير

إنَّ الحساب على الأعمال والأقوال لا يختص بأهل الإيمان فحسب، بل يكون لأهل الإيمان وأهل الكفر، إلاَّ أنَّ أهل الإيمان حسابهم يسير، كما قال الله عزَّ وجل: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا } (الانشقاق:8).

وفسَّر الرَّسول صلَّى الله عليه وسلّم – كما سبق بيانه - معنى قوله تعالى :{فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً } (الانشقاق:8). بقوله : (( إنَّما ذلك العرض))، فالعرض معناه: أن يعرض الناس على الله عزَّ وجل, فيقرّر الله العبد بذنوبه، ومن رحمة الله تعالى بعبده المؤمن وشفقته عليه  أنه لا يناقش الحساب، كما ورد في الحديث الصحيح : ((يدني الله تعالى المؤمن يوم القيامة فيضع عليه كنفه - أي ستره عن أعين الخلق - فيقرره بذنوبه: أتعرف ذنب كذا في يوم كذا؟ فيقول: أعرف، فيقول الله عز وجل: أنا سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك فيعطى صحيفة حسناته وأما الكافر والمنافق فينادى عليه على رؤوس الخلائق: هؤلاء الذين كذبوا على ربِّهم ألا لعنة الله على الظالمين)). (متفق عليه).
(المؤمن قوَّام على نفسه يحاسبها، وإنَّما خف الحساب على أقوام لأنَّهم كانوا يحاسبون أنفسهم في الدنيا ..) الحسن البصري
حاسبوا أنفسكم ..

يُروى عن عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه أنَّه قال : (حاسبوا أنفسكم، قبل أن تحاسبوا، وتزيَّنوا للعرض الأكبر، وإنَّما يخف الحساب يوم القيامة، على من حاسب نفسه في الدنيا).

ويقول التابع الجليل الحسن البصري: (المؤمن قوَّام على نفسه يحاسبها، وإنَّما خف الحساب على أقوام لأنَّهم كانوا يحاسبون أنفسهم في الدنيا، وإنما شق الحساب على أقوام لأنهم لم يأخذوا هذا الأمر بالجد ولم يكونوا يحاسبون أنفسهم).

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

alt

نِعْمَ العبدُ .. إنَّه أوَّاب

قال الرَّاغب في مفردات ألفاظ القرآن : (الأوبُ ضربٌ من الرُّجوع، وذلك أنَّ الأوب لا …