يرتفع أثر المعصية في الهزيمة عندما تكون المعصية من القائد في قلب المعركة هذه السنن أنزلها الله تعالى في كتابه لخير أجيال البشرية التي كان يقودها سيد ولد آدم وقد أمرنا الله تعالى أن ندرسها بقوله: ((قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ))آل عمران:137 ليس النصر أمراً لازماً للمؤمنين .
((..وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ))آل عمران:140
وفي الحديث الصحيح الذي رواه البخاري أن سنة الله مع عباده وأعدائه هي التداول.
سأل هرقل قيصر الروم أبا سفيان زعيم مشركي مكة آنذاك: فكيف كان قتالكم إياه ، قال: الحرب بيننا وبينه سجال ينال منا وننال منه.
وكان هذا الجواب مصداق ما يعرفه هرقل عن سنن النصر والهزيمة عند النبيين.
يرتفع أثر المعصية في الهزيمة عندما تكون المعصية من القائد في قلب المعركة هذه السنن أنزلها الله تعالى في كتابه لخير أجيال البشرية التي كان يقودها سيد ولد آدم
(وسألتك كيف قتالكم إياه ، فزعمت أن الحرب سجال ودول ،وكذلك الرسل تبتلى ثم تكون لهم العاقبة)، (البخاري، ج294 )
فالعاقبة هي النصر للمؤمنين نعم ، لكن ليست هي السنَّة الدائمة فلا بد من التداول ((..َلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ))آل عمران:140الثبات والصبر في الحرب هو الأساس الأول في النصر
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ*وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ منحرفا لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وبئس الْمَصِيرُ))الأنفال:15-16، فالفرار من الزحف من الكبائر ، وهو محل سخط الله من عباده المؤمنين ، ومأواهم جهنم وبئس المصير ولو كانوا جند محمد (صلى الله عليه وسلم) ((..إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ ..))النساء: 104، ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ))الأنفال: 45، فلن يقاتل الله عن جنده المؤمنين ، إنما يعينهم عندما يألمون ويثبتون ويصبرون.
المعصية تورث الهزيمة
وهي النظرية التي لخصها الفاروق (رضي الله عنه) في سياسته الحربية في كتاب وجهه إلى سعد بن أبي وقاص أحد قادته الكبار، وهو بطل القادسية فكان مما قاله " أما بعد فإني آمرك ومن معك بتقوى الله على كل حال، فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو، وأقوى المكيدة في الحرب، وآمرك ومن معك أن تكونوا أشد احتراساً من المعاصي منكم من عدوكم، فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم، وإنما ينصر المسلمون بمعصية عدوهم، ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة لأن عددنا ليس كعددهم، ولا عدتنا كعدتهم، فإذا تساوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة وإلا نُنصر عليهم بفضلنا ، لم نغلبهم بقوتنا.
واعلموا أن عليكم في سيركم حفظة من الله يعلمون ما تفعلون، فاستحيوا منهم، ولا تعملوا بمعاصي الله، وأنتم في سبيل الله، ولا تقولوا أن عدونا شر منا فلن يسلط علينا وإن أسأنا، فرب قوم سلط عليهم شر منهم كما سلط على بني إسرائيل - لما عملوا بمساخط الله - كفرة المجوس:((..فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولاً))الإسراء:5، واسألوا الله العون على كما تسألونه النصر على عدوكم)،(أخبار عمر لـ..علي) الطنطاوي، ص242، عن: نهاية الأرب في تاريخ العرب6/168، والعقد الفريد 1/49).
أنفسكم كما تسألونه النصر على عدوكم)،(أخبار عمر لـ..علي) الطنطاوي، ص242، عن: نهاية الأرب في تاريخ العرب6/168، والعقد الفريد 1/49).
ويرتفع أثر المعصية في الهزيمة عندما تكون المعصية للقائد في قلب المعركة، وبصدد حديثنا عن الجماعة النموذج رأينا كيف كانت مخالفة الرماة لأمر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في البقاء على جبل الرماة مهما كانت نتيجة المعركة نصراً أو هزيمة هي التي قادت إلى المحنة الكبرى في أحد، بل يمكن القول: إن هذه المخالفة انتزعت النصر وحولته إلى هزيمة كما كتب الله عز وجل: ((وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ..))آل عمران: 152، فبعد أن انتهت المعركة بالنصر وهرب العدو، ولم يكن دون أخذه قليل ولا كثير، تحولت النتيجة برمتها إلى محنة قاسية كان ثمنها سبعين شهيداً في المعركة.
التنازع في الأمر والاختلاف في الرأي ولا نزال بصدد الحديث عن الجماعة النموذج، فجماعة يقودها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وجنودها صحبه أفضل أهل الأرض، لا يحابون إن خرجوا عن هذه السنن، فالتنازع في الأمر قبل المعركة أو داخلها يقود الأمة إلى الهزيمة والفشل، وحين نراجع عوامل النصر للجماعة النموذج نشهد تلك العناصر الأربعة كما ذكرت في سورة الأنفال، وعقب غزوة بدر: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً
1. فَاثْبُتُواْ
2. وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُون
3. وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ
4.وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ
5. وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)، (الأنفال:46)
6. وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاء النَّاسِ ..)الأنفال:47
فإذا كانت هذه عوامل النصر الذي أعطاه الله تعالى للمؤمنين في بدر ، ففي أحد حيث انتزع النصر منهم للأسباب المعاكسة تماماً: ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذن ، حتى إذا:
1. فشلتم،
2 . تنازعتم في الأمر
3. وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون
4. منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة فالتنازع وقع كذلك عند جبل الرماة في قول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وتفسيره، فقد كانت مغادرة الجبل في أحد معصية ظاهرة لله ورسوله إذ قال لهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) (إن رأيتمونا يتخطفنا الطير فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم ، وإن رأيتمونا ظهرنا على العدو وأوطئناهم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم)، (البخاري، ج: 4043)، ولا عذر بالنسيان، فقد ذكرهم أميرهم بأمر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن لا يغادروا مواقعهم، والتعبير القرآني في التعقيب على بدر يجعل للتنازع دوراً ليس في الهزيمة في المعركة فقط، بل بانتهاء قوة الأمة بعد المعركة، واستمرار هذا الضعف والضياع حتى يتم العودة إلى وحدة الكلمة، يقول عز وجل: ((.. وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ..))الأنفال:46، وذهاب الريح هو ذهاب القوة كلها من الأمة طالما هي متفرقة متخاذلة متنازعة.
حب الدنيا وإرادتها ولقد حددها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بأنها سبب ضياع الأمة وفقدانها لهويتها وقوتها، من خلال الحديث النبوي المعروف (تتداعى ) عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها .
حب الدنيا وإرادتها ولقد حددها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بأنها سبب ضياع الأمة وفقدانها لهويتها وقوتها، من خلال الحديث النبوي المعروف (تتداعى ) عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها ... وليقذفن في قلوبكم الوهن، قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت)( أبو داوود /ح4297 )
فالأمة المشغولة في دنياها والمفتونة بها، والإنسان الضائع في متاهات ودروب الهوى ليس قادراً على مواجهة عدواَ أكثر منه عدةً وعتاداً، بينما كانت السمة الغالبة للجيل الرائد والجماعة النموذج هو حب الموت، والشهادة في سبيل الله كما يقول خالد (رضي الله عنه) لرستم: (فقد جئتكم بقوم يحبون الموت كما تحبون الحياة) أو (كما تحبون شرب الخمر) ونجد الحديث هنا منصباً على البناء النفسي للإنسان، ومدى تفاعله مع عقيدته أو أهوائه، وهذا ما كتبه عمر (رضي الله عنه) لقائده عمرو بن العاص يوم أبطأ عليهم النصر في الإسكندرية(أما بعد فقد عجبت لإبطائكم في فتح مصر إنكم تقاتلونهم منذ سنتين، وما ذلك إلا لما أحدثتم وأحببتم من الدنيا، ما أحب عدوكم، وإن الله تعالى لا ينصر قوماً إلا بصدق نياتهم).
وإرادة الدنيا أبعد مدى من حبها، فإرادة الدنيا هو أن يحضر المعركة رغبة في الغنيمة أو النصر أو الذكر، لا رغبة في مرضاة الله وحبه والاستشهاد في سبيله، وهذا الأمر كذلك داع إلى الهزيمة في الجماعة النموذج وداع إلى انتزاع النصر كما يقول تعالى للمسلمين في أحد: ((..مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ..)) آل عمران:152 ، وحتى لا يقع في حس المسلم أن فقدان النصر في أحد ، كان مداره السبب المباشر من أسباب الأرض ، وهو مغادرة الجبل ، والتي كان في القدرة الربانية سد هذه الثغرة وصرف أنظار خالد عنها ، لم يذكر القرآن الكريم الحادثة ذاتها فليست الهدف، إنما ذكر الدافع لها مباشرة: ((حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ...)).
ومع أن الفشل والتنازع في الأمر والمعصية لم تقع في الجيش كله إنما وقع في مجموعة صغيرة منه، والذين يريدون الدنيا كما برزوا في الغزوة لم يكونوا كثرة بالنسبة للجيش، وإن كانوا كثرة بالنسبة للرماة، فلم يعف ذلك المسلمون من المحنة، فالخلل في البناء التربوي والنفسي والمعصية وحب الدنيا والتنازع جعل العقوبة الربانية جاهزة، مع ذلك ففي هذه العقوبة لطف وعفو وحكمة ، حيث لم تصل إلى حد الهزيمة، إنما انتهت بانتزاع النصر: ((.. ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ))آل عمران:152
البناء التربوي والنفسي والمعصية وحب الدنيا والتنازع جعل العقوبة الربانية جاهزة، مع ذلك ففي هذه العقوبة لطف وعفو وحكمة ، حيث لم تصل إلى حد الهزيمة، إنما انتهت بانتزاع النصر: ((.. ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ))آل عمران:152
فلا يكفي في هذه القوة أن تبث الرعب وترهب العدو، وحلفاؤه الذين نعرفهم، بل حلفاؤه الذين لا نعرفهم، والله تعالى يعلمهم، فالمدى الأبعد والهدف الأقصى يجب أن يكون داخلاً في التخطيط
الإخلال في الإعداد المادي
فقد جاء الأمر بالإعداد في قوله تعالى : ((وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ ..)) الأنفال:60
وقد أوضح الكتاب الكريم الفرق بين الواقع والهدف فالواقع مرتبط بالإمكانات المتاحة، بالاستطاعة، وأي تهاون في الإعداد، والأمة المؤمنة تستطيعه لا بد وان ينعكس سلباً على المؤمنين وأن يتحملوا نتيجة هذا الخلل.
أما من حيث الهدف، فهو أن تكون هذه القوة ليست قوة دفاعية فقط، ولكن قوة تبث الرعب ليس في صفوف العدو فقط، ولكن في صفوف أنصاره ومعاونيه وحماته.
فالهدف واضح في الإعداد: ((..تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ ..))الأنفال:60
فلا يكفي في هذه القوة أن تبث الرعب وترهب العدو، وحلفاؤه الذين نعرفهم، بل حلفاؤه الذين لا نعرفهم، والله تعالى يعلمهم، فالمدى الأبعد والهدف الأقصى يجب أن يكون داخلاً في التخطيط، لكن قد تقع الظروف وتقع المعركة قبل الوصول إلى هذا الهدف، فإذا كان الإعداد على مستوى الاستطاعة قائماً، فالله تعالى ينصر جنده المؤمن، وإنما يعاقب هذا الجندي إن أعد دون ما يستطيعه ويقدر عليه، ولا داعي للحديث عن الإعداد المعنوي للإنسان، فالحديث السابق كله ينصب على الإعداد المعنوي.