ورد في كتاب ((البصائر والذخائر)) لأبي حيَّان التوحيدي أنَّ شخصاً شتم عمر بن عبد العزيز، فقال له رضي الله عنه : ( لولا يوم القيامة لأجبتك).
إنَّه الخوف من يوم القيامة، يومَ {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ}. (الشعراء:88)، وإنَّه فقه معنى قوله تعالى: {وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ}. (القمر :53).
فكلُّ حركات الإنسان وسكناته في هذه الدنيا مسطورة في كتاب، وكلُّ أقواله مدوّنة في سجل لا يظلم فيه أحدٌ .. {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}. (ق:18). وستوزن أقواله وأعماله يوم القيامة في ميزان دقيق وصفه المولى تبارك وتعالى :{ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ}. (الأنبياء:47).
إنَّه الميزان الذي سينصبه الله سبحانه يوم القيامة للأعمال، قال الله تعالى:{ وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ}. (الأعراف:8)؛ حيث بيّن في هذه الآية الكريمة أنَّ وزنه للأعمال يوم القيامة حق أي لا جور فيه، ولا ظلم، فلا يزاد في سيّئات مسيء، ولا ينقص من حسنات محسن.
فكلُّ حركات الإنسان وسكناته في هذه الدنيا مسطورة في كتاب، وكلُّ أقواله مدوّنة في سجل لا يظلم فيه أحدٌ .. {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}. (ق:18)
وقد ثبت عن النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّ هذا الميزان ميزان حقيقي له كفتان، وأنه توزن به الأعمال، ولو كانت أعراضاً من الإيمان والمحبَّة الصّدق والخوف والكلمة الطيبة ونحوها، لأنَّ الله سبحانه وتعالى على كل شيء قدير، فهو قادر على أن يجعل الأعراض كالأعيان توزن، فيؤتى بإيمان الإنسان وصدقه وإخلاصه وحبه لله وحبه للرَّسول، وغيرها من أعمال القلوب وأعمال الجوارح، وتوزن كلّها ويشاهدها الإنسان وهي توزن، ولهذا ورد أنَّ (لا إله إلاَّ الله) التي شهدها العبد صدقاً من قلبه تكتب في بطاقة وتوضع في كفة الميزان، وفي الحديث: ((كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمان : سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم)). (متفق عليه). وفي الحديث : ((والحمد لله تملأ الميزان)). (رواه مسلم).
وكذلك أيضاً ورد أنَّ العباد أنفسهم يوزنون؛ كما في حديث النبيّ عليه الصَّلاة والسّلام أنّه قال: (( يؤتى بالرَّجل العظيم السَّمين من أهل الدنيا يوم القيامة، فلا يزن عند الله جناح بعوضة)). (البخاري ومسلم).
ولمَّا تعجَّب الصَّحابة من دقَّة ساقي عبد الله بن مسعود وضحكوا، قال رسول الله عليه الصَّلاة والسَّلام: ((تعجبون من دقة ساقيه ؟ لهما عند الله أثقل من جبل أحد )). (رواه أحمد في مسنده).
في الميزان توضع الحسنات في كفة، والسيئات في كفة، فمن مالت حسناته بسيئاته فهنيئاً له، وطوبى وكرامة له، ومن مالت سيئاته بحسناته فخسارة وندامة له، نسأل الله العافية والسَّلامة.
فمن ثقلت موازينه ..
في الميزان توضع الحسنات في كفة، والسيئات في كفة، فمن مالت حسناته بسيئاته فهنيئاً له، وطوبى وكرامة له، ومن مالت سيئاته بحسناته فخسارة وندامة له، نسأل الله العافية والسَّلامة.
قال سبحانه: { فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} ، قال الإمام القرطبي: (أي عيش مرضي ، يرضاه صاحبه. وقيل : {عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} أي فاعلة للرضا ، وهو اللين والانقياد لأهلها. فالفعل للعيشة لأنها أعطت الرضا من نفسها ، وهو اللين والانقياد. فالعيشة كلمة تجمع النعم التي في الجنة). وقال اللّه تعالى: {فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}. أي: الفائزون بالجنَّة.
ومن خفَّت موازينه ..
قال عزّ وجل: {وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ }، يعني جهنم. وسمَّاها أمّاً، لأنه يأوي إليها كما يأوي إلى أمه. وسمّيت النار هاوية، لأنه يهوي فيها مع بعد قعرها. ويروى أنَّ الهاوية اسم الباب الأسفل من النار. وقال قتادة : معنى {فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} فمصيره إلى النار. عكرمة : لأنه يهوي فيها على أم رأسه. وقال سبحانه : {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ }. قال ابن عبَّاس : غبنوها بأن صارت منازلهم للمؤمنين . وقيل : امتنع انتفاعهم بأنفسهم لكونهم في العذاب .
قال ابنُ قيم في (طريق الهجرتين) : (قال حذيفة وعبد الله بن مسعود وغيرهما من الصَّحابة يحشر الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف؛ فمن رجحت حسناته على سيئاته بواحدة دخل الجنة، ومن رجحت سيئاته على حسناته بواحدة دخل النار، ومن استوت حسناته وسيئاته فهو من أهل الأعراف وهذه الموازنة تكون بعد قصاص واستيفاء المظلومين حقوقهم من حسناته).