عندما تجد نفسك محروماً من أبسط صور الرعاية الصحية، يُمنع ذووك من زيارتك، تُقدّم إليك أسوء أصناف الأطعمة، وقد تُحبس في زنزانة لا تتسع إلاَّ لوقوفك، فاعلم أنك أسير فلسطيني تقبع في سجون الاحتلال.
يدخل الأسرى الأبطال الأسبوع الرابع من الإضراب، في ظل تجاهل مصلحة السجون لمطالبهم والتمادي في التعسف والتضييق ضد الأسرى المضربين عن الطعام، معاناة إنسانية حقيقية خلف تلك القضبان الصدئة، صمت إلاَّ من بعض صرخات الناشطين في عدد من دول العالم.. والوضع يزداد سوءاً.
لمناقشة مطالب الأسرى وأثر إضراب الكرامة كان معنا الأسير المحرَّر والقيادي في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) الشيخ روحي مشتهى "أبو جمال" ولمن لا يعرف ضيفنا؛ فهو من أمضى في تلك السجون خمسة وعشرين عاماً قبل أن يفرج عنه في صفقة وفاء الأحرار أواخر العام المنصرم.
وفيما يلي نص الحوار:
بصائر: بداية ما هي مطالب الأسرى من خلال إضراب الكرامة المستمر منذ أكثر من 20 يوماً؟
روحي مشتهى: دعيني أستهل أبزر مطالب الأسرى المضربين بالقضية الأهم والأخطر؛ ألا وهي العزل الانفرادي وما يتعرَّض له الأسير من تميز وإبعاد عن الإخوة لمُدَد طويلة جداً، "هناك من الأسرى من أمضى 12 سنة في ظروف العزل الانفرادي، مع ما فيها من تضييق في الحياة الاجتماعية والحرمان من أكثر القضايا الحياتية الإنسانية، يمنع من الشمس والفضاء والهواء وإمكانية الحركة، ويبقى حوالي ثلاثة وعشرين ساعة حبيس غرفة أو زنزانة صغيرة جداً لا تتجاوز مترين في متر هذا في أحسن الظروف". هناك من الأسرى من أمضى 12 سنة في ظروف العزل الانفرادي، مع ما فيها من تضييق في الحياة الاجتماعية والحرمان من أكثر القضايا الحياتية الإنسانية، يمنع من الشمس والفضاء والهواء وإمكانية الحركة، ويبقى حوالي ثلاثة وعشرين ساعة حبيس غرفة أو زنزانة صغيرة جداً لا تتجاوز مترين في متر هذا في أحسن الظروف.
ومن مطالب الإضراب أيضاً تحسين الواقع الصحي؛ حيث إنَّ الخدمات الصحية المقدَّمة للأسرى بلغت ذروة السوء والإهمال؛ ويمكنك القول: إنَّ مصلحة السجون الإسرائيلية أبدعت باكتشاف وصفة طبية عجيبة جداً تصلح لعلاج كل الأمراض سواء القلب والكلى والسكري وكافة الأمراض المزمنة؛ وهي عبارة عن حبوب الأكامول وجرعات من المياه وفقط.
الواقع الصحي واقع مأساوي وسيّئ للغاية.. هناك الكثير من الإخوة يعانون من الكثير من الأمراض، لدينا هناك من يعاني من القلب المفتوح ومن الكلى وأمراض العضلات وغيرها.
النقطة الثالثة: هي فقدان الحياة الاجتماعية ومنع الأسرى من زيارة ذويهم، فأسرى قطاع غزة لهم ست سنوات حتى الآن لم يزر أيّ أسير منهم أهله، وحتى أسرى الضفة الغربية يعانون من انقطاع الزيارة، وإن فُتح الباب للزيارات فهي لعدد محدود من الأهالي وفي غالب الأحيان تكون الزيارة للأطفال والصغار، وقد تعجب إذا قلنا: إنَّ هناك أماً أو أباً يمنع من الزيارة؛ إمَّا لـعدم العلاقة النسبية حسب ما يدعون، فلا يعطوهم تصاريح أو لأسباب خطورة تلك العجوز أو ذاك الشيخ "الأمنية" على (إسرائيل)!
فقدان الحياة الاجتماعية داخل السجون أيضاً، حيث أصبحت السجون مكان للعزل وإن سمّي سجناً، أصبحت العلاقات الاجتماعية محصورة بين أفراد الغرفة الواحدة، وفي أحسن الأحوال بين أفراد القسم الواحد، وليس هناك إمكانية للتزاور داخل الغرف والأقسام مع أن ذلك كان متاحاً قبل أسر شاليط؛ وهي الحجة التي يعلق عليها الاحتلال الإسرائيلي سبب تعسفه، كذلك الظروف التعليمية: الأسرى الفلسطينيون ممنوعون من نيل حتى شهادة الثانوية العامة داخل السجون، وكان هذا إنجاز متاح حققه الأسرى قبل سنوات، وكذلك الدراسة الجامعية التي حرموا منها أيضاً حتى لو كانت الدراسة ضمن برامج الجامعة العبرية. أيضاً هناك ما يزيد عن 400 منجر تم تحقيقه على مدار الحياة الاعتقالية تم قضمه خلال السنوات الماضية بحجة أسر شاليط، وهذه المنجزات شملت الظروف الحياتية والاجتماعية للأسرى كالخروج للفسحة والتزاور وما إلى ذلك، قضايا كثيرة لكنها بالإجمال تأتي تحت العناوين ... وأسوء ما يكون هو تعرّض الإخوة للتفتيش العاري المذل، وللآن إخواننا المضربين يسامون سوء العذاب بهذه الأساليب غير الأخلاقية والنفسية والجسدية داخل السجون.
بصائر: كيف تصلكم أخبار الأسرى المضربين ؟
روحي مشتهى : نحاول بفضل الله رب العالمين الاجتهاد بالتواصل مع إخواننا المضربين، هناك تواصل وفق أدوات ووسائل لا نريد التعبير عنها، لكن أيضاً نتواصل عن طريق المحامين، ومن خلال الزيارات لبعض الإخوة غير المضربين.
بصائر: كيف تقيمون هذا الإضراب .. هل يمكننا اعتباره الأبرز في تاريخ المعتقلات الإسرائيلية؟
روحي مشتهى: كل إضراب له سماته وصفاته، كل إضراب في وقته هو الأفضل والأحسن والأنسب، ونحن نسأل الله عزّ وجل أن يتمم على إخواننا بالخير وأن ينصرهم على جلاديهم ويحققوا انجازاتهم، لكن لا شك هو إضراب مطلوب ليس لأنَّ أسرانا يحبون المعاناة من الجوع والعطش، بل لأنَّ مصلحة السجون تجاهلت هؤلاء الإخوة ومطالبهم، لكنها قضمت عدداً كبيراً من منجزاتهم وحقوقهم بسبب أسر شاليط، وقد انتهى أسر شاليط إلاَّ أنَّ إسرائيل لم تلتزم ببقية الاتفاقية، والتي تنص بصورة واضحة وجلية ولا تحتمل اللبس على إخراج الإخوة المعزولين من العزل، وإعادة الأمور على ما كانت عليه قبل أسر الجندي شاليط، والسماح بالتعليم الأكاديمي الجامعي للطلبة الفلسطينيين، إسرائيل بطبيعتها ومصلحة السجون (وهي الجهة التي ترعى الأسرى الفلسطينيين) تنكروا حتى لهذا الاتفاق، وهذه القضية يفترض على الجانب المصري الذي كان راعياً لهذا الاتفاق أن يعيد حساباته ويضغط باتجاه تحقيق القضايا المتفق عليها.
بصائر: وزير الأسرى عطا الله أبو السبح قال في تصريح له: إنَّ اليومين القادمين من الإضراب سيكونان حاسمين؛ إمَّا أن تستجيب إدارة السجون لمطالب الأسرى، وإمَّا سيبدأ الأسرى مرحلة كسر العظم، وهذا سيؤدي لسقوط شهداء؟ ما تفاصيل المرحلة القادمة؟
"الإضراب بطبيعته لون من ألوان المقاومة السلبية؛ بمعنى أنَّ المعاناة تقع على بدن الأسير نفسه، في حال فشل الأسير في تحقيق إنجازاته، فلن يتمكن من تحقيق الجانب الإيجابي من الإضراب وانتزاع حقوقه؛ حيث إنَّ مصلحة السجون معنية بالمزيد من التضييق عليه"
روحي مشتهى: الإضراب بطبيعته لون من ألوان المقاومة السلبية؛ بمعنى أنَّ المعاناة تقع على بدن الأسير نفسه، في حال فشل الأسير في تحقيق إنجازاته، فلن يتمكن من تحقيق الجانب الإيجابي من الإضراب وانتزاع حقوقه؛ حيث إنَّ مصلحة السجون معنية بالمزيد من التضييق عليه، نحن نسأل الله عزّ وجل أن لا يتحقق ذلك ونسأله أن يهيّئ أسباب الخير لإخواننا، إذا لا سمح الله لم يحقّق الإضراب مطالبه، فلن يكون هناك ردَّة فعل ايجابية من قبل مصلحة السجون وتقدرها، اعتقد أنَّ الأسرى لا بد لهم أن يحققوا مطالبهم، مع أنَّ مصلحة السجون تحاول عدم إبداء أيّ ردَّة فعل إيجابية .
بصائر: كيف تقيّم الفعاليات وصور التضامن الشعبية والعالمية والعربية مع إضراب الكرامة، وما المطلوب من الأفراد والمجتمعات المسلمة؟
روحي مشتهى: قضية الأسرى هي قضية وطنية بالدرجة الأولى، لكنَّها أيضاً قضية عربية وإسلامية، لأنَّ هؤلاء الأسرى ما خرجوا إلاَّ دفاعاً عن أنفسهم وعن حقوقهم كأصحاب قضية، وأصحاب أرض محتلة وأصحاب مقدسات مدنسة، هؤلاء لهم حق على الإنسانية جمعاء أن تقف معهم وتحاول أن تخفف من أعبائهم، وتكشف الغطاء مع اسرائيل معاملتها الوحشية المجرمة التي لا تستند إلى أيّ قانون سوى قانون الغاب.
من الواضح أنَّ الأسرى خرجوا دفاعاً عن كلِّ أبناء الأمة ومقدساتها، وبالتالي المطلوب من الأمَّة أن تحشد كلِّ إمكانياتها وطاقاتها، ليس للتخفيف فقط عن هؤلاء الأسرى في ظروفهم المعيشية في المعتقلات، بل للإفراج عنهم،"الأسرى خرجوا دفاعاً عن كلِّ أبناء الأمة ومقدساتها، وبالتالي المطلوب من الأمَّة أن تحشد كلِّ إمكانياتها وطاقاتها، ليس للتخفيف فقط عن هؤلاء الأسرى في ظروفهم المعيشية في المعتقلات، بل للإفراج عنهم" وهذا الهدف الأشمل الذي يفترض أن نصل إليه، ويجب أن يكون هناك إلحاح على ذلك فهؤلاء أبنائنا وإخواننا وأبناء فصائلنا وعشائرنا وقبائلنا، والواجب الوقوف بجانبهم ومساندتهم من كافة فصائل الشعب الفلسطيني.
أمَّا إن تحدثنا عن الموجود الآن على الساحة، فمن الواضح أنَّ هناك بعض الدوائر التي تتعاطى إيجابياً مع القضية، وهناك للأسف بعض الدوائر لا تتعاطى بالقدر الكافي مع الموضوع، لو تحدثنا عن غزة هناك فعاليات لا بأس بها ونأمل أن تستمر، وهناك في أوروبا بعض الحراك، وكذلك في بعض الدول العربية، في الضفة الغربية الحراك قليل إن لم يكن معدوماً.
نحتاج لأن يفهم الجميع أنَّ هناك واجباً ليس فقط على الأم والأب والأسرة القريبة وأبناء الحي إنَّما هو على كافة فئات المجتمع الفلسطيني سواء كان على المستوى السياسي أو المستوى الإنساني والحقوقي والنقابي حتى نصل لأصغر مكوّنات الشعب الفلسطيني كلٌّ حسب قدرته وطاقته، فمن يستطيع الدعاء ولا يدعو فهو حسب تقديري آثم، ومن يملك المال ولا ينفقه في سبيل التخفيف عن هؤلاء الأبطال فهو أيضاً يتحمل إثماً، ومن يملك القرار والقدرة على تحريك الطاقة والقوَّة لنصرة هؤلاء الأبطال فهو يتحمَّل جزءاً كبيراً من الإثم.
بصائر: الأسير أحمد سعدات وعدد من أبناء التنظيمات أعلنوا دخولهم للإضراب، يبدو أننا نشهد وحدة صف داخل السجون، وهل لك أن تطلعنا على آلية الانضمام للإضراب؟
روحي مشتهى: قد يكون خفيّاً على كثير من الناس أنَّه لم يكن من المقرَّر دخول جميع الأسرى للإضراب دفعة واحدة على غير العادة، إضراب الكرامة هو عبارة عن موجات، تدخل موجة ثمَّ تتبعها موجة ثمَّ موجة، وهكذا .. حتى يشارك الجميع كل حسب طاقته وقدرته هناك من لا يستطيع أن يضرب من البداية حتى النهاية، فالفوج الأول كان هو الأقدر ثم يليه التالي.
دخول الإخوة من الفصائل المختلفة هو أمر طبيعي جداً، وهناك أفواج وأمواج جديدة من الأسرى ستدخل خلال الأيام القادمة من الإخوة الذين يقدرون على خوض هذه التجربة.
بصائر: هل من كلمة أخيرة؟
روحي مشتهى : أوجه كلمتي للمسلمين قائلاً : هؤلاء الأبطال هم رأس حربة، الذين خرجوا دفاعاً عنكم جميعاً فأطماع يهود في بلاد العرب ليست بخافية، ولا بد أن يسند هؤلاء الإخوة.