ليس عيباً أن يتربّى الرَّجل على يد امرأة، فكم من عظماء الرجال تربوا على أيدي أمهاتهم، فأفادوا أممـاً لا أمَّـة واحدة! يأتي على رأسهم إمام أهل السنة والجماعة الإمام أحمد - رحمه الله – ، وكم من الظروف جعلت من المرأة أمّاً وأباً في الوقت ذاته، نتيجة الطلاق أو وفاة الزوج أو سفره للخارج وانشغاله عن تربية الأولاد، فتصبح الزوجة وقتها هي الأساس والمسؤولة عن تربية أولادها وتوجيههم.
لكنّنا كثيراً ما نسمع اليوم في مجتمعاتنا جملة "هذا الشخص تربية امرأة" كناية عن ضعف التربية وضعف العزم والهمَّة، فهل تربية المرأة لأولادها بعيداً عن زوجها أصبحت "وصمة عار"، وهل أذنبت المرأة عندما قامت بهذا الدور حتى أوصلت أولادها لأعلى المناصب والمراكز؟.
المرأة أساس عملية التربية
الاختصاصي الاجتماعي ورئيس قسم الخدمة الاجتماعية بالجامعة الإسلامية بغزة الدكتور وليد شبير قال لـ" بصائر" :" إنَّ المرأة هي الأساس في عملية التربية، فالجيل الصالح وراءه امرأة صالحة، والمقولة التي يستهزئ بها البعض بلفظة "تربية امرأة" ليست صحيحة".
وأضاف أنَّ المرأة المسلمة قادرة على إخراج جيل واع متفتح، مستدلاً على ذلك بــ"أبناء الشهداء" الذين استشهد والدهم وبقوا أمانة في يد أمهاتهم، وتربوا على أيديهن وخرجوا إلى مجتمعهم أقوياء البنية يستطيعون الاعتماد جيّدًا على أنفسهم، وكانوا أصلح ممَّن تربوا بين أحضان والديهم.
وأشار شبير إلى أنَّه لا يمكن التعميم بالقول: إنَّ تربية المرأة خطأ بالمطلق، وليس من العيب أن تربّي الأم أولادها، وتقوم على تعليمهم حتى يصبحوا قادرين على الاعتماد على أنفسهم، كما تفعل الأم الفلسطينية التي صبرت على غياب زوجها ربما لرباط أو استشهاد، وقامت بالاجتهاد على أولادها لتنال رضا الله أولاً، ثمَّ رضا أولادها.
ولفت شبير إلى أهمية دور الأم، كونها تجلس مع أبنائها لوقت طويل أكثر من الأب، وتتابع أولادها سواء في البيت أو خارجه وتسأل عنهم، منوّهاً إلى أنَّ هناك ظروفاً قد تؤثر على المرأة من أقاربها أو أقارب زوجها، فيقولون: إنَّها لن تستطيع أن تربي أولادها، وهذا ليس صحيحاً؛ لأنَّها الأحق بهم؛ وهي الوحيدة التي تشعر بالخوف عليهم وتسعى لحياة أفضل.
تكامل دور الرَّجل مع المرأة
وأشار شبير إلى أهمية دور الرجل إلى جانب المرأة،في تنشئة جيل صالح،مبيناً أن وجود الرجل إلى جانب المرأة شيء ضروري ولابد منه لأنَّ المرأة تحكمها عواطفها، والرَّجل لا ينساق إلى قلبه الذي تتحكم به عواطفه من أجل تنشئة رجال أقوياء، يعتمد عليهم، على حدِّ تعبيره.
وأوضح أنَّ الأم هي التي تلد ثمَّ تربي وأنَّها مسؤولة عن أولادها في البيت والمدرسة والشارع، وهي أساس البيت، وكما يقال : "وراء كل رجل عظيم امرأة" ووراء كل جيل صالح امرأة. مشيراً إلى أنَّ الرجل لا يكون متفرّغاً لشؤون بيته وأسرته، بطبيعة عمله، فكيف له من تربية أولاده؟.
دور المرأة في غرس المفاهيم الإسلامية
وذكر شبير أنَّ المرأة لها دور أساس في غرس المفاهيم والقيم الإسلامية في نفوس أبنائها، "فالطفل يرى أمه إلى جانبه طوال النهار ويكون متعلق بها، فيقلدها وهي تصلي مثلاً، وتكون بذلك قدوة حسنة له.
وأضاف أنه يجب على الأم تنقية ألفاظها جيدا،حتى تزرع في نفوس أبنائها الخير، ((فكل مولود يولد على الفطرة فأبواه إما يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه))، كما في الحديث الصحيح.
ورأى شبير أنَّه يجب على وسائل الإعلام أن يكون لها دور رئيس في عملية التوعية بدور الأم، إلى جانب عقد الندوات في المساجد، واستثمار الأيام الدراسية في المدارس والجامعات، للتأكيد على فضل الأم ومكانتها ودورها الرائد في التنشئة.
الأنبياء والعلماء ربتهم أمهاتهم
وتعريجا على هذا الموضوع قال رئيس قسم الشريعة في الجامعة الإسلامية بغزة الأستاذ صادق قنديل:" إنَّ تداول عبارة "تربية امرأة" ليس صحيحاً، فنبيّنا الكريم صلَّى الله عليه وسلّم فقد الأب في بداية حياته،وقامت برعايته مرضعته ثويبة، وتنقل بعدها إلى حليمة السعدية،فمن أشرفن على تربيته مجموعة من النساء، ولم يخضع في حياته لتربية أبوية". "وراء كل رجل عظيم امرأة" ووراء كل جيل صالح امرأة.
وأردف قائلاً :"كما أنَّ الكثير من الشواهد تثبت لنا فضل المرأة، فنبيُّ الله عيسى عليه السَّلام لم يكن له أب وقامت بتربيته أمه مريم عليها السّلام . مضيفاً أنَّ سير الأنبياء والعظماء تبيّن مدى قيمة المرأة ولمستها التربوية الناجحة، فإن لم تكن الأم تربيتها قوية وناجحة لما نشأ هؤلاء العظماء".
وتابع قنديل بالقول:" لو انتقلنا إلى العلماء وركزنا على العالم الأكبر،صاحب المذهب الأقدم، مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان، ونظرنا إلى سيرته، لوجدنا أنَّ أمه هي التي ربته،ودفعت به إلى السوق ليتاجر، ثمَّ أصبح من أغنياء القوم ومن فقهائها".
وأضاف أنَّ الإمام الشافعي وضعته أمه في غزة ورحلت به إلى بلدان عدَّة، وقامت بتربيته حتى وصل إلى ما هو عليه.
أسباب النعت بــ"تربية امرأة"
ورأى قنديل أنَّ هناك أسباباً شخصية تدفع بالآخرين ليهاجموا بعضهم بالنعت بتربية امرأة. موضحاً أنَّ البعض ربما رأى تجارب فاشلة لأمهات فقدن أزواجهن ولم يستطعن تربية أبنائهن تربية صحيحة، فانحرفوا عن الطريق المستقيم، فأصبحوا يعزون هذا الفشل إلى الأم باعتبارها الحلقة الأضعف.
ونوَّه إلى أنَّه لا يمكن من الناحية المنطقية أن نتخذ من بعض الحالات الاستثنائية والشواهد قواعد ثابتة ونظريات حقيقية نستشهد بها.
وذكر قنديل أنَّ المرأة قادرة على إخراج جيل صالح إن امتلكت مقومات ذلك، فهي التي تلد وتربّي بمعنى أنّها تمثل انتزاع روح من روح فكيف تترك الأم فلذة كبدها يسير على طريق الضلال؟
أصل الفتى فعله
وقال قنديل:" إنَّ التقليل من شأن المرأة لا يقوم به إلاَّ إنسان جاهل، فنبيُّ الله عندما حضر الموقف الذي دار بين أبي ذر الغفاري وبلال ابن رباح، عندما نادي أبو ذر بلالاً بقوله يا "ابن السوداء" فزجره النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم ونهاه عن ذلك، فالعبرة ليست بأم هذا وأب ذاك، وأصل الفتى فعله"، على حدِّ تعبيره.
وطالب قنديل أبناء المجتمع بضرورة أن يكونوا يداً بيد، وأدوات صالحة ومؤثرة ليصلوا إلى أعلى المستويات، ويرفضوا بدورهم أيّ نظرة غير سليمة توجّه للمجتمع.
{youtube}yNrJWCl5zJ8{/youtube}