الإسراف .. غريزة بشرية بحاجة لتقويم

الرئيسية » بصائر تربوية » الإسراف .. غريزة بشرية بحاجة لتقويم
alt

الإسراف هو التبذير ومجاوزة الحد، ويراد به مجاوزة حد الاعتدال في الطعام والشراب واللباس والسكنى ونحو ذلك من الغرائز الكامنة في النفس البشرية.

أولا: أسبابه:

1- النشأة الأولى: قد يكون السبب في الإسراف إنما هي النشأة الأولى، ذلك أن المسلم قد ينشأ في أسرة حالها الإسراف والبذخ، فما يكون منه سوى الاقتداء والتأسي بأسرته، وكما قال القائل:

وينشأ ناشئ الفتيان منا        على ما كان عوده أبوه

2- السعة بعد الضيق: وقد يكون الإسراف سببه السعة بعد الضيق أو اليسر بعد العسر، ذلك أن كثيرًا من الناس قد يعيشون في ضيق أو حرمان أو شدة أو عسر وهم صابرون محتسبون بل وماضون في طريقهم إلى ربهم، وقد يحدث أن تتغير الموازين وأن تتبدل الأحوال فتكون السعة بعد الضيق أو اليسر بعد العسر وحينئذ يصعب على هذا الصنف من الناس التوسط أو الاعتدال فينقلب على النقيض تمامًا فيكون الإسراف أو التبذير.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "فأبشروا وأملوا ما يسركم، فو الله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتم".

3- صحبة المسرفين: وقد يكون في الإسراف إنما هي صحبة المسرفين ومخالطتهم ذلك أن الإنسان غالبًا ما يتخلق بأخلاق صاحبه وخليله، لاسيما إذ طالت هذه الصحبة وكان هذا الصاحب قوى الشخصية شديد التأثير.

4- الزوجة والولد: قد يبتلى المسلم بزوج وولد دأبهم وديدنهم الإسراف، وقد لا يكون حازمًا معهم فيؤثرون عليه، وبمرور الأيام وطول المعاشرة ينقلب مسرفًا مع المسرفين.

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام الذي على الناس راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده وهي مسئولة عن... ".

5- التهاون مع النفس: وقد يكون السبب في الإسراف التهاون مع النفس، ذلك أن النفس البشرية تنقاد وتخضع ويسلس قيادتها بالشدة والحزم وتتمرد وتتطلع إلى الشهوات، وتلح في الانغماس فيها بالتهاون واللين، وعليه فإن المسلم العامل إذا تهاون مع نفسه ولبى كل مطالبها أوقعته لا محالة في الإسراف، قال تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا 9 وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا 10) (الشمس).

ثانيًا: آثاره:

1) قسوة القلب: إن هذا القلب يرق ويلين بالجوع أو بقلة الغذاء، ويقسو ويجمد بالشبع أو بكثرة الغذاء سنة الله ولن تجد لسنة الله تحويلا، وحين يقسو القلب أو يجمد فإن صاحبه ينقطع عن البر والطاعات، والويل كل الويل لمن كانت هذه حالة (فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ) (الزمر: من الآية 22) وحتى لو جاهد المسلم نفسه وقام بالبر والطاعات فإنه لا يجد لها لذة ولا حلاوة بل لا يجنى من ورائها سوى النصب والتعب (... ورب قائم حظه من قيامه السهر).

2) تحريك دواعي الشر والإثم: ذلك أن الإسراف يولد في النفس طاقة ضخمة ووجود هذه الطاقة من شأنه أن يحرك الغرائز الساكنة أو الكامنة في هذه النفس، وحينئذ لا يؤمن على المسلم العامل الوقوع في الإثم والمعصية إلا من رحم الله، يقول صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء".

3) عدم الرعاية أو الاهتمام بالآخرين: أن الإنسان لا يرعى الآخرين ولا يهتم غالبًا إلا إذا أضناه التعب وعصبته الحاجة، كما أثر عن يوسف عليه السلام أنه لما صار على خزائن الأرض ما كان يشبع أبدًا، فلما سئل عن ذلك قال: أخاف أن شبعت أن أنسى الجياع.

4) المساءلة غدًا بين يدي الله: المساءلة غدًا بين يدي الله، كما قال سبحانه: (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ 8) (التكاثر).

ومجرد الوقوف بين يدي الله للمساءلة والمناقشة عذاب، كما قال صلى الله عليه وسلم: "... من نوقش الحساب يوم القيامة عذب".

5) الوقوع تحت وطأة الكسب الحرام: ذلك أن المسرف قد تضيق به أو تنتهي موارده فيضطر تلبية وحفاظًا على حياة الترف والنعيم التي ألفها إلى الواقع والعياذ الله في الكسب الحرام، وقد جاء في الحديث: "كل جسد نبت من سحت أي من حرام فالنار أولى به".

6) الحرمان من محبة الله: والأثر العاشر الذي يتركه الإسراف إنما هو الحرمان من محبة الله، كما قال سبحانه: (إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ 141) (الأنعام).

ثالثًا: علاجه:

1- التفكر في الآثار والعواقب المترتبة على الإسراف، فإن ذلك من شأنه أن يحمل على تدارك الأمر والتخلص من الإسراف قبل فوات الأوان.

2- الحزم مع النفس، وذلك بفطمها عن شهواتها ومطالبها وحملها على الأخذ بكل شاق وصعب من قيام ليل إلى صوم تطوع إلى صدقة إلى مشي على الأقدام إلى حمل الأثقال... ونحو ذلك.

3- دوام النظر في سنة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته فإنها مليئة بالتحذير من الإسراف بل ومجاهدة النفس والأهل والعيش على الخشونة والتقشف، إذ يقول صلى الله عليه وسلم: "والمؤمن يأكل في معي واحد والكافر يأكل في سبع أمعاء".

4- الانقطاع عن صحبة المسرفين، مع الارتماء في أحضان ذوي الهمم العالية والنفوس الكبيرة، الذين طرحوا الدنيا وراء ظهورهم، وكرَّسوا كل حياتهم من أجل استئناف حياة إسلامية كريمة، تصان فيها الدماء والأموال والأعراض، ويقام فيها حكم الله عزَّ وجلَّ في الأرض، غير مبالين بما أصابهم ويصيبهم في ذات الله، فإن ذلك من شأنه أن يقضي على كل مظاهر السرف والدعة والراحة، بل ويجنبنا الوقوع فيها مرة أخرى؛ لنكون ضمن قافلة المجاهدين وفي موكب السائرين.

معلومات الموضوع

الوسوم

  • الوسطية
  • اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

    شاهد أيضاً

    “بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

    كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …