عيشي كمريم ابنة عمران

الرئيسية » بصائر للأسرة والمرأة » عيشي كمريم ابنة عمران
alt

 تعيش الفتاة في حياتها الكثير من المواقف التي تدفعها لإيجاد قدوة في حياتها تأخذ منها بعض الصِّفات أو جلّها , فإمَّا أن تكون قدوتها قدوة خير  تنهل منها كالنبع الطاهر، وإمَّا أن تكون قدوتها نموذجاً يأخذ بيدها للهلاك في الدُّنيا والآخرة....

فلو أنَّها علمت بأنَّ أفضل نساء العالمين كانت فتاة في مثل عمرها تحمل مشاعراً كمشاعرها حب وخوف ورغبة بالأمان وغيرها من المشاعر البشرية، لدفعها ذلك للبحث عن سبب أفضليتها...ولن تجد أفضل من القرآن الكريم.

يحدثنا عن أفضل نساء العالمين مريم ابنة عمران.. قصة لو تفكرت فيها وعاشت معانيها لوجدت فيها قدوة  اصطفاها الله تعالى، فقال :
((يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ)). (آل عمران:42).

ولنبدأ من اسمها، فاسمها مريم ومعنى اسم مريم العابدة الزاهده ،لم يكن اسمها مجرّداً، بل كانت تعيش هذا الاسم بكل معانيه وتحيا به، فهي ابنة نبي الله عمران وزوجته التي نذرت ما في بطنها لله تعالى، وهي لا تعلم هل هو ذكر أم انثى والله أعلم بما وضعت ((إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)) . (آل عمران:35). ولكن عندما علمت بأنها أنثى، قالت: ((رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)). (آل عمران :36).
بهذا الدُّعاء والابتهال إلى الله بدأت حياة مريم ((فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا)). (آل عمران : 37).

فعاشت حياتها في محرابها تتعبَّد وتخدم بيت المقدس عاشت حياتها لله تعالى، فكان الله معها لأنَّها كانت مع الله، فقد تجلّت عناية الله لها ورعايته في قصتها ظاهرة لكل من يقرأ آيات القرآن، فقد ولدت وأبوها شيخ كبير وتحتاج لمن يكفلها فاختار الله زكريا عليه السَّلام ليكون خير كفيل لها (( وكفلها زكريا)).

فكل فتاة تعيش لله تعلم أن الله سيكون معها سيرعاها سيرزقها من حيث لا تعلم إن هي كانت عابدة له مخلصة محبَّة، فمريم ابنة عمران كانت كما قلنا كأيّ فتاة تحمل قلباً محباً، ولكنها اختارت أن يكون هذا القلب لله وحده أحبت الله وجعلت غايتها طاعة الله ورضاه، فتمثلت لها العناية الربانية، فكان زكريا كلَّما دخل عليها وجدها تتعبَّد، ولديها من الرزق ما لا يعلم مصدره، وهي تعلم، فكان يسألها مستغرباً((كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ)). (آل عمران : 37).

هل لديك هذا اليقين الذي كانت تحمله!! أحبت الله فأحبها وتولى أمرها، فعندما دخلت على قومها أشارت لطفلها فتكلم بالمهد ليثبت للجميع طهارتها وعفتها،
إنَّ إيمانها القوي جعلها توقن بأنَّ الله هو من رزقها.
وبينما هي تتعبَّد في أحد الأيام حدث معها موقف غير مجرى حياتها وزادها قرباً لله تعالى، فالله اختارها لتكون صاحبة معجزة ربانية تدلّ على قدرة الخالق سبحانه، وهي معجزة خلق الإنسان من غير أب، يقول تعالى : ((واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا،فاتخذت من دونهم حجابا فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا))..

تخيَّلي معي هذا الموقف فتاة عرفت بالعابدة الزاهدة الطاهرة العفيفة يظهر لها في محرابها الذي اختارته بعيداً عن البشر جميعاً، لتكون مع الله وحده،هناك في عزلتها يأتيها رجل غريب، وهاهي تنتفض انتفاضة العذراء المذعورة، فتلجأ إلى لله تستعيذ به وتستنجد وتستثير مشاعر التقوى في نفس الرجل والخوف من الله .. (( إني أعوذ بالرحمن منك  إن كنت تقيا)) وهنا تتمثل لنا الفتاة الطيّبة البريئة ذات التربية الصالحة التي نشأت في وسط صالح.

كانت تلك الهزَّة الأولى التي أثارت فزعها، ولكن زاد فزعها عندما قال لها :(( إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا)) فكان الاستغراب هو جوابها (( قالت أنّى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا )) نعم، كيف وأنا الطاهرة العفيفة، ولكن الله قادر على كل شيء فحملت بعيسى عليه السَّلام، وهنا زاد همّها وحملها، فعاشت موقفاً كان الأصعب في حياتها، فهي تواجه الآلام النفسية بخوفها من موقف قومها والآلام الجسدية بالحمل والمخاض، فما كان منها إلاَّ أن اختارت الابتعاد عن قريتها حتّى وصلت إلى جذع النخلة، وحان موعد ولادتها كانت لحظة من أصعب اللحظات، فقالت: (( يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا))..

فكان الله وحده يعلم بحالها وكانت تعلم هي أيضاً بأنَّ الله تعالى لن يتركها  فمن كان مع الله تعالى كان الله معه (( فنادها من تحتها أن لا تخافي ولا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا )) لا تحزني يا مريم فلم ينسك الله ولم يتركك بل أجرى تحت قدميك جدولاً سارياً، وهذه النخلة التي تستندين إليها هزيها فتساقط عليك رطبا فهذا طعامك وشرابك من عند الله، فدهشت ولكنَّها مدت يدها فجسدها يحرّكه قلب أحب الله وحقق العبودية له، فأفاقت واطمانت إلى أن الله لا يتركها وإلى أن حجتها معها..هذا الطفل الذي ينطق في المهد.

أحبت الله فأحبها وتولى أمرها، فعندما دخلت على قومها أشارت لطفلها فتكلم بالمهد ليثبت للجميع طهارتها وعفتها، وليريح أمه بأن الله جعله بارّاً لها، فقال: (( إني عبد الله أتاني الكتاب وجعلني نبيّاً وجعلني مباركا أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا)).

قصة مريم ابنة عمران تحمل رسالة لكلِّ فتاة مسلمة تحيا لله ومع الله، فلأنها كانت معه كان الله معها أحبته فأحبّها ولم يتركها وتولى أمرها كله، وتحمل رسالة لكل فتاة جعلت الحياء والطهر ردائها، أنبتها الله نباتا حسنا فكانت خير قدوة لكل مسلمة....

المصادر:
في ظلال القرآن –سيد قطب
قصص القرآن – طارق سويدان
قصص القرآن – عمرو خالد

 

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

alt

إقرار أول قانون للحماية من العنف المنزلي في السعودية

قال مسؤول في مجال حقوق الإنسان إن السعودية أقرت قانونا مهماً يهدف إلى حماية النساء …